أكد رئيس مؤسسة عراق المستقبل للدراسات والاستشارات الاقتصادية (مستقلة)، منار العبيدي، في مقابلة مع "العربي الجديد"، أنه في حال استمرت الحكومة العراقية بنفس معدلات الصرف الشهرية البالغة 7 مليارات دولار، فإنها لن تكون قادرة على دفع الرواتب في العام المقبل 2021.
وقال العبيدي في حواره الخاص مع "العربي الجديد" إنه منذ منذ نصف عام والبلاد تقترض الرواتب، مما يدل على أن هناك عجزا كبيرا في إمكانية توفير الرواتب. وفي حال استمرت الدولة على نفس معدلات الصرف الشهرية البالغة 7 مليارات دولار مع استمرار إيرادات النفط على نفس المعدلات الحالية، فإن العراق ومع بداية 2021 سيكون أمام مشكلة كبيرة تتمثل في عدم قدرته على توفير تمويل لدفع رواتب الموظفين.
وفيما يلي نص الحوار مع رئيس مؤسسة عراق المستقبل للدراسات والاستشارات الاقتصادية:
- إلى أي مدى وصلت الأزمة الاقتصادية والمالية في العراق؟
الأزمة العراقية ليست وليدة اللحظة، بل نتاج تراكمات حدثت منذ تغير النظام في 2003 إلى يومنا هذا، والسبب الرئيسي كان التحول غير المدروس من النظام الاشتراكي إلى الرأسمالي المفتوح، مما أدى إلى هدر الكثير من الأموال.
كما أدى إلى تضخم المصروفات التشغيلية من خلال هيكلية إدارية غير صحيحه كزيادة أعداد الموظفين وزيادة سلم الرواتب لموظفي القطاع العام، بالإضافة إلى زيادة مجموعة الحوافز، فكما نرى ارتفعت أعداد الموظفين من 900 ألف موظف في 2003 إلى أكثر من 5 ملايين موظف في القطاع العام خلال 2018، مع ارتفاع الرواتب من 300 دولار للفرد شهرياً لتصل إلى أكثر من 800 دولار.
ومع عدم وجود المشاريع والبيئة الصالحة لاستيعاب هذا الكم الهائل من موظفي القطاع العام، كان من الطبيعي أن يتزايد الاعتماد على تغطية المصاريف الكبيرة برفع الإنتاج اليومي للعراق، ليصل إلى أكثر من 4 ملايين برميل. وبلغ متوسط سعر النفط خلال عام 2019 نحو 60 دولارا للبرميل، مما ساهم نوعا ما في تغطية هذه المصاريف التشغيلية. وبعد أن شهدت أسعار النفط تراجعا حادا بفعل أزمة كورونا تكشفت مساوئ الاقتصاد العراقي بشكل كامل.
* البعض يرى أن سيطرة الإيرانيين على الأسواق والقطاعات المهمة في مفاصل اقتصاد البلاد، يعد أحد أبرز أسباب الأزمة، ما رأيك؟
بالطبع وجود الإيرانيين أدى بشكل كبير إلى عدم دفع القطاع الصناعي والزراعي، إذ حاولت الجهات الإيرانية وكثير من الدول المجاورة المستفيدة من تصدير منتجاتها إلى العراق بشتى السبل إيقاف نمو هذين القطاعين، حيث يؤدي أي نمو فيهما إلى تقليص الاعتماد على الصادرات الإيرانية أو التركية، والتي تتراوح نسبتها ما بين 40% إلى 50% من إجمالي واردات العراق.
- هل يمكن أن تقود الأزمة المالية الحالية إلى توقف الحكومة عن صرف الرواتب لموظفي الدولة؟
منذ ستة أشهر والعراق يقترض الرواتب، مما يدل على أن هناك عجزا كبيرا في إمكانية توفير الرواتب. وفي حال استمرت الدولة على نفس معدلات الصرف الشهرية البالغة 7 مليارات دولار مع استمرار إيرادات النفط على نفس المعدلات الحالية (نحو 3 مليارات دولار) والتي من الواضح أنها لن ترتفع خلال عام 2021 حسب استقراءات سوق النفط، فإن العراق مع بداية العام القادم سيكون أمام مشكلة كبيرة تتمثل في عدم قدرته على توفير تمويل لدفع رواتب الموظفين.
