تناقلت مواقع إخبارية محلية سورية خبر منح وزارة النقل ترخيصاً لفحص المركبات فنياً في جميع المحافظات السورية لصالح شركة "الدروب الآمنة" الخاصة، في الوقت الذي أثيرت فيه تكهنات حول خصخصة قطاع الطيران المدني.
وكان مدير النقل في محافظة طرطوس "نضال بركات" قد صرح في وقت سابق، بأن الوزارة منحت الشركة عقداً لإنشاء مراكز خاصة لفحص المركبات فنياً في جميع المحافظات، وبالتالي توقف مديريات النقل عن عملها بفحص المركبات.
ويعني القرار الاستغناء عن خدمات أكثر من 600 مهندس كهرباء وميكانيك موزعين على جميع دوائر النقل يعملون على فحص المركبات فنياً، حيث سيتوقف عملهم عند بدء عمل الشركة لعدم وجود عمل آخر لهم ضمن المديريات.
حصيلة ضخمة
وقالت مصادر خاصة لـ"العربي الجديد"؛ إن شركة "الدروب الخاصة" عملت خلال السنوات السابقة على استيراد ألواح الطاقة الشمسية والمولدات الكبيرة، ويملكها تجار مقربون من النظام السوري، وإنها ستفرض رسوم الفحص الفني اعتباراً من 50 ألف ليرة سورية (نحو 6 دولارات) للمركبات الخاصة الصغيرة ومبالغ أكبر للمركبات العامة والكبيرة".
وتوقعت أن تفرض الشركة "فحصاً فنياً سنوياً بالاتفاق مع الوزارة بدلاً من الفحص كل 4 سنوات. في حين كان سقف التكلفة في مديريات النقل لا يزيد عن 9500 ليرة سورية".
وتُقدر المصادر أعداد المركبات في المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام السوري بحوالي 4 ملايين مركبة مُسجلة في دوائر النقل، ما يعني جباية الشركة لأكثر من 200 مليار ليرة سورية سنوياً للفحص الفني فقط.
ويتضاعف الرقم بحسب نوع السيارة وسنة الصنع وتصنيفها خاصة أو عامة، عدا الدراجات النارية والزراعية وغيرها. وستضاف هذه الأرقام إلى أجور الترسيم والتأمين السنوي والاستهلاك.
في حين لم يكن يتجاوز إجمالي رسوم الفحص الفني مع رسوم التسجيل لدى دوائر النقل أكثر من 50 مليار ليرة كل أربعة أعوام.
من جانبه قال المهندس "ر. العيد" إن "دوائر النقل الحكومية وبالذات أعمال الفحص الفني للمركبات لم تكن تخلو من قضايا الفساد والرشاوى وحتى من السماسرة ومعقبي المعاملات، وبالتالي غالباً ما دفع المواطن تكاليف إضافية".
وأشار في الوقت ذاته إلى أنه " نادراً ما اضطر المواطن لإعادة الفحص الفني ولدفع الرسوم مرتين، لتقدير المهندسين في دوائر النقل سوء المحروقات وعدم توفر قطع التبديل".
وأضاف طالبا عدم ذكر اسمه لـ"العربي الجديد" أن "الشركة الخاصة سيكون من مصلحتها ترسيب معظم المركبات لإعادة الفحص الفني وغالباً ما ستتعاقد مع ورش صيانة خاصة وبالتالي فتح مجال جديد لاستنزاف المواطن بالنصب والسرقة والاحتيال".
وأشار إلى أن "مجمل رواتب مهندسي الفحص الفني السنوية لا تتجاوز مليار ليرة سورية تشكل جزءا بسيطا من إيرادات وزارة النقل من الفحص الفني فقط، في حين بات المصير المجهول بانتظار جميع المهندسين العاملين في الوزارة".
التوسع في البيع
من جانبه، قال الخبير الاقتصادي يونس كريم لـ"العربي الجديد": إن "القرار ليس جديدا، فبحسب قانون سير المركبات المعدل بالمرسوم التشريعي رقم 11 لعام 2008 فقد تم منح الترخيص للشركات الخاصة للقيام بعمليات الفحص، إلا أن تطبيق القانون توقف لأسباب تتعلق بتأخر اللوائح التنفيذية وقيام الثورة السورية، وما يقوم به النظام حاليا، هو تفعيل الخطط التي توقفت".
وأضاف أن "منح التراخيص للقطاع الخاص ليس خاصا بشركة الدروب الآمنة بقدر ما هو إطلاق سباق لفتح شركات فحص المركبات متماشياً مع الرغبة باستيراد المركبات المستعملة والجديدة لإعادة الإعمار".
وأشار إلى أن "إدخال القطاع الخاص سيزيد الضغط على القطاع الحكومي الذي سيضطر لرفع أسعاره لمجاراة القطاع الخاص لتحقيق ربحية، كما حدث في المؤسسة السورية للتسويق عندما بدأت تقترب من أسعار السوق".
وأكد أن "منح الشركات رخصا قرب معابر التهريب والمرافئ، يمنحها حرية منح البيانات الجمركية للسيارات وبالتالي يُفقد الحكومة السورية التحكم بطبيعة المركبات".
بالمقابل اعتبر الخبير الاقتصادي أن "وجود القطاع الخاص يخفف الضغط عن القطاع الحكومي ويمنح هامش حركة في السوق وفرص عمل".
