العجز يتفاقم والمستثمرون يهربون: هل يتسبب العدوان على غزة بإفلاس الاقتصاد الإسرائيلي؟
يتخوف قطاع الأعمال الإسرائيلي من أن تقود تداعيات الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة إلى إفلاس العديد من الشركات الإسرائيلية وتضع الاقتصاد برمته على حافة الانهيار، وسط الغضب الشعبي المتصاعد نتيجة المجازر الوحشية التي يرتكبها جيش الاحتلال ضد النساء والأطفال والمشافي والمدارس في غزة، وزيادة الوعي العالمي بطبيعة التمييز العنصري وحرب الإبادة التي تمارسها إسرائيل على الشعب الفلسطيني.
ولا يستبعد محللون أن يتحول هذا الغضب الشعبي العالمي المتصاعد على إسرائيل من غضب سياسي إلى غضب على المال وضرب أسهم الشركات الإسرائيلية في الخارج وحتى الشركات العالمية الداعمة للحرب ودولة الاحتلال، خاصة أن الوعي الاقتصادي بتوظيف سلاح المال في خدمة الأهداف السياسية يتزايد في العواصم الغربية.
وحتى الآن ومنذ عملية "طوفان الأقصى"، يتزايد هروب المستثمرين من الشركات التي لديها علاقة بإسرائيل، سواء كانت محلية داخل دولة الاحتلال أو متعددة الجنسيات ولديها استثمارات داخل إسرائيل أو المستوطنات المحتلة.
ولاحظ محللون في أسواق المال العالمية أن أسهم شركات أشباه الموصلات التي تتعامل مع إسرائيل وعلى رأسها آبل الأميركية وسامسونغ الكورية و"أبلايد متيرليز" اليابانية وغيرها، تعاني من التراجع، كما أن المستثمرين يواصلون الهروب من الأصول التي لها علاقة بإسرائيل.
وفي أميركا تم بيع شركة إسرائيلية في سوق المال الأميركي بنيويورك بأقل من نصف ثمنها. وقالت وكالة "بلومبيرغ"، يوم الخميس الماضي، إنه من المقرر الاستحواذ على شركة التكنولوجيا المالية الإسرائيلية "ميليو" بأقل من نصف قيمتها السوقية.
كما أن هنالك حملة عالمية في طور النشأة تدعمها شركات محاماة عالمية لرفع قضايا ضد الشركات التي شاركت في عمليات الإبادة التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي بحق أهالي غزة.
ويشير ناشطون في شبكات التواصل الاجتماعي إلى احتمال عمليات بيع ممنهجة لأسهم الشركات الإسرائيلية والداعمة لإسرائيل في أسواق المال خلال الشهور المقبلة، ما لم تتوقف الحرب.
وكانت شركة إنتل قد وافقت على استثمار 25 مليار دولار في إسرائيل في يونيو/حزيران الماضي. ومنذ انطلاق عملية "طوفان الأقصى" قبل أكثر من شهر لم يتم الحديث حول مصير هذا الاستثمار الذي كان يتفاخر به رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
وحسب بيانات "وول ستريت"، فقد تراجع سهم شركة تشيك بوينت الإسرائيلية المدرجة في الولايات المتحدة بنسبة 1%، في حين انخفض سهم "داتا دوغ" بنسبة 4.4%. وتعول حكومة نتنياهو، التي باتت مكروهة حتى في إسرائيل، ناهيك عن العالم، في تمويل الحرب الإسرائيلية على 3 مصادر رئيسية، وهي المساعدات الأميركية وإصدار سندات حكومية والتمويل عبر زيادة العجز في الميزانية.
كلف الحرب:
على مستوى كلفة الحرب، فإنه حتى الآن لا توجد معلومات دقيقة حول تلك الكلفة، ولكن المعلومات التي نشرتها وسائل إعلام إسرائيلية والبنك المركزي الإسرائيلي في تل أبيب، تشير إلى أن كلف الحرب تفوق أضعاف الكلف التي تكبدتها إسرائيل في حروبها السابقة في لبنان وعلى غزة وحتى حرب 1973، وقدرت وزارة المالية تلك الكلفة في وقت سابق بنحو 200 مليار شيكل، أي 51 مليار دولار.