فالاستدانة الحالية تتم عن طريق الاقتراض الداخلي، خاصة من البنك المركزي العراقي، الذي تراجعت احتياطاته للعملة المحلية من 58 تريليون دينار (الدولار = نحو 1190 دينار) إلى حدود 32 تريليون دينار، بعد أن تم سحب نحو 26 تريليون دينار كقروض من البنك المركزي.
ونظرا لأن البنك المركزي عليه أن يحتفظ بنحو 17 تريليون دينار كحد أدنى لا يمكن التصرف فيه، فلن يتبقى لدى البنك المركزي سوى 15 تريليون دينار يمكن أن يقرضها للحكومة، لذلك لا أتوقع أن البنك المركزي سيكون قادرا مع بداية العام الجديد على إعطاء قرض آخر للدولة.
- هل لدى حكومة مصطفى الكاظمي قدرة على احتواء الأزمة وإجراء إصلاحات اقتصادية حقيقية؟
رغم كثرة الوعود التي طرحت كـ"الورقة البيضاء" الإصلاحية، ووزارة المالية، إلا أن الخطوات الفعلية لم تكن بالحجم المطلوب، وبالتالي لا أتوقع أنها ستكون قادرة على الخروج بإصلاحات من شأنها أن تنهض بواقع الاقتصاد العراقي. فلا يوجد محاولات لتعظيم الإيرادات غير النفطية أو إعادة هيكلة للوزارات أو إعادة تنظيم الهيكل الإداري للحكومة العراقية أو إعادة هيكلة سلم الرواتب.
- الكثير يستغرب لجوء العراق إلى الاقتراض الخارجي رغم امتلاكه ثروات نفطية ضخمة، فما تعليقك؟
العراق لم يستغل الموارد الموجودة مثل الغاز والمعادن والفوسفات وغيرها، بالإضافة إلى أنه لم يقم أيضا باستغلال الأراضي الزراعية الكبيرة، كذلك الموارد المائية المتوفرة من خلال نهر دجلة والفرات لم يستفد بها عبر بناء السدود، وبالتالي كانت النتيجة حتمية، وهي سوء إدارة البلد لأكثر من 17 سنة بالرغم من امتلاكه لكل هذه الخيرات.
ومن هنا ارتفعت نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي حيث بلغ حجم الدين العام نحو 120 مليار دولار صاحبه انخفاض في الناتج المحلي بحدود 200 مليار دولار، فأصبح تقريبا معدل نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي يمثل 80%، وهذه النسبة المرتفعة تثير شكوك كثير من الدائنين في قدرة العراق على تسديد مديونياته.
- لماذا يصر العراق على الالتزام بكافة قرارات منظمة أوبك من تخفيض الإنتاج رغم تراجع إيراداتها المالية بشكل كبير؟
نتيجة تعاقب الحكومات وما حدث بعد عام 2003، لم يصبح العراق لاعبا مهما في منظمة أوبك، وبالتالي أصبح صوته غير مسموع، كما أن بغداد لم تكن مفاوضاً قوياً خلال اتفاق "أوبك +"، وكان عليها مع هذه الأزمة الخانقة إيجاد طرق أخرى ومحاولة الضغط على الاتفاق من أجل تقليل نسبة القطع من النفط العراقي على ألا يؤثر على الاتفاق بشكل كبير. وهناك كثير من الدول التي قامت قبل الاتفاق برفع إنتاجها بشكل كبير، وعندما تم الاتفاق تراجعت نسبة إنتاجها إلى المعدلات السابقة قبل الاتفاق.