استمع إلى الملخص
- رمضان العالول يشير إلى التغيرات الجذرية في نظام المواصلات بغزة، حيث تضاعف الاعتماد على العربات والمقطورات بسبب توقف السيارات عن العمل وتضررها من القصف، بالإضافة إلى تطور عادات جديدة في التنقل.
- الأزمة تؤثر على البشر والحيوانات على حد سواء، مع نفوق أعداد كبيرة من الأحصنة والحمير بسبب العمل الشاق ونقص الأعلاف، مما يعكس معاناة شاملة تحت وطأة الحصار والإغلاقات.
يتشبث الفلسطيني رمضان العالول بحافة مقطور حديدي صغير (مجرور) تم تركيبها خلف سيارة أجرة بعد أن فقد الأمل بالحصول على مقعد مريح داخل المركبة، في ظل أزمة المواصلات الخانقة التي سبّبها النقص الحاد بالوقود داخل قطاع غزة. ويسبّب الإغلاق الإسرائيلي الكامل للمعابر المؤدية إلى غزة منذ بداية العدوان قبل تسعة أشهر، ومنع دخول مختلف المواد الأساسية وفي مقدمتها مشتقات البترول، خلقَ أزمة حقيقية في قدرة الفلسطينيين على الحركة، كما زادت حدتها بعد سيطرة الاحتلال على معبر رفح مطلع شهر مايو/ أيار الماضي.
وسائل نقل بدائية
دفعت الأزمة الحادة في وسائل النقل، والأعداد القليلة للسيارات، الفلسطينيين إلى إيجاد حلول غريبة وغير معهودة للقدرة على الحركة، سواء بالتنقل عبر العربات التي تجرها الأحصنة (الكارو)، أو ربط المقطور بسيارات الأجرة، أو التكاتك، أو الباصات، أو الشاحنات، وغيرها من وسائل النقل البدائية، فيما يتزاحم الرُّكاب داخل السيارات التي باتت تحمل أضعاف حمولتها الطبيعية.
ويقول رمضان العالول لـ "العربي الجديد" إن الأزمة الشديدة في الوقود، والارتفاع الجنوني في أسعاره خلق واقعاً جديداً في عالم المواصلات، بعد توقف نسبة كبيرة من السيارات عن العمل، وتضرر نسبة أخرى بفعل القصف الإسرائيلي، إذ تضاعف الاعتماد على العربات التي تجرها الأحصنة، أو العربات الحديدية والخشبية التي يتم ربطها بالسيارات.
ويُبين العالول أن مجموعة من العادات الجديدة باتت ترافق أزمة المواصلات، حيث يتم تخصيص المقاعد الأمامية للسيدات، في حين يركب الرجال والشُّبان في المقطورة، أو يصعدون على ظهر الشاحنات التي غيّرت تخصصها من نقل البضائع إلى نقل الأفراد، بفعل إغلاق المعابر، ومنع الاحتلال دخول المواد الغذائية والمساعدات الإنسانية والبضائع.
نفوق الأحصنة والحمير
يسبّب التهجير الإسرائيلي القصري لمئات آلاف الفلسطينيين، وتجميعهم في مناطق مُحددة بدعوى أنها "مناطق آمنة" خلق حالة من التكدس الشديد، يُرافقها أزمات عديدة في القدرة على التنقل والحركة، كذلك في الحصول على الخدمات الأساسية، من ماء، وغذاء، ودواء، ما بات يدفع الفلسطينيين إلى الاعتماد الكبير على الأحصنة والحمير في تسهيل عمليات النقل، ما أدى إلى نفوق أعداد كبيرة منها إلى جانب إصابة أعداد أخرى بجراح غائرة بفعل ساعات العمل الطويلة، وغياب الراحة المطلوبة، علاوة على الشُّح في الأعلاف جراء إغلاق المعابر.
ويصف النازح الفلسطيني عطا سالم المواصلات اليومية من وإلى سوق دير البلح الذي افتتح فيه بسطة لبيع المُنظِّفات بأنها "معاناة مُتكررة" إذ يضطر إلى المشي مسافة طويلة، أو الانتظار أمام خيمته في حال كان يحمل بضاعة إلى حين وصول وسيلة النقل المُناسبة، "أو حتى غير المُناسبة". ويلفت سالم لـ "العربي الجديد" إلى أن المواصلات قبل الحرب كانت مُريحة من كل النواحي، سواء بالتسعيرة المعقولة، أو بالجلسة المُريحة خلال الطريق، أو حتى بالقدرة على الوصول إلى أي نقطة يحتاج إليها، موضحاً أن التنقل في ظل الأزمة الحالية يزيد من إرهاق الراكب الذي ينتظر طويلاً تحت أشعة الشمس، فيما يركب على مقطور مكشوف للشمس، والأتربة والغبار والمياه العادمة التي تملأ الطرقات.
ويوضح سالم أنه لم يعُد يكترث لنوع الوسيلة التي ستوصله، بعد أن جرَّب مختلف وسائل النقل، بدءاً بـ "عربات الكارو"، والشاحنات، وصولاً إلى الركوب على عربات وكبائن مقطورة "ركبت في بعض المرات على تراكتور زراعي، وشاحنة تحمل صهاريج المياه المفلترة".
المقطورات الصغيرة
يُرجع السائقون سبب تركيب الكبائن والمقطورات الصغيرة خلف السيارات والعربات، إلى ارتفاع أسعار الوقود لأكثر من عشرة أضعاف، حيث يتيح لهم المقطور المُلحق إضافة المزيد من الركاب، أملاً بتعويض الثمن المُرتفع للوقود، كذلك قطع الغيار باهظة الثمن، فيما يدفع النقص الحاد عدداً من السائقين إلى خلط الوقود بزيت القلي، على الرغم من ضرره الصحي المُضاعف على الرئتين والجهاز التنفسي.
وعلى الرغم من خطورة هذا النوع من المواصلات نظراً إلى عُرضتها للحوادث بفعل الأعداد الكبيرة للرُّكاب، وانكشافها وعدم امتلاكها أيّاً من وسائل الحماية أو الراحة، إلا أنها مُرتفعة الثمن، إذ تصل تسعيرة الانتقال إلى مكان قريب لخمسة شواكل، مقابل شيكل واحد قبل الحرب، وتتضاعف التسعيرة مع زيادة المسافة. (الدولار يساوي 3.72 شواكل تقريباً). وتدفع حالة التكدس والضيق الشديد في الطرقات، وعدم قدرة المركبات على الوصول إلى مختلف المناطق، عدداً من المواطنين إلى اعتماد عربات الدفع اليدوية لتوصيل الزبائن، لقدرتها على التحرك بسلاسة بين الخيام، وفي المناطق الضيقة، والتي لا تسمح بمرور العربات.
ويقول الثلاثيني الفلسطيني أيمن علاوي، وهو صاحب عربة دفع يدوية إنه يقف يومياً أمام مراكز توزيع المساعدات لنقل الزبائن إلى بيوتهم أو خيامهم بمقابل مادي يعينه على تدبر متطلبات أسرته، فيما يستأجِر البعض عربات للعمل عليها مقابل مناصفة الأجر مع صاحبها. يذكر أن أن مجموع المركبات المرخصة (سيارات وباصات ودراجات نارية وغيرها) نهاية عام 2022، في غزة بلغ نحو 88 ألف مركبة، وفقاً لإحصاءات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني ووزارة النقل والمواصلات الفلسطينية.