في ظل أزمة معيشية خانقة للمصريين، أصرت المواطنة ليلى على الوفاء بعهد قطعته لابنها التلميذ في نهاية المرحلة الابتدائية، بأن تشتري له وجبة "هابي ميل" ماكدونالد (بورغر دجاج)، إذا تفوق في امتحانات منتصف العام.
ظهرت النتيجة كما تمنت لصغيرها طلال فاصطحبته إلى مقر عملها بهيئة التأمينات بمنطقة الألفي وسط العاصمة القاهرة، وعقب حصولها على راتبها الشهري، خرجت مسرعة، لتلبي حلم الصغير المؤجل منذ أشهر.
تعلمت ليلى التي تحصل على راتب جيد من هيئة عامة ذات كادر وظيفي خاص، أن تدرس قرارات إنفاقها بدقة. الأسعار ترتفع يوميا، وعليها أن تضع بدائل لكل سلعة، بما يعينها على توفير الطعام والتعليم المتوسط لثلاثة أبناء، بمتوسط دخل مع زوجها يصل إلى 8 آلاف جنيه شهريا.
تعتبر أسرة ليلى متوسطة الدخل، ورغم تشددها في ترشيد النفقات، بقصر تناول اللحوم على وجبة واحدة أسبوعيا، وزيادة الاعتماد على البقوليات والخضروات، وقليل من الخبز الخاص، بعمل ساندوتشات الصباح، إلا أنها تسعى إلى إبعاد أبنائها عن التوتر الذي يسكنها من حالة الغلاء المتصاعدة من سنوات، وتزداد صعوبة هذه الأيام، بنزهة بسيطة مع حصولها على الراتب الشهري.
عندما دخلت السيدة الأربعينية المحل الشهير، صعقها التغير الكبير في سعر الوجبة الموعودة. قفزت أسعار الوجبة الشعبية للأطفال من متوسط 50 جنيها إلى 80 جنيها، خلال أيام، سبق أن ارتفعت منذ ثلاثة أشهر من 35 جنيها إلى 50 جنيها، رغم عدم مقارنتها بحجم "الماك" الأصلية بالخارج.
تصل تكلفة "الماك الكبيرة" بالولايات المتحدة نحو 4 دولارات، تنخفض إلى دولارين في معظم البلدان، بينما تصل وجبة الطفل عالميا إلى 1.5 دولار فقط، بما يوازي 45 جينها.
اكتفت ليلى بشراء وجبة واحدة، واتجهت مع نجلها إلى أحد المقاهي المنتشرة في شارع الألفي المجاور لعملها، والذي أصبح ممرا للمشاة، واستجابت لنداء شاب، يدعو المارة، إلى التمتع بالأجواء الربيعية في جلسة شعبية، مقابل 10 جنيهات لتناول المشروبات.
أعدت السيدة مجلسا لطفلها، وهي تفكر في البدائل التي يجب أن تحملها لابنيها الآخرين اللذين ينتظرانها بالمنزل. خشيت السيدة أن تدفع 160 جنيها أخرى في سندوتشين لن يسمنا طفلا من جوع، في وقت عليها أن تدبر عشاء بسيطا للأسرة لن تقل تكلفته عن 200 جنيه.
جلست ليلى تبحث عن مخرج، لأزمة لا يد له بها، فالجنيه الذي بيدها في مثل هذا اليوم العام الماضي، فقد نحو 75% من قيمته، وصل سعر الدولار حاليا إلى نحو 30 جنيها، مقابل 15.6 جنيها في يناير/ كانون الثاني 2022. وارتفع معدل التضخم الرسمي بواقع 15 نقطة عما كانت عليها نهاية عام 2021، ليقارب 22% في ديسمبر/ كانون الأول 2022.
وسجل جهاز الإحصاء ارتفاعا في أسعار السلع الغذائية زاد عن 40%، خلال تلك الفترة. تدري ليلى أن الدولة تمر بمشكلة مالية كبيرة، وفق خبرتها بجهة عملها، حيث تشهد خلافات يومية بين رجال الأعمال والموظفين الذين يأتون إلى هيئة التأمينات الاجتماعية لصرف مستحقاتهم، بعد فصلهم من جهة عملهم. فالشركات التي تعطلت أعمالها، تدفع الناس للبطالة، وتتشدد جهة عملها في طلب مستحقاتها لدى أصحاب الأعمال الذين يشكون من عدم قدرتهم على السداد، نتيجة سوء الأحوال.
