استمع إلى الملخص
- يلعب النفط دورًا محوريًا في الصراع، حيث تعتمد الصين على النفط الإيراني الرخيص، مما يجعلها عرضة لتقلبات السوق، بينما تحاول الولايات المتحدة تجنب تأثيرات سلبية على أسعار النفط العالمية.
- تسعى الصين لتعزيز علاقاتها مع دول الشرق الأوسط، مستفيدة من إمدادات النفط الإيراني، مع محاولة الحفاظ على توازن دقيق في سياساتها الخارجية لتجنب تهديد استثماراتها.
يتعقد المشهد كثيراً في الشرق الأوسط، وسط الحرب المباشرة بين إيران وإسرائيل التي تدنو كثيراً، ورغم الحذر الذي تبديه الصين والولايات المتحدة حيال التصعيد، إلا أن كلتيهما تأملان أن تتعرض مصالح الطرف الآخر في المنطقة لضربات مؤثرة، ما يقوض نفوذه واقتصاده.
نفط وتجارة ونفوذ، ثالوث بالغ التأثير، يرى فيه كل من الولايات المتحدة والصين أن بإمكانه أن يوجه ضربة قوية لاقتصاد الطرف الآخر من خلال التوتر المتأجج، والذي قد يكون ساحة خلفية لصراع أشد ضراوة بين بكين وواشنطن، على الرغم من الحذر الشديد والرغبة الشديدة من كلتيهما في ألا يطاول الضرر مصالحهما.
معضلة كبيرة تواجهها واشنطن وبكين على حد سواء، إذ يهدد الصراع الآخذ في الاتساع في المنطقة مصالح الولايات المتحدة لدعمها إسرائيل، وهو ما تراه بكين فرصة لتقويض النفوذ الأميركي في منطقة اتخذت فيها خطوات واسعة للتمدد عبر طريق الحرير وبناء علاقات واسعة مع كبار منتجي النفط وتعزيز حضورها التجاري، لكن الولايات المتحدة ترى في الجهة المقابلة أن ارتدادات الصراع تحمل أخطاراً للاقتصاد الصيني الطموح، إذ من شأن الحرب الواسعة أن تضر شرياناً حيوياً لإمدادات الطاقة، ما يرفع الكلف على المنتجين الصينيين ويقوض تنافسية سلعهم كثيراً، ما يزيد من وتيرة تباطؤ الاقتصاد، الأمر الذي يضر كثيراً الصين، وهو ما تصبو إليه أميركا وحلفاؤها في الغرب، على الرغم من أن ورقة النفط ذاتها هي ما تنظر لها واشنطن بحذر شديد، أملا في ألا تتأثر بها وينعكس ذلك على مستويات الأسعار فيها ويعيد التضخم إلى دائرة الصعود. ويبدو أن كلا العملاقين الاقتصاديين أصبحا على يقين من وقوع ضرر لا محالة من جراء نشوب حرب إقليمية، لكن إدارة الضرر وتوجيهه إلى الآخر بأكبر قدر هما ما يشغلان كل طرف منهما.
شركة فروتيكسا أناليتكس المتخصصة في تتبع الناقلات، قدرت أن الصين "حصلت على رقم قياسي بلغ 1.11 مليون برميل من الخام الإيراني يومياً العام الماضي
في سبتمبر/ أيلول الماضي، ومع تصاعد التوترات بين إيران وإسرائيل، ساعدت الصين في تنظيم مهرجان سينمائي صيني لمدة خمسة أيام في العاصمة الإيرانية طهران. وجرى افتتاح المهرجان بفيلم ناجح للغاية هو "معركة بحيرة تشانغجين" الصادر أواخر سبتمبر/أيلول 2021. ويروي العمل ملحمة تاريخية وقعت أحداثها في خمسينيات القرن الماضي، مع دخول القوات الأميركية إلى أراضي كوريا الشمالية، ليتدخل الجيش الصيني التطوعي والقوات السرية لإنقاذ كوريا الشمالية وطرد الولايات المتحدة، في معارك شرسة. ويظهر الزعيم السياسي والقائد العسكري الصيني، ماو تسي تونغ وهو يحث جنوده على "ضرب ضربة واحدة لتجنب مائة ضربة". وقد أبدى المدونون القوميون في الصين ارتياحهم لعرض الفيلم. وكتب كاتب يحظى بشهرة واسعة: "لا يمكن لإيران أن تجلس مكتوفة الأيدي، حتى لو كانت الولايات المتحدة تدعم إسرائيل".
