انطلقت، اليوم الاثنين، أعمال المنتدى الاقتصادي العالمي "دافوس 2023"، بمشاركة أكثر من 2500 شخصية، بينهم 52 رئيس دولة وحكومة.
ويقول منظمو المنتدى إن دورة هذا العام تأتي وسط فترة تحوّل اقتصادي وجيوسياسي كبير، بسبب التحديات التي شهدها العالم بعد غزو روسيا لأوكرانيا، والتوتر السياسي بين بكين وواشنطن، وأزمة ارتفاع الطاقة والتضخم والسلع الرئيسية وسلاسل إمداداتها، ما يدفع إلى التساؤل عن مستقبل "العولمة". وعلى الرغم من أن النقاش لم يبدأ بعد حول مستقبل العولمة في ردهات المنتدى، إلا أن الآراء المتشائمة حول هذا الموضوع بدأت تتشكل.
وجاء في تقديم أجندة "دافوس 2023" أن السباق العالمي على التقنيات والقدرات والأصول الرئيسية المرتبطة بمحركات النمو المستقبلي، ستكون لها تداعيات عميقة سالبة على المستقبل "الجيوسياسي والاقتصادي والصناعي والتدفقات التجارية العالمية"، منبهاً إلى أن "تحوّل الطاقة سيعيد رسم جغرافية التجارة والصناعة في العالم، وسوف يتسارع أكثر نتيجة للمخاوف المتعلقة بأمن الطاقة في أعقاب الحرب الروسية على أوكرانيا".
كما أن "السباق بين القوى الكبرى في العالم حول الذكاء الاصطناعي وتقنيات الشرائح، سيرسم خارطة التجارة المستقبلية".
في ذات الشأن، يقول الاقتصادي الأميركي الشهير جوزيف ستيغلتز، الحائز على جائزة نوبل: "بالنسبة لمناصري العولمة غير المقيدة، فإن العولمة تواجه أزمة تحطم القواعد طويلة الأمد لنظام التجارة الدولي التي تنثني الآن أمام الأزمات وتتحطم تدريجياً".
ويضيف ستيغلز، في تحليل على موقع "بروجكت سيندكت"، أظهر اقتصاد السوق بأكمله افتقارًا إلى المرونة خلال العام الماضي، لافتاً في هذا السياق إلى "إنتاج سيارات بدون إطارات احتياطية، وأزمة ندرة الرقائق الدقيقة بسبب سلاسل الإمداد".
لكن الأستاذ في جامعة هارفارد، داني رودريك، يبدو أقل تشاؤماً حول مستقبل العولمة؛ إذ كتب في تحليل نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" أن "ما نشهده الآن ليس انهياراً للعولمة، ولكن إعادة تشكيل لها". ذلك أنه يرى أن الشركات متعددة الجنسيات لا تزال تبحث عن أسواق رخيصة وفعالة وصاعدة، لكنها الآن تريد أيضًا الأمان في الأسواق، وهو ما يعني بالنسبة للكثيرين التنويع بعيداً عن التوتر المباشر بين القوى الاقتصادية العظمى في العالم، وتحديداً الصين والولايات المتحدة.
كما خلص تحليل في "وول ستريت جورنال"، إلى أن قطاع الطاقة في الولايات المتحدة يكتسب حصة في سوق الطاقة العالمية، مع ابتعاد أوروبا عن الاعتماد على روسيا. في الوقت نفسه، تكتسب أسواق فيتنام والفيليبين والمكسيك وغيرها حصصا في أسواق التصدير، مع بحث الشركات متعددة الجنسيات عن تنويع سلاسل التوريد الخاصة بها.
وبلغت التجارة العالمية كحصة من إجمالي حجم الاقتصاد العالمي ذروتها عند 61% في عام 2008، في أوج قوة الصين الاقتصادية، عندما تسببت الأزمة المالية العالمية في ركود عالمي. لكن التجارة العالمية تراجعت إلى 57% من إجمالي الناتج المحلي العالمي، وفقًا لبيانات البنك الدولي، ما يعني أنها ما تزال أكبر من التقديرات التي كانت تبلغ 31% في المتوسط خلال السبعينيات، و36% في الثمانينيات، ثم 40% في التسعينيات.
ويستبعد رودريك، في تحليله سالف الذكر، أن تتراجع التجارة العالمية إلى ما يقرب من 10% من الناتج الاقتصادي العالمي الذي حدث في الثلاثينيات بسبب هذه الأزمات. ومن أدلة تراجع العولمة، انخفاض حصة الصين من واردات الولايات المتحدة، من ذروة بلغت 22% في عام 2017 إلى أقل من 17% في العام الماضي.
وفي المقابل، ارتفعت صادرات الاقتصادات الآسيوية الأخرى والمكسيك إلى الولايات المتحدة، من أقل من 10 مليارات دولار قبل عام 2007 إلى أكثر من 120 مليار دولار في عام 2022. كما تمتعت الفيليبين وتايوان وتايلاند والهند وماليزيا أيضًا بنمو سريع في الصادرات إلى الولايات المتحدة، مع زيادة صادراتها أيضًا إلى الصين.