هل اقترب وقف إطلاق النار؟

10 أكتوبر 2024
شرطي إسرائيلي في موقع استهدفه قصف لحزب الله على بلدة كريات شمونة، 24 سبتمبر (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تتزايد الضغوط الدولية لإنهاء الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين واللبنانيين، مع جهود دبلوماسية لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، وسط مخاوف من تصعيد عسكري أوسع قد يشمل ضربات إسرائيلية لإيران وردود إيرانية محتملة.
- تركز وسائل الإعلام على تأثير الحرب على الاقتصاد العالمي، مع ارتفاع أسعار النفط والذهب، مما يثير قلق الإدارة الأمريكية من تأثير ذلك على الانتخابات المقبلة.
- هناك تحركات دبلوماسية لزيارة دول عربية لإقناعها بدعم السلام، وسط دعوات لإعادة ترتيب البيت الداخلي في الأردن وتعزيز العلاقات الإقليمية والدولية.

هل ينطوي اشتداد المعارك مع الجهتين الفلسطينية واللبنانية على إشارة أن هذه المعارك سوف تنتهي قريباً؟ وهل تمارَسُ ضغوط على الأطراف المتحاربة، خاصة إسرائيل، أن الوقت قد حان لأن تضع الحرب أوزارها، وأن يعطَى الضحايا من المدنيين الاهتمام الجديرين به حتى تفتح أمامهم طاقة أمل؟

الذي يبدو أن هناك جهات يهودية في العالم ممن لا يريدون استمرار الحرب قد بدأوا ينشطون في التقارب مع العرب الذين يمكنهم الاتصال بهم، وممن يخشون على مستقبل إسرائيل من حمّام الدم الذي تغوص في داخله الحكومة الظالمة المتطرفة فيها، وصاروا يقولون إن الوقت قد حان لحقن تلك الدماء، والسير قدماً نحو حل يستدرك ما تبقّى من بصيص أمل بإمكانية الوصول إلى سلام عادل ينهي هذه المأساة الكبرى في القرن الحادي والعشرين.

وقد لوحظ في الآونة الأخيرة أن قنوات التلفزة الإخبارية صارت تركز أكثر على آثار الحرب على الاقتصاد العالمي من فوضى ودربكة في أسواق البورصات العالمية، ومن ارتفاع في أسعار الذهب والمعادن الثمينة، وصحوة أسعار النفط، الذي وصل سعره في بحر الشمال إلى أكثر من ثمانين دولاراً مقابل ما يقارب 75 دولاراً قبل أيام معدودة.

وهناك خشية داخل الولايات المتحدة، خاصة الإدارة الديمقراطية، من أن استمرار ارتفاع الأسعار سوف يُراكم الأعباء الاقتصادية على الأسر الأميركية الفقيرة والمتوسطة، والتي إما ستحجم عن التصويت في انتخابات شهر نوفمبر القادم، أو أنها سوف تنحاز إلى المرشحين الجمهوريين في ولاياتهم، خاصة ما يسمى بالولايات المتأرجحة، التي بدأت تحقق فيها كامالا هاريس بعض التقدم الضئيل على حساب منافسها دونالد ترامب.

وكذلك، فإن استمرار الحرب سيزيد الضغوط على سلاسل التزويد الدولية، لأن هذا الاستمرار سيعني أن إسرائيل ستقوم بضرب إيران، وإن لم تكن هذه الضربة قد اتفق عليها بتفاصيلها. وإن ترك الأمر للقرار الفردي لنتنياهو، فسيقوم هو وجيشه وحكومته بضرب المستودعات والمنشآت النفطية الإيرانية، أو قد يتمادى فيسعى إلى تدمير المنشآت النووية الإيرانية التي يقال إنها موجودة في أصفهان وتبريز. وفي هذه الحالة، فإن إيران سترسل المئات، إن لم يكن الآلاف، من الصواريخ الباليستية إلى إسرائيل، محدثة دماراً كبيراً فيها، يحرج إدارة بايدن وحكومة ستارمر في المملكة المتحدة، إلى حد أنها سوف تشارك إسرائيل في ضرب القواعد العسكرية الإيرانية. وماذا لو قامت بعد ذلك روسيا باستثمار النتائج الخطيرة لهذه الحرب في توسيع احتلالها للأراضي الأوكرانية أو احتلال كييف وتحييد نظام زيلينسكي، أو قامت الصين باحتلال جزر في المحيط الهادي.

موقف
التحديثات الحية

وقد قال أحد المعلقين في إحدى القنوات الإخبارية العربية إن إيران تملك أسلحة نووية، وإنها تستطيع إنتاجها. ومع أن مثل هذا الأمر غير محسوم ولا مجزوم، مثل الادعاء بقتل قائد حزب الله الجديد هاشم صفي الدين، أو بقتل قائد قوات حماس في غزة يحيى السنوار، إلا أن إيران يمكن أن تنتج القنبلة القذرة، حسب ما يقوله بعض الخبراء، لأن مثل هذه القنبلة ستكون ذات فاعلية شديدة ولكنها أقل ضرراً وأسهل إنتاجاً من القنبلة النووية العادية.

