على وقع تعثر المفاوضات النووية الرامية لإحياء الاتفاق النووي ورفع العقوبات عن طهران، سجلت العملة الوطنية الإيرانية، الريال، اليوم الأحد، هبوطا قياسيا جديدا أمام الدولار الأميركي بعدما تجاوز سعر الصرف لأول مرة عتبة 330 ألف ريال لكل دولار. في حين، وجه 61 اقتصاديا إيرانيا في رسالة انتقادات لسياسات الحكومة الإيرانية الجديدة الاقتصادية، واجهت ردود فعل غاضبة من الأوساط الإعلامية والاقتصادية المحافظة.
وقال المضارب الإيراني في سوق العملات الأربعيني فرشاد لـ"العربي الجديد" إن وتيرة ارتفاع سعر الدولار واليورو زادت خلال اليومين الأخيرين، قائلا إنه بعد أن سجل سعر صرف الدولار ارتفاعا قياسيا أمس السبت بوصوله إلى 328000 ريال، واصل المسار، اليوم الأحد أيضا ليتخطى عتبة 330 ألف ريال.
وأضاف المضارب الإيراني أن "الإقبال على شراء الدولار واليورو في تزايد والعرض لا يلبي الطلب الموجود"، عازيا ارتفاع الدولار والعملات الأجنبية في إيران إلى مستويات قياسية جديدة إلى الأجواء السياسية المهيمنة على السوق نتيجة القرار الغربي الصادر عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية الأربعاء الماضي ضد إيران وتصاعد التوتر بين طهران مع كل من الوكالة والغرب.
وأضاف أن تعثر المفاوضات النووية مع تراجع الآمال بنجاحها، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات في إيران إلى مستويات جديدة "لها دور مهم في رفع أسعار العملات وتراجع قياسي جديد للعملة".
في الأثناء، ثمة تقارير اقتصادية تشير إلى عامل آخر وراء ارتفاع سعر صرف الدولار واليورو في إيران وهو سعي حكومي للتعويض عن عجز الموازنة وتوفير موارد جديدة بالريال.
اعتقالات واسعة
ومع التطورات الجديدة في سوق العملات في طهران، كثفت شرطة الأمن الاقتصادي نشاطها للوصول إلى من تصفهم بأنهم "مخلّون بالنظام الاقتصادي"، ليعلن نائب قائد الشرطة سهراب بهرامي، اليوم الأحد، عن اعتقال 31 شخصا من العناصر الأساسية لـ"معاملات الغد" وهي معاملات يقوم بموجبها بعض المضاربين بتحديد أسعار جديدة للعملات والذهب عشية كل يوم، الأمر الذي تعتبره السلطات الإيرانية "عاملا مخلا" بالاقتصاد.
ومع الهبوط القياسي الجديد، يكون الريال الإيراني قد فقد 25 في المئة من قيمته خلال الشهور الثلاثة الأخيرة.
ويأتي هذا الهبوط وارتفاع الدولار أمام الريال في وقت، تعلن فيه السلطات الإيرانية أنها تتمكن في الوقت الحاضر من تصدير كميات كبيرة من النفط مع الحصول على عوائدها بالنقد الأجنبي وإعادة هذه العوائد إلى الداخل الإيراني.
وفي السياق، نقلت صحيفة "إيران" الرسمية، الأسبوع الماضي، عن "مسؤول مطلع" قوله إنّ إيران تصدّر حالياً مليون برميل يومياً، نافياً صحة تقارير تتحدث عن تراجع الصادرات النفطية الإيرانية إلى 400 ألف برميل.
كما تحدث المسؤول الإيراني عن تصدير إيران 300 ألف برميل من المكثفات الغازية يومياً، كاشفاً عن زيارة العوائد النفطية خلال الشهور الثلاثة الأخيرة نحو 60%، بالمقارنة مع الفترة ذاتها في العام الماضي.
واليوم الأحد، أكد محافظ البنك المركزي الإيراني، علي صالح أبادي، أن بلاده تصدر النفط اليوم بكميات كبيرة من دون الكشف عنها، قائلا وفق وكالة "مهر" الإيرانية، إن "حجم احتياطيات النقد الأجنبي لدى البنك المركزي غير مسبوق في تاريخه"، مؤكدا أن البنك على استعداد لتلبية "الحاجات والطلب الحقيقي" في السوق.
كما أشار صالح أبادي إلى اتفاق بين البنك المركزي ومحال الصرافة الإيرانية لعرض المزيد من الدولار واليورو في السوق.
