قررت الحكومة المصرية، التخلص من قلعة الحديد والصلب بسبب مديونيات الشركة العريقة الرائدة، في ما وصفه مراقبون بـ"تصفية إكلينيكية"، لكن القرار الرسمي حتى الآن مرهون بعقد الجمعية العمومية للشركة.
البداية كانت حكومية خالصة، عندما أعلنت إدارة الشركة المصرية للحديد والصلب، وبطلب من الشركة القابضة للصناعات المعدنية، ووزارة قطاع الأعمال المصرية، الدعوة لعقد جمعية عمومية للشركة، منتصف الشهر الماضي، لإعادة تشكيل مجلس الإدارة طبقًا للقانون رقم 185 لسنة 2020، وتعديل النظام الأساسي للشركة والموافقة على فصل نشاط المناجم والمحاجر عن باقي أنشطة الشركة، وتأسيس شركة مساهمة جديدة لهذا النشاط مملوكة لذات المساهمين الحاليين للشركة، وعلى أن يحصل كل حامل سهم بالشركة على سهم مجاني بالشركة الجديدة، على أن يتم التقسيم بالقيمة الدفترية، وقيام الشركة باتخاذ الإجراءات اللازمة في هذا الشأن.
ولعلمهم بأن هذه القرارات ما هي إلا محاولة لتقسيم الشركة بشكل يمهد لتصفيتها، حاول مجلس إدارة الشركة واللجنة النقابية داخلها، منع انعقاد الجمعية العمومية للشركة بالاحتكام سريعًا للقضاء. وقررت محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة المصرية، تأجيل دعوى النقابة العامة للصناعات الهندسية والمعدنية واللجنة النقابية وبعض أعضاء مجلس إدارة شركة الحديد والصلب الوطنية، ضد وزير قطاع الأعمال العام، ورئيس مجلس إدارة الشركة القابضة للصناعات المعدنية، لوقف مقررات الجمعية العامة العادية وغير العادية للشركة، التي عقدت في 12 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وتقرر فيها الموافقة على مقترح فصل نشاط المحاجر والمناجم في شركة مستقلة مملوكة لنفس المساهمين.
المتخوفون من ملامح التقسيم والتصفية الخفية للشركة، طالبوا في دعواهم القضائية بوضع خطة لتطوير الشركة خاصة وأنها تمتلك من المقومات والإمكانيات ما يؤهلها للعودة إلى سابق عهدها لخدمة الدخل القومي المصري، وتلبية احتياجات السوق بالتصدير للخارج.
وأكد مراقبون أن قرار التقسيم هذا، ما هو إلا "تصفية إكلينيكية" وتمهيد لإغلاق الشركة بهدف التركيز على تنمية المناجم في الواحات البحرية المصرية، لكن ما يعرقل هذه القرارات أنها لا بد أن تصدر من الجمعية العمومية للشركة، بموجب القانون.
وفي 2 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، أوصت الجمعية العامة باستمرار نشاط الشركة حتى انعقاد الجمعية العامة المقبلة لمزيد من الدراسة، كما أوصت بسرعة تصريف المنتج المخزون والراكد في الشركة ودراسة الأرصدة الدائنة والمدينة والأرصدة المتوقفة للعملاء والموردين، على خلفية الشكوك التي أبداها الجهاز المركزي للمحاسبات (جهة رقابية رسمية مصرية) حول قدرة الشركة على الاستمرار فى ظل تراكم المديونيات وضعف الإنتاج وعدم القدرة على سداد الالتزامات.
وأوصت الجمعية العمومية بسرعة اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بشأن السرقات والتلاعب والتزوير والاختلاس.
وتقدر خسائر الشركة، بحسب الأرقام الرسمية المعلنة، بحوالي 784 مليون جنيه (الدولار = 5.75 جنيهات) خلال العام الماضي، كما بلغ إجمالي الديون المستحقة عليها أكثر من 8 مليارات جنيه، حتى 2019.
في المقابل، تراكمت مديونيات شركة الحديد والصلب خلال السنوات الماضية لصالح شركات الكهرباء والغاز الحكومية المصرية، لتصل إلى نحو 5.3 مليارات جنيه خلال العام المالي المنتهي في يونيو/حزيران 2019، ما دفع الشركة لتوقيع اتفاقية تسوية مديونية لصالح شركة الغاز المصرية في فبراير/شباط الماضي، وصلت قيمتها لما يقرب من 3.6 مليارات جنيه.
يشار إلى أن شركة الحديد والصلب المصرية تخسر، على الرغم من أن سعر طن الحديد وصل في بعض الأحيان ومنذ وقت قريب إلى 13 ألف جنيه (حوالي 833 دولارا)، في بلد لا يتوقف فيه البناء والتعمير.
كما وقعت شركة الحديد والصلب المصرية، في 2018، اتفاقا تكميليا لتسوية نزاع المديونية مع بنك مصر عبر نقل ملكية قطعة أرض تساوي 375 مليون جنيه. ومدت الشركة أجلها 25 عاما جديدة تنتهي في 2043، على أمل تحسن الأوضاع.
وبموجب هذا الاتفاق؛ استحوذت الشركة القابضة للصناعات المعدنية على 82.4% من أسهم شركة الحديد والصلب بعد بيعها 73.3 مليون سهم في يناير/كانون الثاني 2019 (تمثل 7.51 في المائة) لبنك مصر في إطار صفقة مبادلة ديون.
كما استحوذت شركة النصر للتعدين على نسبة 0.99 في المائة من إجمالي الأسهم، إضافة إلى آخرين ممن يستحوذون على نسب أقل من 5 في المائة وفقا لآخر إفصاح حول هيكل الملكية بتاريخ 20 يوليو/تموز الماضي. ويبلغ رأس مال الحديد والصلب حاليا ملياري جنيه.
تعتبر شركة الحديد والصلب أول وأكبر شركة في المنطقة العربية، وهي مدرجة بالبورصة المصرية.
تأسست عام 1954 بمرسوم جمهوري في منطقة التبين بحلوان جنوبي القاهرة، وبدأ إنتاجها عام 1961 حسب خطة تستهدف إنتاج الحديد والصلب بطاقة مليون ومائتي ألف طن سنويا مطابقة للمواصفات المحلية والعالمية، لتكون بذلك، أول مجمع متكامل لإنتاج الصلب فى العالم العربي، برأس مال 21 مليون جنيه آنذاك، مع 25 ألف عامل، تقلص عددهم مع مرور الوقت إلى 12 ألفًا فقط.