ويقول تحليل بمجلة "ذا إيكونومست" البريطانية إن حرب لبنان التي استمرت لمدة شهر في منتصف عام 2006 كلفت حوالي 9.5 مليارات شيكل (مليارا دولار في ذلك الوقت)، أو (نحو 1.3% من الناتج المحلي الإجمالي)، في حين أن الحرب الأخيرة على غزة في عام 2014 كلفت إسرائيل 7 مليارات شيكل (نحو 0.6% من الناتج المحلي الإجمالي).
من جانبه، يعتقد بنك إسرائيل (المركزي) أن هذه الحرب سترفع العجز الحكومي إلى 3% من الناتج المحلي الإجمالي في العام المقبل، مقارنة بفائض بنسبة 0.6% في عام 2022.
وهنالك خبراء يرون أن هذه الحرب سترفع العجز بالميزانية الإسرائيلية فوق 5%. وقد أدت تعبئة 360 ألف جندي احتياط إلى ترك قطاعات من الاقتصاد الإسرائيلي تعاني من نقص حاد في العمالة، خاصة قطاع التقنية، الذي يعد من الركائز الرئيسية لنمو الاقتصاد الإسرائيلي، ومثله قطاعات التجارة والتجزئة والخدمات.
وفي هذا الصدد، وحسب تحليل للكاتب ديفيد بروديت في نشرة "غلوبس" المالية، فإن ثلاثة أسابيع من الحرب كلفت إسرائيل 8 مليارات شيكل رواتب ومستلزمات غذائية لنحو 360 ألف جندي احتياط بالجيش الإسرائيلي.
وبحسب بروديت، فإن الإنفاق المدني الإضافي للحكومة بلغ حوالي 4 مليارات شيكل خلال هذه الأسابيع، بما في ذلك الإسكان لـ125 ألف شخص تم إجلاؤهم، ودفع التعويضات والترتيبات للمتضررين مالياً، والإنفاق الخاص على الصحة والرعاية الاجتماعية والتعليم.
ويقدر الكاتب في نشرة "غلوبس" أن تصل الكلفة العسكرية للحرب إلى قرابة 20 مليار شيكل أخرى في شهر نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، بينما تصل الكلفة المدنية من تعويضات وإيواء نحو 13 مليار شيكل. ويقدر أن يبلغ الإنفاق الحكومي بين 7 أكتوبر/تشرين الأول الذي نفذت فيه عملية "طوفان الأقصى" و31 ديسمبر/كانون الأول المقبل نحو 45 مليار شيكل.
ويقول بروديت إنه "بافتراض أن الحكومة حولت حوالي 12 مليار شيكل لتمويل هذا الإنفاق من الموازنات القائمة (بما في ذلك مخصصات حزب الائتلاف)، وأن الضرر على إيرادات الدولة سيكون حوالي 10 مليارات شيكل، فإن العجز المالي سينمو بنحو 42 مليار شيكل، أي ما يعادل 2% من الناتج المحلي الإجمالي، ليصل إلى 3.5% من الناتج المحلي، دون أي عمليات عسكرية في الشمال. وتعول الحكومة في تمويل الحرب على ثلاثة مصادر رئيسية، وهي بيع السندات الحكومية والمساعدات الأميركية والتمويل عبر زيادة العجز الحكومي.
المساعدات الأميركية
على صعيد المساعدات المالية التي وعدت بها إدارة الرئيس جو بايدن والبالغة 14.3 مليار دولار، لا يزال الكونغرس الأميركي بعيداً عن التوصل إلى اتفاق على هذه المساعدات ويعمل حالياً على تجنب إغلاق الحكومة الوشيك وتمرير طلب بايدن لمساعدات بقيمة 106 مليارات دولار لأوكرانيا وإسرائيل. وتهدد المعارضة الشرسة للبيت الأبيض بزيادة عجز الميزانية بتقويض تمرير هذه المساعدات.
