عقب جولات مكثفة من الحوارات بين مصنعي الإسمنت والحكومة المصرية، ممثلة في وزارة التجارة والصناعة، اتفق الجميع على أن المشكلة الرئيسية تكمن في زيادة الإنتاج عن حاجة السوق بحوالي 40 مليون طن، إذ إن الطاقة الإنتاجية تبلغ 83 مليون طن، فيما تراجع الاستهلاك إلى نحو 43 مليون طن سنوياً.
وتم وضع مقترح بتوجيه حكومي بضرورة وضع حد أقصى للطاقة الإنتاجية لا تتعدى 65 في المائة من الكميات المصرح بها طبقًا للسجل الصناعي لكل مصنع، وهو ما يعني توقف نحو 16 خط إنتاج من إجمالي 47 خطًا، وتشريد حوالى 15 ألف عامل، إذ إن حجم العمالة في شركات الإسمنت يصل إلى 50 ألف عامل، طبقًا لبيانات شعبة الإسمنت باتحاد الصناعات المصرية نهاية 2018.
وحذرت شعبة الإسمنت في اجتماعها مع وزيرة التجارة والصناعة نهاية الشهر الماضي من أن تأزم الوضع الراهن دون تدخل الحكومة سيدفع بالمزيد من خروج الاستثمارات من هذه القطاع.
ويرى خبراء صناعة الإسمنت في مصر أن السبب الرئيسي لتفاقم الأزمة في الوقت الراهن هو زيادة الكميات المنتجة عن حاجة السوق بحوالي 40 مليون طن سنويًا، بسبب السماح بالترخيص لإنشاء شركات جديدة دون دراسة جدوى واقعية للأسواق خلال الخمس سنوات الماضية.
وأشاروا إلى أنه في عام 2016 رخصت هيئة التنمية الصناعية لثلاث شركات جديدة، رغم وجود فائض عن حاجة السوق يقدر حينها بحوالي 18 مليون طن، وفي عام 2018، دخل مصنع بني سويف التابع للجيش دائرة الإنتاج بطاقة تقدر بـ 13 مليون طن سنويًاً.
وتوقع محمد صالح، الخبير في صناعة وتسويق الإسمنت، في وقت سابق لـ"العربي الجديد" خروج حوالي 4 شركات إسمنت تنتج حوالي 6 ملايين طن سنويًا من دائرة الإنتاج مطلع 2021، بعد سلسلة من الخسائر، نتيجة تراجع الطلب على الإسمنت بمعدلات وصلت إلى 60 في المائة، لأول مرة في تاريخ صناعة الإسمنت في مصر.
وأشار إلى أن إحدى هذه الشركات الاستثمارية توقفت فعلًا عن الإنتاج واحتمال الإعلان عن غلقها خلال الشهرين المقبلين، إذ وصلت ديونها للبنوك إلى 1.5 مليار جنيه، بالإضافة إلى 147 مليون جنيه لشركات المناجم.
وبيّن صالح أن المقترح الذي تتم دراسته بوضع حد أعلى لإنتاج كل شركة، وإن كان سيخفض الإنتاج ويخلق نوعاً من التوازن بين العرض والطلب في السوق، إلا أن نتيجته ستكون تشريد الآلاف من العمال، لتقليل نفقات الإنتاج.
وحذر سولومون بومجارتنر أفيليس، الرئيس التنفيذي لشركة "لافارج مصر"، من خطورة أوضاع قطاع الإسمنت في مصر ووصفه بأنه "على حافة الهاوية".
وتوقع في مؤتمر صحافي خروج 5 أو 6 شركات عاملة بالقطاع في مصر بحلول العام المقبل 2021، نتيجة وجود فائض كبير في الإنتاج، يعادل حوالي 40 في المائة من الطاقة الإنتاجية للقطاع في السوق المحلي.
وكشفت بعض الشركات في بيانات مرسلة للبورصة المصرية عن تحقيق خسائر خلال النصف الأول من 2020، إذ حققت "العربية للإسمنت" خسائر بنحو 5.6 ملايين جنيه مقارنة بربحية 25.4 مليون جنيه، وسجلت "إسمنت سيناء" خسائر بقيمة 245.6 مليون جنيه مقارنة بـ 186.3 مليون جنيه بالفترة المماثلة من 2019.
وأفصحت شركة جنوب الوادي عن تسجيل خسائر 41.3 مليون جنيه، خلال الربع الأول من 2020 مقابل 38.4 مليون جنيه بالفترة المقابلة من العام الماضي. وكانت شركة جنوب الوادي للإسمنت قد أعلنت في نهاية 2019 وقف تنفيذ إنشاء الخط الثاني، بمصنع الشركة في بني سويف، مطالبة وزارة الاستثمار برد 160 مليون جنيه؛ قيمة الرخصة.
وعلقت شركة إسمنت طرة، التابعة لشركة هايدلبرغ الألمانية للإسمنت، الإنتاج بسبب أزمة مالية ناجمة عن تخمة المعروض في السوق المحلية، موضحة في رسالة للعمال والموظفين أنها تدرس تصفية أعمالها، بعد وصول الديون إلى 800 مليون جنيه مصري.
وكشفت شركة النهضة للإسمنت بقنا في وقت سابق توقف الخط الرئيسي للإنتاج (توقف جزئي)، بسبب زيادة المعروض وتراجع الطلب، ما أنتج ضعف السيولة النقدية في الشركة، وزيادة مخزون "الكلينكر" المنتج، ما يُعدّ أمولااً معطلة، بحسب بيان الشركة.