أثار قرار رفع سعر الفائدة الأميركية مخاوف لدى الاقتصاديين في السودان من دخول البلاد في نفق جديد واشتداد وطأة الأزمة الاقتصادية التي تفاقمت بعد الانقلاب العسكري 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وتوقف الدعم الدولي وزيادة أعداد الفقراء، مع تحذيرات أممية من زيادة عدد الجوعى إن لم يكن هنالك تحسن في إمدادات الغذاء.
ويقول اقتصاديون إنّ السودان يستورد أكثر من 90% من الغذاء وينتج أقل من 5% مع توقف تام للإنتاج بسبب الأزمات السياسية والاقتصادية التي يعانيها عقب إيقاف المجتمع الدولي الدعم المقرر بعد ثورة ديسمبر/كانون الأول 2019، والتي استطاعت الحكومة الانتقالية السابقة بعدها تنفيذ أكبر تحول اقتصادي بدعم من صندوق النقد والبنك الدوليين، أثر مباشرة على كافة السودانيين، نتيجة لإجراءات الصندوق التي قضت برفع الدعم كلياً عن السلع.
ويرى كثيرون أنّ قرار البنك المركزي الأميركي في سعيه للتصدي للتضخم بسعر الفائدة بمقدار كبير، سيؤثر سلباً على المواطن السوداني بزيادة تكلفة الاستيراد ورفع معدلات التضخم المحلي وتوقف وتيرة الإنتاج، علماً أنّ غالبية التقانة والأسمدة تستورد من الخارج، في حين يرى البعض الآخر أنّ ذلك يجعل الدول المستوردة تعمل على تفعيل الموارد المحلية وفق خطط استراتيجية تفادياً لمخاطر يمكن أن تحدث مستقبلاً للاقتصادات الناشئة مثل السودان.
وقرر المركزي الأميركي، أول من أمس الأربعاء، رفع الفائدة، بهدف وقف قفزة التضخم التي تسببت بها جائحة كورونا. ويأتي هذا بعد رفع أسعار الفائدة بنسبة 0.5% في مايو/أيار الماضي، لأول مرة بهذه النسبة منذ عام 2000، وللمرة الثانية منذ عام 2018، وذلك بعد أن رفع الفائدة بنسبة 0.25% في مارس/آذار الماضي.
ويقول الاقتصادي محمد الناير، لـ"العربي الجديد"، اليوم الجمعة، إنه منذ أن خفض السودان عملته المحلية (الجنيه) مقابل الدولار، انخفضت قيمة الناتج المحلي الإجمالي إلى 13 مليار دولار فقط، بعدما كان 108 مليارات دولار في فبراير/شباط 2021.
كما تراجع متوسط دخل الفرد إلى 314 دولاراً فقط بعدما كان 2500 دولار، وارتفع الدين الخارجي ما يعادل العملة المحلية من 3 تريليونات جنيه إلى 24.6 تريليون جنيه؛ أي ما يعادل 400% من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2022. وتوقع أن تزداد ديون السودان بوتيرة كبيرة مع زيادة أسعار الفائدة وانفلات الأسعار وزيادة في التضخم.
ويتوقع خبراء اقتصاد أن تكون لخطوة المركزي الأميركي القاضية برفع سعر الفائدة للمرة الخامسة، آثار سالبة على السودان من عدة نواحٍ؛ وهي زيادة حجم الدين الخارجي، وارتفاع أسعار الغذاء في بلد لا يزال من الدول المستوردة، وزيادة أسعار النقل، لكنهم أكدوا وجود حلول موضوعية تكمن في كيفية استغلال الموارد السودانية لتغطية الفجوة المرتقبة، في وقت تشتد وتيرة الأزمات في المنطقة العربية.
ويتوقع الخبير الاقتصادي إسحاق محمد أحمد، في حديث لـ"العربي الجديد"، زيادة الركود واختلال النمو الاقتصادي، مع ظهور بؤر للفساد والتهريب في دولة مثل السودان، نتيجة لعدم وجود قوانين محكمة رادعة، كما أن ذلك بإمكانه إعادة إنتاج أزمة تهريب البشر والتجارة غير المشروعة في دول أفريقية مجاورة، بما يؤثر على استقرار البلد المأزوم أصلاً.