تقويض المصالح الأميركية فرصة للصين
ترى الصين أن القوة الأميركية تتضاءل في الشرق الأوسط، وتستشعر الفرصة. لقد أقامت علاقات وثيقة مع إيران، ولكن أيضا مع المملكة العربية السعودية ومنافسي إيران الآخرين. تصف الصين استثماراتها الكبيرة في المنطقة كجزء من مبادرة الحزام والطريق المعروفة بطريق الحرير، وهي خطة تدشين البنية الأساسية العالمية التي تهدف إلى تعزيز التجارة والنفوذ الصينيين. ويساعد هذا النهج الصين سياسياً كقوة غير متدخلة. وهي حريصة على تعزيز هذه الصورة بين دول الجنوب العالمي، والتي تنظر إليها على أنها ثقل موازن لأميركا.
وللصين علاقات وطيدة مع إيران، كما لها علاقات كبيرة مع إسرائيل، لكن خلال الحرب المرتقبة فإن المصالح هي التي ستتحدث، وفق محللين. في العام الماضي، حصلت إيران على العضوية الكاملة في منظمة شنغهاي للتعاون، وهو نادٍ أمني واقتصادي أوراسي تهيمن عليه الصين وروسيا. وفي يناير/كانون الثاني الماضي، تم قبول إيران في مجموعة بريكس، وهي مجموعة أخرى تحاول الصين وروسيا رعايتها كمعقل للمشككين في الغرب، وفق تقرير لمجلة إيكونوميست البريطانية.
كما تستفيد الصين من إمدادات إيران الوفيرة من النفط. وحجم هذه التجارة من الصعب تحديده بسبب الإجراءات المعقدة التي تستخدمها الصين وإيران للتهرب من العقوبات الأميركية. لكن التقديرات تشير إلى أنها تتراوح بين 10% و15% من واردات الصين من النفط الخام. وهذا يمثل معظم صادرات إيران من الوقود.
النفط ورقة قوة وضعف
وباعتبارها أكبر مشتر للنفط الأجنبي في العالم، فإن الصين تشعر بالقلق بشأن التأثير المحتمل لحرب أوسع نطاقاً في الشرق الأوسط على تدفق وتكلفة الطاقة. وتبيع إيران نفطها بسعر رخيص. وقد تجبر ضربة إسرائيلية لمنشآت النفط الإيرانية الصين على الاعتماد بشكل أكبر على موردين آخرين أكثر تكلفة مثل السعودية. ولكن الشحنات السعودية قد تتعطل في مضيق هرمز حال إغلاق إيران له، أو البحر الأحمر بسبب الهجمات الصاروخية من جانب الحوثيين على السفن.
ويتم تصنيف جميع النفط الإيراني الذي يدخل الصين تقريباً على أن مصدره ماليزيا أو دول شرق أوسطية أخرى، ويتم نقله بواسطة "أسطول شبحي" من الناقلات القديمة التي عادة ما تغلق أجهزة الإرسال والاستقبال الخاصة بها عند التحميل في الموانئ الإيرانية لتجنب رصدها.
تُظهر بيانات شركة كبلر المتخصصة في تحليل أسواق النفط، أن متوسط صادرات إيران النفطية بلغ حوالي 1.6 مليون برميل يومياً هذا العام
وفي الإطار، قدرت شركة فروتيكسا أناليتكس المتخصصة في تتبع الناقلات، أن الصين "حصلت على رقم قياسي بلغ 1.11 مليون برميل من الخام الإيراني يومياً العام الماضي، ومثل ذلك ما يقرب من 90% من صادرات إيران من النفط الخام و10% من واردات الصين من النفط".
قد لا يكون تأثر إمدادات النفط كارثيا بالنسبة للصين، حيث يُعتقد أن احتياطيها من شأنه أن يغطي ثلاثة أو أربعة أشهر من الواردات المفقودة. ويمثل النفط 18% من إمدادات الطاقة في الصين، مقارنة بـ 34% في أميركا. لكن حرباً كبيرة في الشرق الأوسط قد تهدد المصالح التجارية للصين في المنطقة. ولقد ضخت بكين مليارات الدولارات في مشاريع الطاقة والبنية الأساسية، وخاصة في دول الخليج مثل السعودية والإمارات. كما أن إسرائيل هي أيضا متلقية للاستثمار الصيني (على الرغم من دعم الصين طويل الأمد للقضية الفلسطينية).
ورغم أن تقارير أميركية تطرقت خلال اليومين الماضيين، إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أبلغ حليفه الأميركي جو بايدن أنه يعتزم ضرب الجيش الإيراني وليس البنية التحتية الإيرانية النووية والنفطية، إلا أن الكثير من الشكوك تحيط بما يصدر عن حكومة الاحتلال منذ اندلاع الحرب على غزة في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
ومن شأن توجيه ضربة إلى منشآت إنتاج النفط وتصديره أو حتى مصافي التكرير أن يوجه ضربة موجعة لإيران واقتصادها. وتُظهر بيانات شركة كبلر المتخصصة في تحليل أسواق النفط، أن متوسط صادرات إيران النفطية بلغ حوالي 1.6 مليون برميل يومياً هذا العام، ولكن شهر سبتمبر/أيلول الماضي وحده شهد رقماً قياسياً رغم العقوبات الأميركية، حيث وصلت الصادرات إلى حوالي 1.88 مليون برميل يومياً، في وقت تقدر مؤسسة سيتي غروب المصرفية إنتاج إيران النفطي بنحو 3.4 ملايين برميل يومياً، وأكثر من 700 ألف برميل يومياً من المكثفات.
