استمع إلى الملخص
- ردود فعل متباينة تجاه الأزمة شملت سخرية من الحكومة بسبب فشلها في إدارة الأزمة ونقص الوقود لمحطات التوليد، بينما أشار الرئيس المصري إلى نقص الأموال لشراء الوقود كسبب رئيسي للأزمة.
- خسائر فادحة للمزارعين والصناعات بسبب الانقطاعات، مع تأثيرات سلبية على الزراعة وارتفاع تكلفة التشغيل وصعوبات في الري وحفظ المحاصيل، مما يهدد بارتفاع أسعار الخضروات والسلع الغذائية.
أشعلت الحكومة نيران غضب المصريين من استفحال أزمة انقطاعات الكهرباء المستمرة منذ عامين، بإصدار قرارات مفاجئة بمد فترة قطع الخدمة عن المصانع والمواطنين، لمدة ساعة إضافية لتصبح ثلاث ساعات بدلا من ساعتين يوميا.
ولكن في الواقع وصلت معاناة المصريين من انقطاع الكهرباء إلى مدة ست ساعات بحد أدنى على مرتين، في محافظات القاهرة الكبرى والإسكندرية (شمال) بداية من الساعة الواحدة والنصف من ظهر أول من أمس الاثنين وحتى الواحدة بعد منتصف الليل، وذلك عشية امتحان اللغة الأجنبية الثانية لطلاب شهادة الثانوية العامة.
جاءت تصرفات الحكومة، بعد ساعات من بداية موسم صيف شديد الحرارة، يستمر نحو ثلاثة أشهر، وهبوب موجات حارة، على أنحاء البلاد. برر مجلس الوزراء قرار تمديد فترة انقطاعات التيار، بزيادة استهلاك محطات الكهرباء من الغاز، مع هبوب الموجة الحارة، المتوقعة من جانب هيئة الأرصاد الجوية.
حذرت الأرصاد الجوية المواطنين من خطورة تعرضهم للشمس الحارقة، خاصة في جنوب البلاد، حيث بلغت حرارة الجو نحو 48 درجة مئوية، بينما لجأت الحكومة إلى قطع التيار دون سابق إنذار، بما أثار حالة استياء بين الجمهور.
قطع الكهرباء نيران صديقة
أطلق إعلاميون مقربون من السلطة نيراناً صديقة على الحكومة، في برامجهم اليومية" التوك شو"، ساخرين من لجوء الحكومة إلى قطع التيار ثلاث ساعات، دون إخطار مسبق، بحجة ارتفاع درجة الحرارة، دون الإشارة إلى عدم قدرتها على توفير الغاز اللازم لتشغيل محطات التوليد.
تساءل إعلاميو السلطة عن الأسباب التي تدعو الحكومة إلى تجاهل إخطار المواطنين بمواعيد قطع التيار، وزيادة فترات انقطاع الكهرباء، رغم أن أسباب الأزمة أصبحت معروفة للجميع. وأفصح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عنها بإشارته إلى أنها نتيجة لعدم وجود الأموال الكافية لشراء الوقود اللازم لتشغيل المحطات.
يبدي نشطاء على وسائل التواصل الاجتماعي سخريتهم من حالة الاضطراب الواضحة على أداء الحكومة في حل أزمة نقص الطاقة، والتي تدفعهم إلى قطع التيار كلما اشتدت درجات حرارة الأجواء، مشيرين إلى تجاهل المسؤولين لزيادة أعداد المتوفين من جراء قطع التيار عن المصاعد، والتي راح ضحيتها مشاهير من الفنانين وقيادات بقطاع السياحة خلال الشهر الماضي.
وجهت الحكومة جمعيات الأعمال إلى عدم التحدث إلى وسائل الإعلام حول تداعيات الأزمة على المصانع والشركات. أجّل البرلمان مناقشة عشرات من طلبات الإحاطة تقدم بها أعضاء بمجلس النواب، لمساءلة الحكومة عن أسباب تفاقمها، وسبل حلها. حذر برلمانيون من توجّه الحكومة إلى رفع أسعار الكهرباء خلال أيام، بينما تتردى الخدمات للجمهور، وتعرّض حياتهم للخطر وتسبب خسائر بالمشروعات والخدمات العامة.
يبدي نشطاء دهشتهم من وصف الحكومة الأزمة بأنها مجرد "تخفيف أحمال"، بينما بلغ أقصى معدل توليد بمحطات التوليد في اليومين الماضيين نحو 36 غيغاوات، وهي تقارب المتوسط السائد خلال الأعوام الثلاثة السابقة، بالفترة نفسها من العام.
خسائر فادحة بسبب الكهرباء
تثير انقطاعات التيار مخاوف المواطنين من افتقادهم الأمان الاجتماعي ووسائل المعيشة الرئيسية، من جراء غياب الكهرباء، حيث تتوقف المياه والإنترنت والخدمات الحكومية والصحية، مع تعطل المنشآت الصناعية والزراعية التي توجد داخل الكتل السكنية.