وحذر كريم في الوقت ذاته "من إفراغ القطاع الحكومي من كوادره البشرية وإضعافه، التي ستذهب للعمل في القطاع الخاص الأعلى راتبا، مما يقود لاحقاً إلى إغلاق المؤسسات الحكومية بدعوى تخفيف عجز الميزانية، والسعي لتحرير الأسعار وهو يعتبر نوعا من الخصخصة غير المباشرة".
وقدر وزير النقل السوري زهير خزيم في تصريحات الأسبوع الماضي، "الكلفة التقديرية لإعادة تأهيل القطاع السككي بحوالي 5 تريليونات ليرة سورية".
من جانبه، يقول المهندس "خ. جليلاتي" العامل في إحدى مديريات النقل لـ"العربي الجديد"؛ إن "الرقم المطروح ليس لإعادة تأهيل النقل السككي، بل طُرح للاستثمار، وفي أحسن الحالات لحث الدول العربية على المشاركة في أعمال الترميم".
وأشار إلى أن "إهمال النقل السككي في سورية بشكل ممنهج ومقصود، وهو في موقع البازار -السوق-حالياً مثل باقي المرافق الحيوية الأخرى".
خصخصة الطيران
وليس بعيدا عن خصخصة النقل البري، يزداد الحديث في دمشق عن خصخصة الخطوط الجوية السورية، وهو ما يمثل ضغطا على 4500 موظف وعشرات المكاتب التابعة لشركة الطيران السورية الحكومية المنتشرة داخل وخارج الحدود.
وكان قد بدأ العمل على خصخصة الخطوط السورية، والمطارات المدنية منذ أن طرح رئيس النظام السوري مرسوم التشاركية مع القطاع الخاص عام 2016، وأعقبه استثمارات ترميم لمطار دمشق والمدرجات من قبل شركات أجنبية.
أما اليوم فعاد الطرح أكثر حضوراً بوجود عروض من شركات وحكومات في غالبيتها ذات خلفية روسية وإيرانية، حيث دعم هذا الطرح تناقل أحاديث مُسربة لوزير النقل تؤكد عجز الاقتصاد السوري عن إعادة تأهيل شركة الطيران.
وكتب أحد العاملين في السورية للطيران لموقع "سوار الشام" المقرب من النظام في 21 يونيو/ حزيران الجاري: "بات واضحاُ أن خصخصة مؤسسة الطيران ستكون قريبا جدا للأسف، وسيكون موظفيها كبش الفدى للسيد الوزير الذي سيضحي بخبراتهم وسيدمر عائلاتهم من أجل مصلحة شخصية وفائدة لتاجر فاسد عدا تدمير اسم حمل شعار سورية طوال السنين الماضية".
وأضاف أنه "للأسف سيأتي قطاع خاص يدمر اسم هذه المؤسسة ولن يقدم أي شيء جديد وإنما كله حبر على ورق المهم تعبئة جيوب المستفيدين أي (انا ومن بعدي الطوفان)"
ووجه حديثه لوزير النقل قائلا، إننا "على ثقة إذا رفعتم يدكم عن هذه المؤسسة أو تم إعطاء الثقة لكل مدير استلمها لكنا اليوم أفضل من اجنحة الشام لكن طمعكم وتلاعب اجنحة الشام دمر السورية بالكامل".
بينما يرى كريم "عدم وجود مشروع لخصخصة قطاع الطيران لعدم امتلاك سورية بالأساس لأسطول طيران حديث أو مطارات متطورة".
وأضاف أن المطروح "هو خصخصة مواد الطيران، وإدخال شركات جديدة فضلا عن الموجودة مثل أجنحة الشام، وتاكسي الطيران، إضافة لتفعيل خصخصة الأسواق داخل المطارات، وخدمات الحركة".
وتوقع كريم أن "يكون قطاعا النقل البري والجوي مجالا مستقبليا للتنافس الدولي داخل سورية، مع إبقاء الدولة مشرفة على المكاتب العامة والإدارة".
وأشار إلى أن "السكك الحديدية رغم مشاكلها الحالية، إلا أنها مهمة جدا مستقبلا في إطار مشاريع إعادة الإعمار وفي ظل تنافس إقليمي ودولي لن يقتصر على السيطرة الروسية الإيرانية حاليا، بل سيشمل السعودية وتركيا مع دخولهما على خط الإعمار".
فساد متجذر
ويذكر السوريون السرقات الكبيرة في أعمال ترميم مطار دمشق الدولي عام 2015، عندما ألغت وزارة النقل المناقصة التي رست على أحد المتعهدين بقيمة 115 مليونا، ثم مُنح التعهد لشركة ماليزية أنشأها رامي مخلوف بقيمة 3 مليارات ليرة سورية.
وفي هذا الشأن يرى الناشط المدني "هاني عزام" في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "النظام يسير بخطى ثابتة نحو بيع القطاع العام لصالح القطاع الخاص".
وأضاف أن "نسبة من شركات القطاع الخاص يملكها النظام، حتى إذا تم التخلص من سيطرته السياسية سيبقى مسيطرا فعليا عبر التحكم بمفاصل الاقتصاد".
(الدولار= 8750 ليرة تقريبا)