وتوقفت المفاوضات النووية في فيينا، منذ 11 مارس/ آذار الماضي، لكنها استمرت بصيغة أخرى عبر التفاوض غير المباشر بين طهران وواشنطن عبر الاتحاد الأوروبي وأطراف إقليمية أخرى، لكنها لم تفض إلى حل للقضايا العالقة بين الطرفين. وعلى وقع ذلك، كان مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية قد تبنّى، الأربعاء، بأغلبية كبيرة في فيينا، قراراً ينتقد إيران رسمياً على عدم تعاونها مع الوكالة بشأن التحقيقات الجارية حول ثلاثة مواقع غير معلنة مشتبه في ممارسة أنشطة نووية فيها.
تضخم الأسعار
ويتوقع أن يتسبب هبوط الريال إلى مستوى قياسي جديد بمزيد من تضخم أسعار السلع والخدمات في إيران التي تشهد منذ أسابيع موجة غلاء غير مسبوقة، من جراء ارتفاع التضخم وأسعار السلع والخدمات، خاصة المواد الغذائية. وتأتي الموجة الجديدة في ظل توجه الحكومة لتحرير الأسعار ورفع الدعم عن سلع أساسية، منها القمح والطحين والدجاجة والبيض والزيوت والألبان في إطار سياسة ترشيد وتحرير الأسعار في تضخم الأسعار أو ما تعتبره أوساط حكومية "عملية جراحية اقتصادية".
وزادت موجة الغلاء الجديدة، أعباء المعيشة على المواطن الإيراني الذي يعيش منذ أربع سنوات تقريباً تحت وطأة أزمة اقتصادية متفاقمة على خلفية العقوبات الأميركية. ولتعويض ذلك، قامت الحكومة أخيرا، برفع الدعم النقدي الشهري للمواطنين الإيرانيين إلى 9 و11 دولارا وفق سعر الصرف الجديد، لكن الخطوة في ظل استمرار تضخم الأسعار وعدم كبحه لم تترك أثرا إيجابيا مطلوبا على معيشة المواطنين الذين أطلقوا دعوات موجهة للحكومة بأن ما يريدونه هو وقف ارتفاع الأسعار وليس الدعم النقدي.
واندلعت خلال الفترة الماضية، احتجاجات محدودة في جنوب غربي إيران رفضا لموجة الغلاء الجديدة مع دعوات للرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي بتنفيذ وعوده.
ووجه 61 اقتصاديا إيرانيا رسالة مفتوحة إلى الشارع الإيراني، انتقدوا فيها السياسات الاقتصادية الجديدة للحكومة وخطة "ترشيد الأسعار " و"الجراحة الاقتصادية".
قدمت هذه الرسالة التي نشرها موقع "اقتصاد نيوز" الإيراني وهي أثارت غضب وسائل الإعلام المحافظة والمقربة من الحكومة، شرحا مفصلا عن الوضع الاقتصادي في إيران، معتبرة أن أساس المشاكل الاقتصادية في البلاد "عوامل غير اقتصادية"، مع التأكيد أن الإصلاحات الاقتصادية يمكن من خلال فتح آفاق في الحكم.
ووصف الاقتصاديون الإيرانيون من مدرسة الاقتصاد المؤسسي، خطة الحكومة لـ"الجراحة الاقتصادية" بأنها "متسرعة جدا ونفذت من دون تحضيرات وتمهيدات تنفيذية"، معتبرين أنه "لا يمكن تسمية إجراء مؤقت لحل مشكلة عجز الموازنة برنامجا للإصلاحات الاقتصادية".
وأكد هؤلاء الاقتصاديون الإيرانيون ضرورة إحياء الاتفاق النووي لرفع العقوبات وإقرار التشريعات اللازمة للخروج من قائمة مجموعة العمل المالي الدولية، المعروفة اختصاراً باسم "فاتف" (FATF)، قائلين إنه "من دون إحياء الاتفاق النووي والخروج من القيود المفروضة على القطاع البنكي الإيراني من قبل فاتف لا يمكن الحديث عن سياسة استقرار في الاقتصاد الكلي والوصول إلى الأسواق العالمية بتكاليف أقل".
وواجهت وسائل الإعلام والأوساط الاقتصادية المحافظة في إيران، رسالة الاقتصاديين بـ"انتقادات لاذعة"، حيث هاجمتهم وكالة "تسنيم" المحافظة، في تقرير لها، اليوم الأحد، متسائلا: "هم لا يوضحون لماذا لم تفتح هرولة حكومتهم المطلوبة (الحكومة السابقة) نحو الاتفاق النووي وإقراره في البرلمان في غضون 20 دقيقة، عقدة المشاكل الاقتصادية؟".
كما انتقدت وكالة "إرنا" الإيرانية الرسمية، خبراء الاقتصاد متهمة إياهم بـ"تزوير تواقيع اقتصاديين" في الرسالة و"هم لم يوقعوا عليها".