المعطيات المتوافرة حتى الآن تشير إلى أن هناك تعثراً في المفاوضات الجارية بين الحكومة المصرية وصندوق النقد الدولي، فالحكومة تقدمت في شهر مارس/آذار الماضي بطلب للصندوق للحصول على قرض دولاري لا نعرف قيمته وشروطه حتى الآن.
ورغم مرور نحو 5 شهور على الطلب فإنّ الصندوق لم يمرر القرض وسط حديث عن استمرار الخلاف بين الطرفين، وهو الأمر الذي اعترف به وزير المالية محمد معيط، قبل أيام، حين أكد أنّ مصر تعمل على حل النقاط الخلافية مع الصندوق خلال المفاوضات الجارية بشأن برنامج القرض الجديد، وأنه "مثل أي محادثات، دائما هناك وجهتا نظر واتفقنا على بعض النقاط واختلفنا على نقاط أخرى".
رغم مرور نحو 5 شهور على طلب مصر الحصول على قرض جديد فإنّ الصندوق لم يمرر القرض وسط حديث عن استمرار الخلاف بين الطرفين
تصريحات الوزير جاءت تعقيباً على بيان صادر من المجلس التنفيذي للصندوق منتصف الأسبوع الماضي دعا الحكومة إلى اتخاذ خطوات "حاسمة" بشأن الإصلاحات المالية والهيكلية لتقليل تعرضها للصدمات الخارجية.
وقال الصندوق إنّ هناك حاجة إلى إصلاحات هيكلية أعمق لتعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد، وتحسين الحوكمة، وتعزيز قدرته على الصمود في مواجهة الصدمات.
صندوق النقد الدولي له مطالب محددة لا تخفى على أحد مقابل تمرير القرض الجديد منها إعطاء مرونة أكبر لسوق الصرف الأجنبي في مصر، أي أن الحكومة مطالبة بإجراء خفض جديد في قيمة الجنيه مقابل الدولار وعدم التدخل إداريا لدعم العملة المحلية كما حدث في سنوات ماضية، وزيادة أسعار السلع والخدمات ومنها السلع الغذائية وتذاكر المواصلات العامة.
ومن المطالب أيضاً خفض الدعم المقدم للسلع الأساسية بما فيها الموجه للخبز والوقود، وتقليص دور وأنشطة الدولة في المشهد الاقتصادي، وزيادة دور القطاع الخاص، والإسراع في برنامج الخصخصة وبيع الشركات العامة، وزيادة سعر الفائدة.
وربما تكون هناك مطالب أخرى غير معلنة للصندوق لم يتم الكشف عنها بعد، منها مثلا التزام الحكومة بإجراء تعويم آخر للجنيه على المدى الطويل، وإلغاء مجانية التعليم والصحة.
الحكومة، من جانبها، ردت على هذه المطالب بخطوات عملية منها زيادة أسعار البنزين والسولار والغاز، والسماح بخفض في قيمة العملة المحلية بنسبة تزيد عن 20%، والإعلان عن بيع أصول عامة بقيمة 40 مليار دولار على 4 سنوات، والتوجه نحو زيادة قيمة تذاكر المترو والقطارات والمواصلات العامة، والتلويح أكثر من مرة بخفض الدعم عن رغيف الخبز ورفع سعره.
ربما تكون هناك مطالب غير معلنة للصندوق، منها التزام الحكومة بإجراء تعويم آخر للجنيه، وإلغاء مجانية التعليم والصحة
كما تم الإعلان عن أسماء عدة شركات وبنوك وفنادق وموانئ تمهيدا لطرح حصص بها للبيع على القطاع الخاص العربي والأجنبي.
إضافة إلى الإعلان عن خطوات وإجراءات في إطار الحماية الاجتماعية منها التوجه لضم مليون أسرة إضافية إلى برنامج "تكافل وكرامة"، وصرف مساعدات استثنائية لنحو 9 ملايين أسرة لمدة 6 أشهر قادمة.
كما أجرت الحكومة اتصالات بحكومات أميركية وأوروبية وخليجية لإقناعها بالتدخل لدى صندوق النقد الدولي والضغط عليه لسرعة تمرير القرض الجديد، ومناشدة قادة أجانب التدخل ومساعدة مصر في التوصل لاتفاق سريع مع الصندوق يتم بموجبه الإسراع في الافراج عن القرض المطلوب.
إذاً، هناك خلافات بين الطرفين لا ينكرها أحد وتسببت في طول أمد المفاوضات مقارنة بالمفاوضات السابقة والتي تم بموجبها الحصول على قروض بقيمة تزيد عن 20 مليار دولار خلال فترة تقل عن 6 سنوت.
السؤال هنا: من يفرض أجندته على الآخر، الصندوق المانح للقروض التي تحتاجها مصر بشدة هذه الأيام مع تأثيرات حرب أوكرانيا على الاقتصاد المحلي، وزيادة أسعار الأغذية والوقود في الاسواق العالمية، وتراجع بعض إيرادات النقد الأجنبي من بعض الأنشطة، وخروج أموال ساخنة من السوق قدرتها الحكومة المصرية بنحو 20 مليار دولار في الربع الأول من العام الجاري.
الحكومة تدرك أنّ 2016 يختلف عن 2022، وأنّ المواطن يئن من قفزات الأسعار والضرائب، وليس لديه القدرة على تحمل شروط الصندوق القاسية
أم الحكومة المصرية هي التي ستفرض أجندتها وأولوياتها على الصندوق وتدرك أنّ عام 2016 يختلف عن العام 2022، وأنّ المواطن بدأ يئن من قفزات أسعار السلع والخدمات والضرائب والرسوم، وأنّه لم تعد لديه القدرة على تحمل شروط الصندوق القاسية و"روشتاته" السامة ونصائحه الخبيثة، خاصة وأن قروض الصندوق السابقة لم تنعكس ايجابيا على المواطن، بل صاحبها دين خارجي قياسي، وأزمة اقتصادية ومالية غير مسبوقة، وقفزات في الأسعار وعجز الموازنة العامة، وهذه نقطة سنعود إليها مرة أخرى.