استمع إلى الملخص
- **تداعيات اقتصادية واجتماعية**: الحرب أدت إلى خسائر اقتصادية كبيرة، منها انخفاض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 1.4%، وإغلاق 726 شركة، وتراجع الاستثمارات الأجنبية بنسبة 40%، وارتفاع نسبة الفقر إلى 25.3%.
- **فقدان الثقة الاستثمارية**: فقدان الثقة في المناخ الاستثماري الإسرائيلي يجعل من الصعب جذب الاستثمارات، وقد تؤدي توسع الحرب إلى تلاشي دولة الاحتلال وإعادة رسم ملامح المنطقة.
لم يُعرّ الكيان الإسرائيلي، منذ اصطناعه واحتلاله فلسطين، كما هو بعد 10 أشهر من الحرب على غزة. والتعرية والفضح لم يقتصرا، رغم الأهمية البالغة، على كشف زيف الديمقراطية والقوة التي لا تقهر والتفوّق التكنولوجي والمخابراتي، إثر صمود المقاومة المحاصَرة حتى بلقمة مقاتليها، منذ اختراقها الذي يدرّس أسوارَ وجدران الفصل العنصري، في السابع من أكتوبر في العام الماضي. واستمرار مواجهتها، ليس لجيش الاحتلال وحده، بل ولداعميه العلانيين، في واشنطن ودول أوروبية، والمتخفين من دول المنطقة المتقنّعين زيفاً بالعروبة والإسلام.
لأن ما يرشح، رغم التكتّم، من أرقام ومؤشرات متعلقة بخسائر الاقتصاد الإسرائيلي والخلخلة والتفكك بالمجتمع، فضلاً عن الهجرة العكسية، يمكن أن يزيد من نبوءة "لعنة العقد الثامن"، بتلاشي دولة الاحتلال وإعادة التاريخ نفسه، وفق ما يروى عن مملكتي "داوود والشمونائيم"، لولا الذي نراه من تأييد وتآمر بالمنطقة، ودعم لا محدود من الغرب والولايات المتحدة.
طبعاً، ليقين الجميع أن حرب غزة ستعيد رسم جغرافيا وتحالفات المنطقة برمّتها، بعد أن أسقطت أقنعة وبددت مخاوف، وأكدت بالأدلة والوقائع أن دولة الاحتلال أوهن من أن تهرول دول المنطقة للتطبيع معها، بذريعة المكاسب أو الأمن ودرء الشرور، أو حتى الاستفادة من التفوّق الذي سقط، كما سواه من مزاعم، تكرّست عبر مخاوف وتآمر عبر عقود.
قصارى القول: إن كان للسياسة وجوه عدة، تتبدل حسب المصالح، فإن لوضع الاقتصاد الإسرائيلي وجها محددا، ترسم ملامحه الأرقام، وتدلل على وضوحه الأسواق، وتؤكد رسوخه مؤشرات النمو والاستثمار والاستهلاك.
ولعل آخر ما تم فضحه، عبر "مركز زيتونة للدراسات" يدلل على مدى تهشّم وجه الاقتصاد الإسرائيلي، بعد لكمات التداعيات المالية والاقتصادية، التي لم ينج قطاع من رضوضها ولم يسلم مؤشر من عقابيلها، بعد أن وصلت كلفة الحرب على غزة إلى 60 مليار دولار، قابلة للزيادة بلا شك، بواقع استمرار الحرب والنفقات العسكرية والمدنية، بل وتوقع كوارث، فيما لو توسعت الحرب ودخلت أطراف إقليمية، يمكن لأذرعها النارية الطويلة أن تصل إلى المنشآت التكنولوجية والشركات التي تكابر ببقائها على قيد الإنتاج والخسائر.
ومما كشفه المركز، عبر مؤلف الدراسة عبد الله الغزاوي، أن الناتج المحلي الإجمالي لإسرائيل قد انخفض بنسبة 1.4% في الربع الأول من عام 2024 مقارنة بالربع المقابل من العام السابق، إذ تراجع من 420 مليار دولار إلى 414 مليار دولار. لينخفض بالتالي نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3.1%، من 36 ألف دولار إلى 34.9 ألف دولار.
بيد أن الخسائر التراكمية، بقاعات قواطر وعلى مدى عشرة أشهر، بدّلت من موقع الاقتصاد الإسرائيلي، ليس على مستوى التصنيف الائتماني إلى "ايه 2" كما خفضته "موديز"، أو توقعات اتساع العجز إلى 8% من الناتج الإجمالي للعام الجاري بحسب توقعات وكالة "ستاندرد آند بورز"، بل طاولت المخاطر الشركات الكبرى، إنتاجاً ووجوداً، بعد إغلاق 726 شركة والتوقعات بالمزيد، إغلاق وانسحاب الشركات العالمية، باستمرار الحرب وتوقعات اتساع رقعتها. بدليل تراجع الاستثمارات الأجنبية بنحو 40% من 25 مليار دولار العام الماضي، إلى 15 مليارا في النصف الأول من العام الجاري.
ويعلم المهتمون أي آثار تلاحق الاقتصاد، في حال انسحاب شركات موطّنة أو تراجع الاستثمار الخارجي، إن على صدقية المناخ الاستثماري أو على عرض الإنتاج والتصدير، أو حتى على صعيد تراجع سعر صرف العملة المحلية، وربما تراجع سعر الشيكل إلى أدنى مستوى منذ ثماني سنوات (4.2 للدولار) دليل إضافي ومؤشر شهي للقراءة، خاصة لجهة تدهور الوضع المعيشي وبلوغ نسبة الفقر 25.3% اليوم.
ودونما إطالة، لم يسلم قطاع أو مؤشر من الصفع والتهشّم، ابتداء من صناعة التكنولوجيا التي فقدت 30 ألف وظيفة، مروراً بقطاع البناء بعد توقف 14 ألف ورشة، وصولاً إلى قطاع السياحة، بعد تراجع عدد السياح بنسبة 50% في النصف الأول من عام 2024 مقارنة بالعام السابق.
نهاية القول: ربما لم تأت الدراسات وتقارير تتبّع خسائر الاقتصاد الإسرائيلي على ما نعتقده الأهم، وهو فقدان الثقة في المناخ الاستثماري، واعتبار إسرائيل منطقة ساخنة، تعرّض الرساميل والاستثمارات للتلاشي والتهديم، بعد فقدان الثقة في دولة الاحتلال ككل، إن لجهة القوة التي تسوّقت عبر عقود أو حتى لجهة العائد الاستثماري والأرباح، بعد كشف وحشية الاحتلال وخسارته معظم دول الجوار.
وفقدان الثقة هو الخطر الأكثر ديمومة قياساً بجل الخسائر والتبعات. ما يعني أنه من الصعب، حتى على الولايات المتحدة التي تدعم بالأموال والسلاح والتغطية السياسية، أن تعيد الثقة لمستثمر أو تقنع رجل أعمال بإسرائيل، بواقع تهافت دول العالم الآمنة والمستقرة، على جذب الاستثمارات واستقطاب الأموال.
وكل هذا ضمن إحصاء الخسائر جراء الحرب على غزة. أما إن توسعت الدائرة ودخلت أطراف إقليمية... فوقتذاك، وعلى الأرجح، سيعاد التفكير في نبوءة "لعنة العقد الثامن" التي ستكشف وجه دولة الاحتلال وقوتها المزيفين، إن لم نقل تلاشي ورسم ملامح جديدة للمنطقة برمتها، سياسياً وجغرافياً وتحالفات.