لكن الاقتصادي محمد الزين يرى أنّ القرار لن يكون له أثر كبير على اقتصادات الدول العربية لا سيما المنتجة للنفط، بل التأثير الكبير سينتج أصلاً من ارتفاع التضخم في الاقتصاد الأميركي، وهو ما سيتسبب في موجة من ارتفاع أسعار السلع في العالم لأنّ التضخم سيؤثر على القيمة الفعلية للدولار وهو العملة التي ترتبط بها معظم عملات المنطقة العربية.
أما التأثير على القروض فهو غالباً سيكون إيجابياً؛ بحسب الزين، لأنّ رفع الفائدة سيدفع بالأموال من مختلف دول العالم نحو المصارف الأميركية، وهي بدورها ستبحث عن جهات لإقراضها لكن بتكلفة أعلى قليلاً مقارنة بالعام الماضي، إنما في ظل التضخم الحالي في أميركا فإنّ رفع الفائدة "يعتبر عادلاً ومقبولاً للمستثمرين"، وفق قوله.
الاقتصادي الفاتح عثمان يقول إنه بسبب رفع سعر الفائدة سوف تتدفق الأموال الساخنة باتجاه أميركا لكن بشكل مؤقت، لأنّ معدل الفائدة سيظل متدنياً مقارنة بالاستثمار في أسهم في الشركات الواعدة أو الاستثمار في الأسواق الناهضة حيث احتمالات الربح عالية جداً. وهو يتوقع موجة ارتفاع لأسعار السلع الغذائية لأسباب تتعلق بزيادة التضخم في الدول الصناعية، وأيضاً بسبب أزمة الطاقة التي يعاني منها العالم حالياً.
واعتبر كثيرون التحرّك الأميركي نتيجة للأزمات العالمية التي جعلت الجميع يعترف بأنّ أسعار الفائدة هي المشكلة الأساسية، مشيرين إلى النظام الإسلامي الذي لم يعترف به الغرب بعد.
ويقول المتابع للشأن الاقتصادي إسماعيل بشار إنّ القرار الأميركي سيكون صعباً لكثير من الدول المقترضة، فهذه القرارات قد تعزز من قيمة الدولار ما يؤثر سلباً على السودان في ديونه الخارجية.
واعتبر، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "الأخطر من ذلك توقعات حصول اضطراب أمني في الشرق الأوسط بما يؤثر على سلاسل التوريد والإمداد، ثم الأزمة الأوكرانية، بالتالي يؤدي ذلك إلى ارتفاع أسعار النفط ويؤثر سلباً على الدول المستوردة، حيث إنّ أكبر الدول المنتجة قد تعجز عن توصيل النفط إلى المستهلكين، وكل هذه التعقيدات تؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط والنقل والتأمين".
ويرى المحلل الاقتصادي توفيق محمود، أنّ قرار المركزي الأميركي "يعني صعود سعر الدولار عالمياً، وارتفاع معدلات التضخم، واتجاه معظم البنوك المركزية إلى رفع أسعار الفائدة، وتراجع قيمة عملات عدد من الأسواق الناشئة مقابل الدولار، وهو ما يعد بيئة غير مثالية لتدفقات الأجانب في أدوات الدين والاستثمار".
ويقول إنّ هناك أثراً غير مباشر على السودان من سياسات المركزي الأميركي وهو ارتفاع الفائدة خارجياً أيضاً، بما يرفع تكلفة الاستدانة من الأسواق الدولية كقروض أو سندات دولية يتم إصدارها. ولذا يمكن اختصار التأثير بأنه معاكس، ويفرض نوعاً من البيئة الخانقة على السيولة الخارجية، خاصة مع عدم تعافي مصادر النقد الأجنبي في السودان بالسرعة المطلوبة، بحسب محمود.