مصر تلجأ إلى غاز الاحتلال لإنهاء أزمة الكهرباء

23 سبتمبر 2024
الحكومة تتعهّد بإنهاء انقطاع الكهرباء بالتزامن مع بداية الدراسة (حازم جودة/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **مفاوضات وتدابير الحكومة المصرية لتأمين الغاز**: تسعى الحكومة المصرية لتوفير ملياري دولار لشراء الغاز لفصلي الخريف والشتاء 2024-2025، مع موافقة السعودية وليبيا على تمويل 200 مليون دولار وزيادة واردات الغاز من إسرائيل بنسبة 38%.

- **إجراءات الحكومة لمواجهة انقطاع الكهرباء**: أعلن رئيس الوزراء مصطفى مدبولي عن إعادة جدولة انقطاعات الكهرباء وتأمين شحنات الغاز والمازوت لضمان استقرار تشغيل محطات الكهرباء، مع زيادة الشحنة اليومية من الغاز الإسرائيلي بنسبة 50% بنهاية 2025.

- **استراتيجيات وتحديات قطاع الغاز المصري**: تعاقدت وزارة البترول على شراء 20 شحنة من الغاز الطبيعي المسال، وتسعى لاستعادة قدرات الإنتاج إلى خمسة مليارات قدم مكعبة يومياً بحلول يونيو 2025، مع تراجع صادرات الغاز منذ ديسمبر 2023.

تجري الحكومة المصرية مفاوضات مع جهات تمويل دولية، لتوفير نحو ملياري دولار، تمكّنها من تدبير شراء الغاز والمواد البترولية، خلال فصلي الخريف والشتاء 2024-2025. حصلت الحكومة على موافقة من السعودية وليبيا تضمن تدبير 200 مليون دولار، لتمويل صفقة شراء الغاز خلال شهري أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني، مع موافقة أطراف أوروبية على قبول الدفع الآجل لمشتريات الغاز لمدة ستة أشهر، بالتوازي، مع زيادة واردات الغاز من إسرائيل بنسبة 38% عن معدلات شهر أغسطس/آب الماضي.

بين عشية وضحاها من إبلاغ مجلس الوزراء الجهات المعنية بالدولة، بعودة انقطاع التيار الكهربائي اعتباراً من منتصف سبتمبر/ أيلول الجاري، تراجع رئيس الوزراء مصطفى مدبولي نهاية الأسبوع الماضي، معلناً في مؤتمر صحافي عن توجه الحكومة نحو إعادة جدولة انقطاعات التيار الكهربائي بين جمهور المستهلكين، التي تسببت في حالة من الغضب بين المواطنين، وخسائر فادحة للقطاعات الصناعية والإنتاجية والتجارية، بداية الصيف الماضي.

وأكد مدبولي عدم قطع الكهرباء مرة أخرى، وعدم تخفيف للأحمال، مشيراً إلى تمكّن الحكومة من تأمين شحنات من الغاز والمازوت، لضمان استقرار تشغيل محطات توليد الكهرباء، على مدار الساعة.
 

زيادة الواردات من إسرائيل

اتفقت الحكومة مع إسرائيل على زيادة الشحنة اليومية من الغاز الإسرائيلي بنسبة 50% لترتفع من 850 مليون قدم مكعبة يومياً إلى 1.6 مليار قدم مكعبة بنهاية عام 2025، عقب الانتهاء من توسعة خط نقل الغاز الذي يربط بين شبكتي الغاز لدى الطرفين. وأسرعت الحكومة بالاتفاق مع المورد الإسرائيلي على بدء زيادة الواردات بنسبة 18%، في شهر سبتمبر الجاري، على أن ترتفع بنسبة 20%، اعتباراً من أكتوبر المقبل، ليبلغ إجمالي الشحنة 1.2 مليار قدم مكعبة يومياً، لمساعدتها على مواجهة النقص الحاد المستخرج من الآبار المحلية.

