وصلت مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا غورغييفا إلى العاصمة المصرية القاهرة، أول من أمس السبت، للقاء مسؤولين مصريين، وسط نقاش مفتوح حول برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي وافق عليه الصندوق في مارس/آذار الماضي، ورفع بموجبه قيمة القرض إلى 8 مليارات دولار.
ويأتي ذلك، في ظل مخاوف من قفزة جديدة للدولار أمام الجنيه المصري وموجة غلاء تفاقم معيشة المواطنين. وفي هذا الإطار استقبل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، صباح أمس الأحد، مدير عام صندوق النقد الدولي، والوفد رفيع المستوى المرافق لها، بحضور رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي، ومحافظ البنك المركزي حسن عبد الله، ووزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي رانيا المشاط، ووزير المالية أحمد كوجك.
أوضح بيان المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية أحمد فهمي، أن المناقشات تناولت التطورات الخاصة بتنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي يجري تنفيذه بالشراكة مع الصندوق، لافتاً إلى أن الرئيس السيسي أعرب عن تطلع مصر إلى استكمال التعاون مع الصندوق، خلال الفترة المقبلة، والبناء على ما تحقق بهدف تعزيز استقرار الأوضاع الاقتصادية، وخفض معدلات التضخم.
صندوق النقد وأعباء على كاهل المواطنين
وأشار الرئيس المصري إلى ضرورة مراعاة المتغيرات وحجم التحديات التي تعرضت لها مصر في الفترة الأخيرة، بسبب الأزمات الإقليمية والدولية، التي كان لها بالغ الأثر على الموارد الدولارية وإيرادات الموازنة العامة، مشدداً على أن أولوية الدولة تخفيف الضغوط والأعباء عن كاهل المواطنين، ولا سيما من خلال مكافحة التضخم وارتفاع الأسعار، مع استمرار جهود جذب الاستثمارات وتمكين القطاع الخاص لزيادة معدلات التشغيل والنمو.
من جهتها أبدت مديرة صندوق النقد الدولي، تفهمها الكامل لحجم التحديات الكبيرة التي تواجهها مصر في ضوء المستجدات الإقليمية والدولية، منوهة إلى سعي الصندوق - بالشراكة مع الحكومة المصرية - للتوصل إلى أفضل مسارات الإصلاح التي تراعي جميع الأبعاد ذات الصلة، بما يحافظ على نتائج الإصلاحات ذات الأثر الإيجابي على الاقتصاد المصري، خاصة على صعيد تحسين المؤشرات الكلية للاقتصاد، وتعزيز جهود النمو والتنمية، المدفوعة في الأساس بنمو القطاع الخاص.
أكدت غورغييفا في تصريحات صحافية على اتفاق الصندوق التام مع أهمية المزيد من التركيز على مكافحة التضخم واتخاذ الإجراءات الكفيلة بالحد منه، منوهة إلى أن البرنامج الإصلاحي الذي يتم تنفيذه بعناية يضع الفئات الأكثر احتياجاً في مقدمة الأولويات، مستفيداً بالتقدم الذي تحرزه مؤشرات الاقتصاد الكلي رغم التحديات غير المسبوقة في الفترة الراهنة، وهي المؤشرات التي انعكست في النظرة الإيجابية لمؤسسات التصنيف الائتماني الدولية ورفع تصنيف مصر الائتماني وتزايد الاستثمارات.
عكست التصريحات الرسمية أجواء من الغموض على الموضوعات التي سبق أن طرحتها الحكومة الأسبوع الماضي، وعدد من نواب البرلمان والاقتصاديين، الذين طالبوا بتأجيل رفع الدعم عن السلع الأساسية وتطبيق أية زيادات جديدة في أسعار المحروقات والطاقة لفترة عامين، بما يضمن وقف ضغوط الغلاء والتضخم الهائل على المواطنين ويخرج الشركات من حالة الركود التي عادت إليها بسبب زيادة التضخم، وشح الدولار، وتراجع الاستهلاك، بسبب ضعف القوة الشرائية للمواطنين.
تراجع الجنيه مقابل الدولار
وشهدت الأسواق تراجعاً للجنيه مقابل الدولار الذي قفزت أسعاره خلال اليومين الماضيين، ليزيد عن 49 جنيهاً، في البنوك الرسمية. وفقد الجنيه نحو 50 قرشاً، بنسبة 1% من قيمته منذ نهاية الأسبوع الماضي، إذ ارتفع سعر شراء الدولار بالبنوك إلى حدود 48.93 جنيهاً وقاد البنك المركزي صعود سعر البيع عند 49.03 جنيهاً، وفي السوق الموازية ارتفع إلى 49.46 جنيهاً في المتوسط، وفي سوق الذهب تخطى الدولار 49.10 جنيهاً متأثراً بالزيادة التاريخية في سعر أونصة الذهب عند 2735 دولاراً بالشاشات العالمية.