يحمل نقيب الزراعيين حسين أبو صدام، الحكومة مسؤولية خسائر فادحة تواجه المزارعين. ويشير نقيب الفلاحين في تصريحات لـ"العربي الجديد" إلى أن موسم الصيف الحالي سيزيد من آلام الفلاحين، بسبب ارتفاع تكلفة التشغيل وانقطاع التيار، مع لجوء الحكومة إلى زيادة أسعار الكهرباء والوقود، بدون الخوف من المحاسبة البرلمانية أو مراعاة غضب المواطنين والمتضررين من قراراتها المباغتة.
وكان أبو صدام قال في تصريحات صحافية سابقة إن الحكومة لجأت إلى رفع أسعار الغاز الموجّه لمصانع الأسمدة، في شهر إبريل/ نيسان الماضي، وأوقفت إمداد المصانع بالكميات اللازمة للتشغيل عدة مرات، بما رفع معدلات الخسائر بالمصانع، والتي لجأت بدورها إلى رفع سعر الأسمدة، مع خفض نحو 55% من الكميات الموجهة للجمعيات الزراعية.
أضاف نقيب الفلاحين، أن تراجع كميات الأسمدة، وطول فترة إجازة العيد، تسببا في ظهور سوق سوداء بأسعار الأسمدة، حيث تضاعف سعر طن الأسمدة، في وقت يحتاج المزارعون إلى كميات هائلة، لمواجهة احتياجات المزارع للزراعات الصيفية وتسميد الخضروات وحدائق الفاكهة.
حذر أبو صدام من تأثر أسعار الخضروات والسلع الغذائية بالأسواق خلال الأيام المقبلة، من جراء زيادة سعر الأسمدة، وانقطاع التيار الذي يتسبب في صعوبة ري الأراضي وتشغيل ثلاجات حفظ الفاكهة والخضار المتجهة للأسواق، والتي تواجه زيادة كبيرة في حجم التالف منها، تزيد عن 30% من حجم الشحنات.
أزمة الغاز
يشير خبير اقتصاديات الطاقة محمد فؤاد إلى ضرورة التزام الحكومة بالشفافية مع المواطنين بعدما أصبح الجميع على علم بتفاصيلها، من الخبراء والإعلام الدولي، مؤكدا أن الحكومة تمتلك قدرات محطات توليد تزيد بنحو 10 غيغا وات عن أقصى أحمال يمكن استهلاكها بذروة الموسم الصيفي.
يؤكد فؤاد لـ"العربي الجديد"، أن هذه القدرات أصبحت معطلة لأن الحكومة لم تتعاقد على شراء شحنات الغاز اللازمة لتشغليها، إلا مع بداية شهر يونيو/ حزيران الجاري، مع اقتراب ذروة الارتفاعات بدرجات الحرارة التي تتصاعد خلال شهري يوليو/ تموز وأغسطس/ آب المقبلين.
ويوضح الخبير الاقتصادي أن عقود الشراء الفورية تسببت في رفع سعر المليون وحدة حرارية ما بين 1.8 إلى 3 دولارات، عن الأسعار السائدة دوليا، وفي حالة الدفع الآجل، يتضاعف سعر الشحنة.
يشير خبير اقتصاديات الطاقة محمد فؤاد إلى ضرورة التزام الحكومة بالشفافية مع المواطنين بعدما أصبح الجميع على علم بتفاصيلها
يذكر خبراء طاقة بوزارة الكهرباء لـ"العربي الجديد"، أن أوامر تشغيل المحطات أصبحت خاضعة لتصرفات وزارة البترول التي تحدد كميات الوقود المتوافرة بشبكة الغاز القومية يوميا، بناء على معدلات الإنتاج، ووفقا لاحتياجات محطات التوليد ومصانع الأسمدة والكيميائيات والمصانع الكبرى، وشبكة الغاز للمنازل ومحطات الوقود.
أوضح الخبراء أن مدة انقطاعات التيار يجري تحديدها بواسطة لجنة فنية عليا بمجلس الوزراء، بينما جدول الانقطاعات على مستوى المدن والأحياء والقرى يوضع وفقا لبرامج زمنية بشركات الإنتاج وتوزيع الكهرباء، يسعى كل منها إلى تحقيق التوازن بين الأحياء والمستهلكين في فترات الانقطاعات، مع الابتعاد عن قطع التيار عن المدارس التي تجري بها امتحانات الثانوية العامة، والمرافق الحيوية للجهات الأمنية والصحية ومحطات رفع مياه الري الزراعي للترع.
أشارت المصادر إلى مواجهة وزارة البترول صعوبة في تدبير احتياجاتها من الغاز الطبيعي من السوق الدولية، حيث تخطط الشركة القابضة للغازات "إيجاس" لشراء 17 شحنة من الغاز المسال عبر مناقصات الشراء الفوري، تصل على دفعات خلال ثلاثة أشهر، بينما ترغب في سداد القيمة على دفعات آجلة.
يؤكد خبراء أن تأخير وصول شحنات الغاز سيزيد من تكرار لجوء الحكومة إلى زيادة فترات انقطاعات التيار الكهربائي، خلال الفترة المقبلة، لافتين إلى صعوبات أخرى منها استمرار حالة الاضطراب العسكري في البحر الأحمر والمنطقة، وزيادة الطلب على الغاز بالأسواق الدولية.