وتحصل وزارة البترول على شحنات الغاز الإسرائيلي، وفق اتفاق وقعته عام 2020، يلزم شركة دولفينوس القابضة المصرية بشراء الغاز من شركة نوبل إنرجي الإسرائيلية، التي آلت ملكيتها إلى "ديليك دريلينغ" الإسرائيلية و"شيفرون" الأميركية، بقيمة 15 مليار دولار، بسعر متوسط للمليون وحدة حرارية يقدر بنحو 6.5 دولارات.
وتأمل الحكومة أن يرتفع إنتاج الغاز المحلي خلال العام المقبل، لتضيق الفجوة بين الواردات والصادرات من الغاز الطبيعي، خلال عام 2025، بينما يبدي خبراء تخوفهم من تزايد معدلات الانخفاض، في ظل نقص الاستثمارات اللازمة لتطوير الآبار المنتجة واستكشاف مناطق جديدة.
ويتوقع خبراء "إنرجي أسبكتس" لاستشارات الطاقة، أن يواصل إنتاج الغاز المحلي تراجعه بحلول نهاية 2028، تقابله زيادة في استهلاك الطاقة بنسبة 39%، خلال العقد المقبل.

انخفاض أسعار الغاز

أكد خبير اقتصاديات البترول، جمال القليوبي، أن انخفاض أسعار الغاز بالأسواق الدولية شجع الحكومة على التوسع في شراء الغاز، وإن اضطرت إلى دفع علاوة مضاعفة لسعر الشراء، بما يضمن قدرتها على توفير احتياجات الدولة من الغاز خلال الأشهر المقبلة.
وقال القليوبي لـ"العربي الجديد" إن توفير الغاز من المنظور الاقتصادي أمر مهم للدولة، في ظل معدلات نقص تصل إلى 900 مليون قدم مكعبة يومياً، وحاجة الدولة إلى تدبير ثلاثة مليارات قدم مكعبة لتوليد الكهرباء، من بين 5.4 مليارات قدم متوفرة حالياً، وتعهدها بضمان توفير الغاز لمصانع الأسمدة والبتروكيماويات المرتبطة بعقود تصدير جيدة، وتخشى فقد أسواقها الدولية، بالإضافة إلى تأمين احتياجات باقي المصانع والمنازل ومحطات الوقود.
ويشير خبير اقتصاديات البترول إلى أهمية التزام الدولة بتشغيل المصانع الموجهة للتصدير، وخاصة الأسمدة، باعتبارها مسألة أمن قومي، تماشياً مع ضمان توفير الطاقة واستقرارها على مدار الساعة، بما يحقق استراتيجية الدولة في تشجيع الاستثمار الأجنبي، وجلب الشركات الصناعية.
وفسر القليوبي تراجع الحكومة عن قطع التيار بوضوح الرؤية لدى مجلس الوزراء، بعد أن ظلت ضبابية لأيام، لتمكنها من تدبير الدولار اللازم لشراء صفقات الغاز طوال فترة الشتاء، وبما يضمن قدرتها على توفير الطاقة حتى نهاية عام 2025، الأمر الذي يجري مع تنشيط الاعتماد على الطاقة المتجددة، لتساهم بنحو 4000 ميغاوات من الكهرباء، على أن ترتفع إلى 4350 ميغاوات بنهاية 2025، بما يعادل استخدام 820 مليون قدم مكعبة يومياً، توازي قيمة الشحنات المستوردة، ومنح قطاع البترول التمويل اللازم، لإعادة الطمأنينة للمستثمرين الأجانب، ودفع مستحقاتهم المتأخرة بالكامل خلال 15 شهراً، مع جذب شركات جديدة، لتطوير حقول الغاز والنفط واستكشاف مناطق أخرى شمال البلاد.

يؤكد القليوبي لجوء وزارة البترول إلى تخزين الغاز المسال بمحطتي "تغويز"، جرى الاتفاق على شراء إحداهما التي تعمل في ميناء العين السخنة حالياً، وأخرى مرابطة بميناء العقبة، ستصل إلى شمال البلاد، الشهر المقبل، بما يضمن وجود احتياطي استراتيجي من الغاز، يجري توفيره بالتوازي مع تعجيل تنفيذ خط ربط الغاز الطبيعي من دولة قبرص إلى خط الأنابيب المصرية التي تربط حقل ظهر بشبكة الغاز المحلية.

