استمع إلى الملخص
- **روسيا وقمة بريكس**: تستعد روسيا لعقد قمة بريكس في قازان، وتهدف إلى تعزيز دورها بإنشاء "كتلة تجارية خاصة بالسلع" وبورصة حبوب، وتطوير نظام مالي جديد قائم على "عملة بريكس الذهبية".
- **التحديات والفرص أمام بريكس**: تواجه بريكس تحديات في منافسة الهيمنة الأميركية، لكنها تسعى لتعزيز التعاون التجاري والمالي، خاصة بين الصين والهند، لمواجهة قوة الدولار وهيمنة الأسواق المالية الأميركية.
بينما تعدّ موسكو لعقد قمة بريكس المقبلة في مدينة قازان عاصمة جمهورية تتارستان الروسية بين 22 و24 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، يثار سؤال ماذا تريد المجموعة؟ وهل تتحول هذه الكتلة من تجمّع فضفاض إلى قوة فعلية ذات نفوذ عالمي ينافس مجموعة السبع الرأسمالية الغربية؟
يرى خبراء أن بريكس ترغب في التحول إلى قوة ثالثة ذات نفوذ سياسي واقتصادي ومالي يحاصر فعلياً تفرّد الولايات المتحدة وحلفائها بالنفوذ العالمي، وتلقائياً تكون كتلة ثالثة تجبر القوى الغربية على القبول بنظام متعدد الأقطاب بديل للنظام آحادي النفوذ الذي تقوده واشنطن منذ الحرب العالمية الثانية.
ولكل من الأعضاء الكبار في بريكس طموحاته الخاصة وأهدافه التي يريد خدمتها من خلال المجموعة. فهناك الصين أكبر أعضاء بريكس التي تريد أن تناطح الولايات المتحدة وتكوّن لها مجموعة قوية تدعمها مثلما لدى الولايات المتحدة مجموعة السبع. كما أن روسيا تريد الفكاك من أسر دولرة الاقتصاد العالمي، واستخدام مقدرات المجموعة لتحويلها إلى "كتلة تجارية"، وإنشاء عملة بديلة ونظام مالي مواز للنظام المالي القائم على الدولار ونظام دفع وتسويات بين البنوك ينافس نظام "سويفت".
في المقابل، يدغدغ مشاعر رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، حلم أن تصبح بلاده دولة عظمى تقود الكتلة الثالثة في النظام العالمي الجديد. وقد طرح الرئيس فلاديمير بوتين على رئيس الوزراء الهندي مودي هذه الفكرة في الزيارة الأخيرة التي قام بها الأخير لروسيا في 9 يوليو الجاري.
ويرى الرئيس الروسي الذي يعدّ لهذه القمة في بلاده أن تتحول المجموعة إلى كتلة تجارية لها عملتها الخاصة في التسويات التجارية ولها نظام دفع إلكتروني لتسوية الصفقات التجارية، وقد صرح بذلك في القمة التي عقدت في جنوب أفريقيا العام الماضي. ومعروف أن أكبر أزمة تواجهها موسكو هي العقوبات الغربية التي تمنعها من التجارة بحرية مع دول العالم.
ماذا تريد بريكس فعلياً؟
يرى الزميل في معهد موريس ر.جرينبيرج للدراسات الصينية، زونغيوان زوي ليو، في تعليقات لمجلس العلاقات الخارجية الأميركي، في 13 سبتمبر/أيلول الماضي، أن بريكس مهتمة فعلياً بإيجاد نظام مالي بديل للنظام المالي الحالي الذي يهيمن عليه الدولار.
وقال في إجابة على سؤال عما إذا كانت مجموعة بريكس ستكون أداة يستخدمها أولئك الذين يريدون التخلص من الدولار في النظام المالي العالمي؟ نعم، ولقد كتبت عن إمكانية قيام مجموعة بريكس بإلغاء الدولار في النظام المالي العالمي، وأعتقد أن مجموعة بريكس الموسعة قد جمعت بالتأكيد مجموعة هائلة من البلدان التي لديها تحفيز كبير لتعزيز تطوير بديل للنظام المالي القائم على الدولار ولديها أسباب اقتصادية للقيام بذلك، ولكن أعتقد أن الأهم من ذلك أنهم يريدون التحوط ضد العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة والغرب. وعلى وجه الخصوص، هذا هو الحال بالنسبة لروسيا وإيران والصين أيضاً.
ويوضح ليو، أن هناك فرقاً كبيراً بين التخلص من الدولار، أو خلع الدولار، أو الترويج لنظام مالي عالمي بديل، أو تدويل العملة الصينية، الرنمينبي، وأعتقد أن هذه المصطلحات مختلفة تماماً.
وقال: أعتقد أن مجموعة بريكس قد اكتسبت ما يكفي من الوزن الاقتصادي للمضيّ قدماً في تطوير بديل للنظام القائم على الدولار، ولدى أعضائها الدوافع الاقتصادية والجغرافية الاقتصادية، ولديها البنية التحتية. ويضيف: "نجحت كل من الصين والهند وروسيا في تطوير بنيتها الأساسية المالية ذات التوجه المحلي. كما أنها كانت تتاجر مع بعضها بعضا".
ويتابع: الفكرة هي، كما تعلمون، أن لديهم أكبر شركاء التجارة، فلماذا يتعين عليهم اللجوء إلى نوع ثالث من العملات لرفع سعر العملة الأميركية وزيادة تكلفة المعاملات ومخاطر صرف الدولار؟ وهو يشير بذلك إلى عملة بريكس المقترحة.
