نظام الأسد يحقق فوائد سياسية من الزلازل ويحرم المتضررين من المساعدات عبر شروطه القاسية
ترك نظام بشار الأسد السوريين المتضررين من الزلازال التي ضربت أربع مدن سورية، منذ السادس من فبراير/شباط الجاري، لأقدارهم، بعد أن حقق، برأي مراقبين، الفائدة السياسية من مأساتهم الإنسانية.
ولم تتوقف المساعدات وزيارات مسؤولين من دول عربية، آخرها وفد البرلمانيين العرب يوم الأحد، بعد أن جمّدت الولايات المتحدة والدول الأوروبية العقوبات لمدة ستة أشهر.
ويقول بشار أحمد من ريف مدينة اللاذقية لـ"العربي الجديد" إنه لم يتلق أية مساعدة حكومية حتى اليوم، بعد أن تصدّع منزله جراء الزلزال وبات الاستمرار بالسكن، من دون تدعيم، خطراً على أسرته المؤلفة من خمسة أشخاص.
شروط "ساند" المجحفة
وأشار إلى أن القرض الذي أعلنت عنه حكومة الأسد، جاء مشروطاً وبحاجة لكفلاء ولن يستطيع جميع المتضررين الحصول عليه. وكان مصرف الوطنية للتمويل الأصغر قد طرح قرض "ساند" المخصص، لترميم وإعادة تأهيل المساكن المتضررة من الزلزال في محافظات حلب واللاذقية وحماة، مبيناً خلال بيان، أن قيمة القرض تصل إلى 18 مليون ليرة (نحو 2400 دولار) من دون فوائد وفترة السداد تمتد لست سنوات.
وأكد أحمد، وهو متقاعد، أن معظم المتضررين لا طاقة لهم بقرض "ساند"، لأن القسط الشهري 250 ألف ليرة، وشرط القرض أن يكون دخل المقترض الشهري 750 ألف ليرة، علماً أن متوسط دخل السوريين 100 ألف ليرة.
وأضاف خلال اتصال أن البديل إن لم يكن الدخل كبيراً، وجود 18 كفيلاً من أصحاب الدخول المرتفعة ليتم الحصول على القرض، بمعنى صعوبة الحصول على القرض إن لم نقل الاستحالة، مستدركاً أن القرض لا يشمل أيضاً من تهدّم منزله، بل فقط من تضررت منازلهم بشكل جزئي وبحاجة لتدعيم.
ووصف أحمد طلب نقابة المهندسين في مدينة اللاذقية مليون ليرة لتكشف على المباني المتضررة وتقدم تقريرها ليتم بناء عليه التقدم للقرض، بالفضيحة.
في المقابل، سألنا السيدة "فطينة.ح "من حي الكلاسة بمدينة حلب عما قدمته حكومة بشار الأسد للمتضررين من الزلزال فأكدت، بعد رجائها عدم ذكر اسمها كاملاً، أنها لم تتلق أية مساعدة، بل أقامت في الحدائق والساحات العامة وأسرتها، لأيام، "لأن الشقق في حي هنانو لم تستوعب سوى 1% من المتضررين".
وتشير السيدة السورية العاملة في القطاع العام أن راتبها الشهري نحو 110 آلاف ليرة وتكلفة ترميم منزلها الذي تصدع "بالملايين" وأنها لا تستطيع تدبر تكاليف المعيشة بعد غلاء الأسعار ومحاولات "الترقيع وبيع الممتلكات على مدى سنين"، فمن أين سترمم المنزل الذي تصدع وربما يسقط بواقع عدم الاستقرار واستمرار الهزات الارتدادية.
وأعلنت لجنة السلامة العامة في سورية، عن وجود 2287 مبنى غير آمن في مدينة حلب، والتي تعد أكثر المدن تضرراً بالزلزال ضمن مناطق سيطرة النظام.
وتكشف لجنة السلامة في حلب، أن عدد المباني المتضررة بحلب وصل إلى 11 ألف مبنى، منها 300 مبنى غير قابل للإصلاح، بعد التقييم والكشف وعودة الأهالي إلى 8 آلاف مبنى بالمناطق المتضررة.
وحول الاستفادة من قرض "ساند" تتحدث السيدة السورية لـ"العربي الجديد" عن استحالة تحقيق شروطه، لأن دخلها محدود ولا يمكن تأمين 18 كفيلاً دخلهم مرتفع، معتبرة أن المستفيدين من القرض قلائل جدا وما إعلانه سوى "دعاية إعلامية".
ولم يشمل القرض، على صعوبة الحصول عليه، من فقد منزله ويعيش نازحاً منذ خمسة عشر يوماً كما يقول أحمد خيرو من حي السكري في حلب الذي فقد منزله، مكتفياً خلال اتصال مع "العربي الجديد" بأن الجميع تخلى عنهم وهم بانتظار مبادرة غرف التجارة والصناعة بالمعونات أو ببناء وحدات سكنية للمتضررين.
ويقول "موفق.د" من الحي نفسه خلال اتصال معه "ليقارنوا بين ما تقدمه تركيا وما نعانيه من تخل بعد فقداننا كل ما نملك"، مشيراً لـ"العربي الجديد" إلى أن كل ما يملكه صار تجت الأنقاض، وهم يمنون علينا أننا على قيد الحياة"، مؤكدا أن "المواساة عبر الشعارات لا تفيد السوريين المتضررين، فنحن بحاجة لمأوى وتعويض لأننا فقدنا كل شيء".