شراء 20 شحنة

في أول مناقصة لتغطية احتياجات الاستهلاك المحلي من الغاز خلال فترة الشتاء، منذ عام 2018، تعاقدت وزارة البترول على شراء 20 شحنة من الغاز الطبيعي المسال، بما يضمن توفير الغاز لمحطات الكهرباء، حتى نهاية العام الجاري.
ووسط تهافت مصر على شراء الغاز في بداية انتعاش موسم الاستهلاك في أوروبا، ارتفعت أسعار الغاز بالأسواق الدولية، مع ذلك حصلت الحكومة على عروض بتوريد المليون وحدة حرارية بريطانية بسعر دولار واحد، بما يقل 40% عن الأسعار المتوقعة، بينما ستدفع علاوة تتراوح ما بين 1.7 دولار إلى 1.9 دولار لسعر الغاز القياسي الهولندي للشحنات، وفقاً لتقرير وكالة رويترز، بما يرفع التكلفة الإجمالية للغاز بعد تسييله إلى أقل من ثلاثة دولارات للمليون وحدة حرارية، لتظل أسعار الشراء من الأسواق الدولية أرخص من قيمة التكلفة الواردة من الغاز الإسرائيلي.

في سياق متصل، بدأت مصر وتركيا محادثات للتعاون في مجال الغاز الطبيعي المسال، مستفيدة من التقارب السياسي الذي حدث مؤخراً بين القاهرة وأنقرة، تستهدف توريد الغاز المسال، الذي توفره خطوط الأنابيب القادمة من أذربيجان وروسيا وإيران، وتحالف شركات أوروبية وأميركية تعمل على استغلال بعض حقول الغاز في شرق البحر المتوسط، لتوجيه جزء منه إلى مصر، بالتوازي مع استمرار الشحنات الموردة للشركات التركية التي تتجه إلى الاتحاد الأوروبي.
 

مصر تستورد من السعودية وليبيا

شجّع تراجع أسعار النفط والغاز بالأسواق الدولية، خلال الأيام الماضية، والحصول على قروض لتمويل صفقة شراء الغاز الجيدة من ليبيا والسعودية، وقبول الشركات الأوروبية نظام الدفع الآجل، لمدة ستة أشهر، في اتخاذ قرار الحكومة المفاجئ، بعدم قطع التيار الكهربائي عن المواطنين.

وساهمت السعودية وليبيا بقيمة 200 مليون دولار، لتمويل صفقة الغاز الجديدة لفصل الخريف، التي جرت عبر مناقصة على أساس الدفع الآجل، لمدة ستة أشهر، بتكلفة إجمالية بلغت 907 ملايين دولار.
وتسعى الحكومة لاستعادة قدرات الإنتاج عند مستوى خمسة مليارات قدم مكعبة يومياً في يونيو/ حزيران 2025، وفقاً لتصريحات رئيس الوزراء، الذي أرجع انخفاض الإنتاج المحلي خلال الأشهر الماضية، إلى عدم قدرة الحكومة على سداد مستحقات شركات الإدارة وتشغيل الآبار الأجنبية، الأمر الذي دفع الحكومة إلى الإسراع بسداد نحو 25% من مستحقاتها في يوليو/ تموز الماضي، مع وعود بتقسيط باقي المتأخرات، وفقاً لجدول زمني لا يتخطى نهاية 2025، بما أعاد زخم الاستثمار الأجنبي، في قطاع إنتاج البترول والغاز.
وتراجعت صادرات مصر من الغاز إلى الأسواق الأوروبية والدولية، منذ ديسمبر/ كانون الأول 2023، مع الانخفاض الكبير في إنتاج حقل ظهر، الذي يرجعه خبراء لأسباب فنية، بينما تؤكد الحكومة أنه جاء بسبب وقف الشركات الأجنبية تطوير الحقول المستكشفة لعدم دفع الحكومة مستحقاتها المالية، التي بلغت 6.2 مليارات دولار منتصف 2024، وتراجعت إلى 3.2 مليارات دولار في سبتمبر الجاري.
وسجلت العقود الآجلة للغاز انخفاضاً في البورصات العالمية الأسبوع الماضي، بنسبة 16%، عن مستواها المسجل في الفترة نفسها من العام الماضي، متأثرة بزيادة العرض، وتحسن الأجواء بموسم الشتاء، وتوقع انخفاض الطلب من كبار المستهلكين بأوروبا وشرق آسيا، وارتفاع المخزون بالأسواق الأميركية.

المساهمون