تفسر خبيرة أسواق المال حنان رمسيس تراجع الجنيه بعد ثبات سعر الدولار منذ أغسطس/ آب، عن حدود ما بين 47.50 إلى 48.50 جنيهاً، برغبة لدى الحكومة والبنك المركزي، في توجيه رسالة إلى مديرة صندوق النقد الدولي التي تقود وفداً رفيع المستوى لإجراء مفاوضات مع الحكومة حول برنامج الإصلاح الاقتصادي، بوجود سعر صرف مرن، تحدده آليات السوق، التي تدفعه إلى الصعود والهبوط، من دون التحكم في السعر من قبل البنك المركزي.
وتشير إلى سعي الحكومة في الاستفادة من ارتفاع قيمة الدولار مقابل الجنيه، في إطار سياسة مرونة موجهة تستهدف تشجيع جذب تحويلات المصريين في الخارج، التي تزيد مع اقتراب نهاية العام وبداية نصف العام الدراسي الثاني، بالتزامن مع توقيت تخارج استثمارات أجنبية بأدوات الدين، والتي تحقق لحاملي السندات والأذون أعلى عائد بالاستفادة المزدوجة من زيادة معدلات الفائدة وتراجع الجنيه، بما يغري أصحاب الأموال الساخنة، على زيادة مدة بقاء استثمارها في أدوات الدين المحلية.
تؤكد رمسيس أن سعر الدولار سيشهد خلال الأيام المقبلة حالة من التذبذب، ليرتفع إلى حدود 50 جنيهاً، مع إمكانية عودته إلى نقطة تراجع عند حدود 48.60 جنيهاً خلال هذه الفترة، متأثراً بزيادة الطلب على الدولار من قبل الحكومة، لسداد أقساط الديون وفوائدها بالعملة الصعبة، والتي تبلغ نحو 21 مليار دولار، خلال شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري.
اتجاه معاكس لتحسن التصنيف
يأتي التراجع بقيمة الجنيه، في اتجاه معاكس لتحسن في تصنيف مصر الائتماني أصدرته وكالة " فيتش" للتصنيف الائتماني الخميس الماضي، التي رفعت مصر من B- إلى B+ مع نظرة مستقبلية مستقرة للمرة الأولى منذ عام 2019. أشارت الوكالة إلى تزايد الثقة في مواصلة الحكومة للإصلاحات الهيكلية للاقتصاد، بعد التزامها بتنفيذ برنامج موسع مع صندوق النقد الدولي، بقيمة 8 مليارات دولار، وحزمة مساعدات تعهد بها الاتحاد الأوروبي في حدود 7.4 مليارات يورو وتدفقات النقد الأجنبي من بيع مدينة رأس الحكمة للصندوق السيادي بالإمارات، بقيمة 35 مليار دولار.
في السياق ذاته يرى خبير التمويل والاستثمار رشاد عبده أن زيادة الدولار مقابل الجنيه عند حدود 1% لا تمثل أية مخاوف شديدة في سعر العملة، مستدركاً بأن الخطورة الحقيقية التي تواجه الجنيه، وتدفع الدولار إلى الصعود الدائم، هي اتجاه الحكومة إلى بيع الأصول لتمويل العجز في الموازنة ومواجهة ضغوط الدولار، من دون أن توجد أنشطة صناعية وخدمية قادرة على توليد الدولار أو خفض معدل الواردات السلعية الأساسية التي تستهلك معظم احتياطات البلاد من النقد الأجنبي.
يلفت عبده إلى أن المؤشرات التي أصدرتها وكالة "فيتش" لا تعبر حقيقة عن قوة الاقتصاد، ولكن تعكس قدرة الحكومة على بيع الأصول، مع وجود إصرار من رئيس الحكومة مصطفى مدبولي على تقديم إغراءات لبيع المزيد من الأراضي والفنادق والمنشآت العامة، بما يمكنه من توفير النفقات الهائلة التي يبددها على مشروعات غير مدروسة أو استيراد السلع الأساسية للدولة.
يؤكد خبير التمويل والاستثمار أن الحكومة ستظل غير قادرة على مواجهة أزمة الدولار وتراجع الجنيه، لعدم امتلاكها للكوادر التي تستثمر الموارد المتاحة للدولة بشكل أفضل، بما يخلق اقتصاداً قوياً قادراً على توفير فرص عمل، منوهاً إلى أن الحكومة تمارس ضغوطاً قوية على المواطنين، في وقت لا تريد أن تترك مجالاً واسعاً أمام المستثمر المصري أو الأجنبي، لدفع عمليات التصنيع والإنتاج.
من جانبه، دعا أمين شعبة المصدرين باتحاد الغرف التجارية أحمد زكي الحكومة العمل على تعميق الصناعة المحلية، بما يضمن زيادة معدل النمو عن المعدلات التي حددها صندوق النقد عند 4.1% خلال العام المالي الجاري، لافتاً إلى أن زيادة الإنتاج المحلي والمعروض السلعي بالأسواق تساهم في خفض أسعار المنتجات، والضغط على طلب الدولار.