ومع بقاء أقل من أسبوع قبل الموعد النهائي، يوم الجمعة المقبل، لتمرير مشروع قانون الإنفاق أو إغلاق المكاتب والعمليات الفيدرالية، ليس لدى الجمهوريين والديمقراطيين حتى الآن طريق واضح للتوصل إلى حل وسط، وتمرير المساعدات التي وعد بايدن بها إسرائيل. ويلاحظ أن حدة المظاهرات الشعبية وكثافتها في أميركا ضد الحرب القذرة على غزة باتت تهدد مستقبل إعادة ترشيح العديد من أعضاء الكونغرس الموالين لإسرائيل، خاصة أن البنتاغون حذر هذا الأسبوع من أنه مضطر إلى "تقليص" دعمه لكييف، بعد استنفاد 95% من أمواله المخصصة لأوكرانيا.
في هذا الصدد، قالت نائبة السكرتير الصحافي لوزارة الدفاع سابرينا سينغ للصحافيين، يوم الخميس الماضي: "سنواصل طرح الحزم، إنها أصبحت أصغر". كما أن هنالك اعتراضات على تمويل إسرائيل من بعض الأعضاء. وعندما سئل المتحدث باسم مجلس الأمن القومي جون كيربي عن عمليات الجيش الإسرائيلي في غزة، قال إن هنالك اعتقادا بأن الحرب قد تتحول إلى مستنقع مدمر، وبالتالي لا يمكن الدفاع عنها، وسط الاحتجاجات الشعبية من قبل الناخبين ضدها.
وفي هذا الصدد أيضاً، أظهر استطلاع للرأي أجرته وكالة أسوشييتد برس أن 58% من الديمقراطيين يعتقدون أن رد فعل إسرائيل على عملية "طوفان الأقصى" ذهب إلى أبعد من اللازم، كما يعتقد 44% من الناخبين أن أميركا تدعم الحرب أكثر من اللازم. ووجد استطلاع آخر للناخبين المسجلين أن 51% من المستقلين و66% من الأشخاص الذين تراوح أعمارهم بين 18 و34 عاماً لا يوافقون على سياسة بايدن تجاه الحرب الإسرائيلية على غزة.
أما على صعيد تمويل الحرب عبر طرح السندات الحكومية في أسواق المال العالمية، فإن المستثمرين يواصلون الهروب من الأصول الإسرائيلية بسبب الحرب وتداعياتها المجهولة لدى أصحاب الأموال والصناديق. وحتى الآن ارتفع العائد على السندات الإسرائيلية مقترباً من 4.5%.
ويرى كبير محللي الدخل الثابت في بنك لئومي ديفيد رزنيك أن "حالة عدم اليقين الناجمة عن الحرب كبيرة جداً، وسيتعين على بنك إسرائيل أن يزن المخاطر على فترات قصيرة"، أي أنه يعمل على تغيير سعر الفائدة في فترات قصيرة بدلاً من المدد الطويلة.
وحسب تحليل في صحيفة غلوبس الإسرائيلية، فقد ارتفعت العائدات على سندات الحكومة الإسرائيلية لأجل عشر سنوات إلى 4.4%، في نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي مقابل 4% قبل اندلاع الحرب.
وعلى صعيد تمويل الحرب الإسرائيلية عبر الاستدانة الداخلية وتعميق العجز في الموازنة الإسرائيلية، فهنالك مخاوف من أن يقود تفاقم العجز إلى تدهور سعر صرف الشيكل الإسرائيلي الذي شهد خلال الأسبوع تحسناً ضئيلاً وسط ضخ الدولارات المكثف في سوق الصرف من قبل البنك المركزي والبالغ 45 مليار دولار حتى الآن.
وقد أدى ضخ الأموال إلى تراجع احتياط النقد الأجنبي بالبنك المركزي الإسرائيلي إلى نحو 192.8 مليار دولار بتراجع يزيد عن 7.3 مليارات دولار، حسب بيانات رسمية صدرت قبل أسبوع.