وتساءل السوري موفق عن الأبنية التي وعد بها بشكل عاجل وزير الأشغال العامة والإسكان، سهيل عبد اللطيف إذ لم يتم سؤالنا "مجرد سؤال حتى اليوم" كيف نتدبر أمرنا أو أين ننام، والخشية، بحسب المتحدث، أن تكون 300 شقة بشكل عاجل، كما غيرها من الوعود.
مبادرات شعبية
يقول الصناعي محمد طيب العلو لـ"العربي الجديد" إن لغرفة الصناعة قدرة محددة، ورغم ذلك أعلنت من منح مليوني ليرة سورية لكل من تهدم منزله، كاشفاً أن اللجنة العليا لإغاثة الزلزال برئاسة الوزير، حسين مخلوف طلبت لغرف الصناعة والتجارة تحويل أموال الرسوم للجنة لتسخيرها بالإغاثة، "لكن الغرف رفضت وتستمر بالمساعدة بطريقتها".
ووصف العلو ردود فعل حكومة النظام بـ"البطيئة والمترددة، فحتى اليوم لا يوجد أي قرار واضح للتعويض أو منح المتضررين منازل ولو بأقساط شهرية".
وأكد استمرار منح غرفة صناعة حلب المواد الإغاثية فضلاً عن منح مليوني ليرة لمن فقد منزله، مشيرا إلى "أنها لا تكفي ولكن هذه استطاعتنا فنحن تنظيم غير حكومي ولسنا دولة".
ولم تقدم حكومة بشار الأسد، حتى اليوم، سوى الوعود خلال الاجتماعات بحسب السوريين، والتي كان آخرها ما تمخّض عن اجتماع الحكومة، إذ اكتفى مجلس الوزراء خلال جلسته برئاسة حسين عرنوس، بإقرار خطة العمل الوطنية للتعامل مع تداعيات وآثار الزلزال في مختلف القطاعات الأسرية والسكنية والخدمية والتنموية و"السعي لتأمين احتياجات المتضررين وآليات إعادة النشاط الاقتصادي والاجتماعي إلى المناطق المنكوبة.
ورغم تشرد عشرات آلاف السوريين بمناطق النظام ومضي أكثر من عشرين يوماً على الكارثة، قال رئيس مجلس الوزراء عرنوس خلال الاجتماع إن "الدولة تدرس كل الخيارات للتعويض على المتضررين".
فرصة للتعويم عبر التسول والاستعطاف
ويقول الاقتصادي السوري، عبد الناصر الجاسم إن نظام بشار الأسد لم يبد سلوك دولة خلال كارثة الزلزال، بل تعامل مع الكارثة كفرصة لعودة تعويمه دولياً من خلال التسول واستعطاف الدول، رغم أنه لم يقدم أي شيء للمتضررين، وحتى المساعدات تباع في الأسواق السورية بعد سرقتها.
ويشير الجاسم لـ"العربي الجديد" إلى أن 119 طائرة مساعدات وصلت لمناطق سيطرة نظام الأسد، وهي بآلاف الأطنان، لكن حال السوريين لم يتغيّر، سواء على مستوى عرض السلع و الأسعار أو وضع المتضررين، وكل ما في الأمر برأيه، فائدة "عصابة الأسد" من الزلزال عبر جمع أموال وتجميد العقوبات الدولية والانفتاح على العالم.
وأبدى الجاسم خشية الاستمرار في استغلال الحالة الإنسانية وزيادة التطبيع العربي والدولي مع نظام الأسد وتناسي قتل وتهجير أكثر من نصف السكان "لو نظرنا إلى خريطة البيوت المهدمة في سورية لرأينا أنها في المناطق التي تعرض سابقاً لقصف الطائرات الروسية والأسدية.. بأصل الزلزال وآثاره هو نظام الأسد".
وحول أضرار الزلزال على مناطق سيطرة النظام وحجم المساعدات، يضيف الاقتصادي السوري إنه حتى الآن لم تصدر أية تقديرات رسمية، واصفاً ما يصدر من تقديرات بالمبالغة، لأن بعض "أبواق النظام وصلت تقديراتهم بالخسائر لمئة مليار دولار في حين أقل التقديريات وصلت إلى 30 ملياراً" واصفاً تلك التقديرات بالتهويل لمزيد من الاستعطاف وحصد النتائج السياسية.
وكان أستاذ التنمية في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق، أيمن ديوب قد قدر الخسائر الحاصلة في سورية بفعل الزلزال بحوالي 15 مليار دولار تقريباً، من بنى تحتية و أبنية وغيرها وهذه تحتاج، برأيه، إلى الضعف لإعادة البناء أي 30 مليار دولار، حتى تعود المناطق لما كانت عليه.
ويبدي الاقتصادي الجاسم خشيته من استمرار استغلال الكارثة الإنسانية وسرقة المساعدات التي وصلت لدمشق، وآخرها طائرة مساعدات مقدمة من دول الاتحاد الأوروبي، تحمل 120 طنًا من المواد الإغاثية والطبية للمتضررين من الزلزال.
وكان وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك بحكومة الأسد، عمرو سالم قد أعلن أمس الإثنين في تصريحات لوسائل الإعلام المحلية، عن توزيع مختلف المواد الإغاثية على المتضررين من جراء الزلزال عبر البطاقة الإلكترونية خلال الفترة القادمة، وذلك لضمان وصولها إلى مستحقيها في المحافظات المنكوبة في سورية.
(الدولار= 7500 ليرة)