لذلك، فإن خطر استمرار الحرب وفق سيناريوهات متعددة يضر بالمصالح الكبرى لكثير من الأطراف في المنطقة والعالم، وحتى إسرائيل التي يتعطش قادتها إلى استمرار الحرب وتوسيع رقعتها وتشديد عنفها، معرّضة لمثل هذا الخطر. ولكن ما يجري من معارك في الوقت الحاضر يبقى محصور الضرر، قياساً إلى استخدام صواريخ ذات رؤوس متفجرة عالية الشدة، أو من قنابل نووية، ولو كانت نسبة تخصيبها متدنيّة عن الحد الذي تسمى عنده قنابل نووية.

ولقد أتيحت لي الفرصة للاطلاع على مقابلة تلفزيونية هامة على محطة CNN الأميركية، حيث قابلت فيها مقدمة برنامج "Connecting the World" وسيط تبادل الأسير جلعاد شاليت بأسرى فلسطينيين. واسم هذا الوسيط غيرشون باسكن (Gershon Baskin) والذي عرض فيه صيغة اتفاق قال إن حركة حماس وافقت عليها.

وتتضمن صيغة الاتفاق وقفاً لإطلاق النار لمدة واحد وعشرين يوماً، يجري فيها تبادل الأسرى الإسرائيليين العسكريين والمدنيين والمقدر عددهم بمائة شخص أو مائة وواحد، مقابل عدد كبير من الأسرى الفلسطينيين، ويجري أثناءها انسحاب إسرائيلي من غزة، واتفاق على بدء عملية سياسية تفضي إلى حل عادل ومقبول للقضية الفلسطينية، ولا تشارك حماس فيه، وتتعهد حركة المقاومة بعدم العودة إلى الحرب أو أعمال المقاومة. وقد ذكر باسكن في المقابلة أن الأطراف العربية التي تفاوض قد قبلت بهذا الاقتراح، ولكن حكومة نتنياهو ورئيس وزرائها بالذات هم من عطلوا هذه الصفقة التي لو تمت لكان الأسرى قد عادوا إلى أهاليهم، والحرب قد توقفت، ومعركة الشمال على الحدود اللبنانية قد انتهت، ولما حصل الهجوم الباليستي الإيراني على إسرائيل، ولما قتل حسن نصر الله. ويبدو أن القائد العسكري لحركة حماس يحيى السنوار قد قبل بهذا الأمر، وأنه لم يمانع في الانتقال إلى مكان آمن.

وفي ضوء كلام باسكن، فإن حركة المطالبة بالوصول إلى اتفاق مع المقاومة من أجل إيقاف القتال وإطلاق سراح الأسرى قد اشتد عودها، وعادت المظاهرات السلمية إلى الشوارع في مدن إسرائيل وإلى كثير من الدول الأوروبية والعربية.

وقد قام باسكن بإعداد صيغة رسالة موجهة من رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو إلى جو بايدن رئيس الولايات المتحدة، يعلمه فيها أن الحكومة الإسرائيلية توافق على اتفاقية الإطار التي أقرتها حركة حماس، وتتضمن أهم النقاط التي قدمها أثناء المقابلة مع محطة سي أن أن، بما فيها توفير ضمانات دولية بعد الانسحاب الإسرائيلي الكامل من القطاع بعدم تكرار أي هجوم ضد إسرائيل مثل الذي حصل يوم السابع من أكتوبر، ولكن نتنياهو لم يوقّع هذه الرسالة.

ويبدو أن النشطاء والإسرائيليين واليهود في كثير من الدول الغربية الراغبين في إنهاء الحرب الدموية قد بدأوا يتحركون، ويطالبون بأن تقوم دول عربية مثلهم بذلك. وقد حدثني بعض هؤلاء من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ليؤكدوا أنهم جاهزون لزيارة الأردن، والحديث إلى أصحاب الرأي والسياسيين فيها، لإقناعهم بأن هناك قطاعاً عريضاً من اليهود والإسرائيليين الذين لا يرون أن حكومة إسرائيل الحالية تمثلهم، بل يسعون لكي يبرّئوا أنفسهم منها، وأنهم خجلون من المواقف واللغة التي تتبناها، ومن التهديدات التي تطلقها.

إننا نقف الآن على عتبة باب رداد، فإما أن يفتح باتجاه النور والأمل، وإما أن يغلق على ظلمة لا يعلم إلا الله بمداها وبدواهيها.

وقد أتيحت لي الفرصة قبل أيام للاستماع إلى الأمير الحسن بن طلال خلال طعام إفطار يوم السبت الخامس من أكتوبر 2024. وقد قام بتقديم تحليل عميق عن الواقع في المنطقة، وعن ضرورة أن يقوم الباحثون الأردنيون بوضع دراسات استراتيجية لترتيب البيت الداخلي في الأردن ومواجهة مشكلاته وتحدياته، ومن أجل تنظيم العلاقات الإقليمية والدولية، وأكد على ضرورة مساهمة دور البحث الاستراتيجي في الأردن لوضع تصورها عن هذا الموضوع.

الدرس الأساس الذي تعلمناه هو أن مستقبلنا يجب ألا يبقى رهينة لقرارات يأخذها الآخرون، ونكون نحن ضحاياها، ومضطرين للتعامل معها، لأنها ستؤثر على مصالحنا الاستراتيجية بشكل مباشر لا يمكن إنكاره.

المساهمون