وتقع المرافئ الرئيسية للتصدير في جزيرة خارج، ولاوان، وسيري، كما تلعب حقول "بارس الجنوبي" و"كارون الغربية" دوراً هاماً في إنتاج المكثفات والنفط. وحوالي 95% من صادرات النفط الإيرانية تصدر من ميناء خارج، و97% من هذه الشحنات تذهب إلى الصين أكبر مستهلك للطاقة في العالم، وهو ما يعني أن أي ضربة تستهدف الإنتاج أو التصدير، ستؤثر على الصين، والدول المستهلكة، نظراً لإمكانية ارتفاع الأسعار في السوق العالمية.
وتلجأ إيران منذ العقوبات الأميركية التي طاولت قطاع النفط، إلى التخزين العائم، وهو إبقاء النفط في السفن في عرض البحر حتى يصبح جاهزاً للتصدير. ويبدو أن إيران تتحوط من جراء إمكانية الهجوم على مثل هذه الأهداف، إذ أفاد موقع تانكرز تراكرز المتخصص في متابعة شحنات النفط والسفن، بأن ناقلات النفط العملاقة التابعة لشركة ذا ناشيونال إيرانيان تانكرز كومباني الحكومية، غادرت أكبر موانئ البلاد النفطية في وقت سابق من الشهر الجاري.
شكوك في التوجهات الأميركية
وبينما تبدو تصريحات الرئيس الأميركي جو بايدن حاسمة بشأن تحذير إسرائيل من ضرب نفط إيران، إلا أن مراقبين يشككون في جدية البيت الأبيض حيال ذلك حتى لو كانت تقارير كثيرة تتحدث عن انعكاس ضرب المنشآت النفطية الإيرانية على أسعار النفط عالمياً ما يضر بالمستهلكين الأميركيين ويؤثر سلباً على المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس.
ولعل تقرير وكالة الطاقة الدولية، الصادر الثلاثاء الماضي، قد أشار إلى سيناريو التحوط من تداعيات ضرب النفط الإيراني. وقالت الوكالة التي تتخذ من باريس مقراً لها وتمثل 29 دولة على رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، إنها على استعداد للتحرك إذا لزم الأمر لتغطية أي تعطل للإمدادات من إيران. وأشارت الوكالة التي تدير مخزونات الطوارئ من النفط للدول الصناعية، إلى أن المخزونات العامة تجاوزت 1.2 مليار برميل، كما أن الطاقة الفائضة في دول تحالف أوبك+ التي تضم دول أوبك وحلفاء مثل روسيا، بلغت مستويات مرتفعة تاريخية. ولفتت إلى أن سوق النفط العالمية تتجه نحو فائض كبير في عام 2025.
وفي خضم بحث واشنطن وبكين عن فرصة لتقويض مصالح الطرف الآخر من خلال الحرب المرتقبة، هناك من يشير إلى أن استبعاد ورقة النفط يبعد شبح أزمة قد تشتعل على نطاق واسع عالمياً، لاسيما أن مخاطر قطع الإمدادات لا تنحصر في النفط الإيراني، وإنما الخام المتدفق من بلدان أخرى في المنطقة مؤثرة في خريطة الإمدادات الدولية. وذكر "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى" في ورقة بحثية نشرها في 11 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، أنه "ينبغي على الإدارة الأميركية الاستمرار في ثني إسرائيل عن استهداف منشآت النفط الإيرانية".
حوالي 95% من صادرات النفط الإيرانية تصدر من ميناء خارج، و97% من هذه الشحنات تذهب إلى الصين أكبر مستهلك للطاقة في العالم
واعتبرت الورقة أن "إسرائيل ستحقق نتائج أفضل إذا ركز أي هجوم على منظمة عسكرية أو أمنية أو استخباراتية للنظام، وخاصة مقر الحرس الثوري أو قوات الباسيج (قوات التعبئة الشعبية شبه العسكرية)، أو منشأة تدعم بشكل مباشر برنامج إيران للصواريخ أو عمليات وكلائها في المنطقة". وأضافت أن من شأن تحديد هدف للنظام أن يقلل من خطر التصعيد إلى حرب شاملة، وقد لا يحمل العديد من المخاطر على إمدادات الطاقة الإقليمية والعالمية أيضاً.