يضرب رجال الأعمال مثلا بالحكومة التي تتأخر في سداد ما عليها من التزامات لهم، ولغيرهم من الجهات العامة، ويتساءلون: لماذا تتسرع الحكومة في استدعائهم لدفع ما عليهم بالقوة وتحت التهديد بالحبس!
تبحث الدولة عن حل معضلتها المالية عبر ملاحقة المواطنين بالضرائب والمزيد من الديون، حتى ارتفعت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي 95%، لتسجل رقما قياسيا بلغ 100%، من دفعات القروض المستحقة خلال السنوات الأربع القادمة، وتخصص 51%، من ميزانية العام الحالي 2022- 2023، لخدمة الديون وسداد القروض.
تقرأ ليلى عن برنامج الحكومة لبيع أصول الدولة لسداد بعض من خدمات الديون، رغم حصولها على قروض كثيرة من صندوق النقد ودول صديقة، فالأزمة تتزايد وتشتد توابعها على الجميع.
يحدد صندوق النقد الدولي 1000 شركة مملوكة للدولة أو تشارك في ملكيتها، عدا ممتلكات 53 هيئة اقتصادية تدير مشروعات زراعية وكهربائية وصناعية يمكن بيعها، مع توصية أخرى بإمكانية الاستدانة بأصول عوائد قناة السويس.
تتخذ ليلى القرار الأصعب، حيث لا تملك أصولا يمكن التصرف بها كما تفعل الحكومة، بأن تمتنع عن شراء أية وجبات لابنيها الآخرين، بعد أن وجدت محل سندوتشات الفول والطعمية الشعبي الواقع على ناصية الشارع والبديل المنشود قد رفع أسعاره للتو، بعد زيادة سعر الزيوت والفول والدقيق والخبز، وكافة مستلزمات الإنتاج، بنسب فاقت 30% خلال أسبوع.
تؤكد منظمة الأغذية والزراعة أن أسعار الغذاء ارتفعت عام 2022، بنسبة 14.3%، مقارنة بعام 2021، مسجلة أعلى زيادة لها على الإطلاق. الملفت أن تلك الزيادة التي تأثرت بشدة مع الحرب الروسية في أوكرانيا، رفعتها في مصر رسميا بنحو 21.9%، بينما سجل استطلاع رأي أجراه موقع "المونيتور" بالشراكة مع شركة البيانات والتحليلات Premise Data، الأسبوع الماضي، قول 70% من المصريين أن الأسعار كانت أعلى بكثير مما يقوله المسؤولون.
تقول الحكومة إن التضخم يرجع إلى زيادة أسعار المواد الغذائية، وتكلفة الغاز والكهرباء والإسكان، والقمح الذي تستورد 80% منه من روسيا وأوكرانيا. وأبلغ 53% من المصريين عن عدم تمكنهم من العثور على الطعام الذي تحتاجه أسرهم في الأماكن التي يشترون منها عادة، وأبلغ 54% عن زيادة كبيرة في الأسعار، وخاصة الخبز الذي يبلغ استهلاك الفرد منه ما بين 150 إلى 180 غراما يوميا، وهو أكثر من ضعف المتوسط العالمي.
لم تقرأ ليلى عن اختراع مجلة "الإيكونوميست" لمؤشر "ماك الكبير" منذ عام 1986، كدليل طريف يحدد مستوى العملات عند مستوى التضخم الحقيقي، مستندا إلى نظرية تعادل القوة الشرائية، والتي يجب أن تتحرك أسعار العملة عندها لتتطابق أسعار الصرف مع قيمة السلع والخدمات.
أثبت "مؤشر ماك" في يوليو/ تموز الماضي تراجعا في قيمة العملة، زاد عن 50%، أدت إلى رفع جميع وجباته في مصر، خلال تلك الفترة.
رصد المؤشر في إصداره منذ يومين تراجعا في قيمة سعر الصرف الحقيقي للجنيه مقابل الوجبة بلغ 65.6% بنهاية العام الماضي. جاء أداء سعر الجنيه الأسوأ في قوته الشرائية من بين 56 دولة ونامية وشديدة الفقر تباع وجبات ماكدونالد بأسواقها.