روسيا وقمة المجموعة
روسيا دولة غنية بالموارد الطبيعية والمواد الخام، خاصة السلع المهمة مثل النفط والغاز والقمح والشعير، وكذلك غنية بالذهب واليورانيوم، وتهيمن على احتياطات دول آسيا الوسطى.
وبالتالي، فهي حريصة على تكوين "كتلة تجارية خاصة بالسلع". ووفق تحليل بمركز "آسيا سوسيتي" للدراسات في نهاية مارس/آذار الماضي، تسعى روسيا إلى إنشاء بورصة حبوب لدول بريكس. وقد أيّد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هذه المبادرة التي تسعى إلى منافسة نظام تسعير الحبوب الذي يهيمن عليه الغرب، ويتحدى بذلك الدولار باعتباره العملة التجارية الرئيسية في العالم.
وعلى الرغم من صراعها مع أوكرانيا والعقوبات التي فرضتها الدول الغربية، تظل روسيا لاعباً زراعياً رئيسياً، حيث توفر ما يقرب من ربع سوق الحبوب العالمية، وفقا للبيانات الروسية. وصدّرت ما لا يقل عن 43.5 مليار دولار من الصادرات الزراعية في العام الماضي، وتخطط روسيا لتصدير ما يصل إلى 65 مليون طن من الحبوب في العام الجاري.
ومن شأن تبادل الحبوب في مجموعة بريكس أن يجمع بعضاً من أكبر مشتري ومصدري الحبوب في العالم. وفي العام الماضي، كان أعضاء مجموعة بريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا) يمثلون ما يقدّر بنحو 42% من إنتاج الحبوب العالمي، بما يقرب من 1.2 مليون طن، و40% من الاستهلاك العالمي، وفقا لوزارة الزراعة الروسية. ويلاحظ أن الرئيس الروسي مهّد لذلك عبر زيارة رئيس الوزراء الهندي في 9 يوليو/تموز الجاري.
وإلى جانب تكوين كتلة لتجارة القمح من دول بريكس، تستهدف موسكو بناء نظام مالي جديد قائم على "عملة بريكس الذهبية". ويرى محللون أن نجاح كتلة بريكس في تفعيل خططها التجارية والانتقال بعيدًا عن الدولار، ستواجه الولايات المتحدة تضخمًا مفرطًا وتدخل في حالة من الكساد، مما يجعل المعادن الثمينة وبيتكوين و"الأصول الصلبة" هي الأشياء الوحيدة التي تستحق الاحتفاظ بها، وفقًا للمستثمر الشهير روبرت كيوساكي، في تحليل بموقع كيتكو في 13 مايو/أيار الماضي.
ولاحظ محللون في موقع "كيتكو" الأميركي الخاص بالمعادن الثمينة، في 24 يوليو/تموز الجاري، أن البنوك المركزية في دول "بريكس+" والدول المحايدة تجري عمليات شراء شرهة للذهب وبمعدل غير مسبوق. وفي تحليل لشركة الاستشارات الاستخباراتية GIS نُشر أول من أمس، أشار الرئيس التنفيذي لشركة "غولد توكنيازيشن" السويسرية، فاهان روث، إلى أن ارتفاع الذهب إلى أعلى مستوى جديد على الإطلاق عند 2480 دولارًا للأونصة، في 17 يوليو/تموز، يؤكد التحركات الاستراتيجية التي اتخذتها البنوك المركزية في مجموعة "بريكس+" ودول أخرى على خلفية عدم اليقين الجيوسياسي والاقتصادي.
ويبدو أن الصين التي تواجه شراسة العقوبات الأميركية على تجارتها، خاصة إذا فاز المرشح دونالد ترامب بالرئاسة، تعدّ لهذه القمة عبر التقارب مع الهند وإبعادها عن أحضان واشنطن، واستخدام كل مقدرات بريكس التجارية والمالية والاقتصادية في مكافحة الهيمنة الأميركية على الاقتصاد العالمي.
ويلاحظ أن الصين تتميز بقوتها التجارية، بينما الولايات المتحدة تتميز بقوة المال وأدواته، إذ لديها أكبر أسواق في العالم، كما أن عملتها الدولار تهيمن حتى الآن على التسويات التجارية العالمية وعلى أسواق المال والبنوك التي تحرك التمويلات العالمية. وبالتالي، فإن مناطحة الولايات المتحدة لن تكون سهلة لنظام بريكس المالي المتوقع حتى في حالة لجم الخلافات الداخلية بين أعضاء الكتلة.
قوة المال الأميركية
تبلغ القيمة السوقية الإجمالية لسوق الأسهم الأميركية حاليًا أكثر من 50 تريليون دولار، وفقاً لبيانات هيئة اتحاد البورصات الأميركية. وهذا يمثل إجمالي القيمة السوقية لجميع الشركات العامة التي يوجد مقرها في الولايات المتحدة والمدرجة في بورصة نيويورك أو سوق ناسداك للأوراق المالية.
ووفقًا لتقديرات بنك التسويات الدولية، تمتلك الولايات المتحدة أكبر سوق للسندات في العالم، بقيمة تزيد عن 51 تريليون دولار. وتُعد البنوك التجارية من بين أكبر المشترين لديون الحكومة الأميركية البالغة 35 تريليون دولار.
كما يهيمن الدولار على أكثر من 60% من الاحتياطات العالمية، وفق بيانات صندوق النقد الدولي، وهي عملة التجارة الرئيسية للنفط والذهب والغاز الطبيعي والعديد من المواد المهمة للاقتصادات العالمية.