تحوّل لبنان في صيف 2022 إلى "وطن السائحين وحملة الدولار فقط" نسبةً إلى الغلاء الفاحش والتسعير بالعملة الخضراء بعدما "شرعته" وزارة السياحة، وفرض غالبية المطاعم والملاهي "تسعيرة أدنى للفاتورة لا تقل عن 500 ألف ليرة للشخص الواحد.
لكن الموسم أصبح في المقابل بمثابة طوق نجاة خصوصاً للشباب اللبناني ومصدراً أساسياً للتوظيف علماً أن المفارقة هذا العام تمثلت في "البقشيش" (الإكرامية) الذي عوَّض "تقنين الرواتب".
يقول الطالب الجامعي روني إنه ينتظر موسم الصيف ليعمل في المطاعم والملاهي حتى يتمكّن من تأمين قسط الجامعة.
ويلفت إلى أن راتبه الشهري لا يتجاوز 4 ملايين ليرة (حوالي 137 دولارا مع احتساب سعر الصرف على 30 ألف تقريباً) في المطعم حيث يعمل اليوم في بيروت، كنادلٍ علماً أن أسعاره بالدولار، لكنه يعتمد على البقشيش، الذي لم يأخذ مثله سابقاً، إذ يمكن أن يصل في الليلة إلى مليون ليرة إذا كان المطعم مزدحماً ورواده عرب أو لبنانيون مغتربون.
بدوره، يشير المواطن رالف الذي يعمل منذ الساعة السابعة صباحاً وحتى السادسة مساءً منقذاً "لايف غارد" في أحد المسابح الخاصة في جونيه (شمال بيروت)، ومن ثم في أحد الملاهي الليلية في المنطقة إلى أنه يعتمد في عمله الأول على الراتب الذي يحصل عليه بالدولار ويبلغ 200$ علماً أنه كان يتقاضى قبل الأزمة ألف دولار.
ويعمل رالف، حاليا، نادلاً في ملهى يقيم السهرات على الشاطئ في الصيف، يتقاضى شهرياً 5 ملايين ليرة، لكنه يعتمد أيضاً على البقشيش، الذي يصل يومي الجمعة والسبت أحياناً إلى 3 ملايين ليرة في الليلة الواحدة. أما "السيئ" في العمل الموسمي، فهو أنه خالٍ من الحماية الاجتماعية، لا ضمان ولا تأمين ويمكن أن يطرد في أي لحظة من عمله لأي خطأ يرتكبه، يقول رالف، لأن "الزبون أهم من العامل".
كذلك، يعدّ موسم الصيف، الذي "روّجت له كثيراً وزارة السياحة مطلقة حملة أهلا بهالطلّة"، مصدراً أساسياً لسائقي سيارات الأجرة و"الترند الجديدة" المعروفة بـ"التوك توك"، وللباعة الجوالة على الشواطئ العامة والشوارع التي تشهد نشاطات ترفيهية ليلية والمناطق حيث تقام المهرجانات، وكذلك "تجار البسطة".
وتغصّ هذه الأماكن بباعة الورود، وغزل البنات وعرانيص الذرة، والبوالين، الذين ينتظرون الصيف حتى يعتاشوا وهم أيضاً طاولهم "كرم الزوّار"، إذ يقول أبو جورج الذي يبيع الورد في شارع جونيه الممتلئ بالملاهي الخارجية ويزور طاولات الزبائن: "هذه المرة الأولى التي أجني فيها هذا الكمّ من المال. أنا لا أسعّر الورد بل أترك للزبون أن يعطيني ما يريد، كان يُدفع لي 5 آلاف ليرة أو 10 آلاف بالكثير، أما اليوم فهناك من يعطيني 50 ألفا و100 ألف و200 ألف على الوردة الواحدة، منهم عراقيون ومصريون ولبنانيون أكيد أنهم مغتربون".
وتنشط في لبنان المهن الصيفية خصوصاً المرتبطة بالشواطئ، والمسابح الخاصة، والملاهي الليلية وتلك التي تعدّ بخانة "الروف توب" وبيوت الضيافة، والفنادق والشاليهات التي تغصّ بالزبائن ومنها محجوزة بالكامل حتى نهاية سبتمبر/أيلول المقبل، وقد شهد هذا العام رغم الأزمة افتتاح مؤسسات سياحية جديدة ساهمت أيضاً في رفع فرص العمل خصوصاً للفئات الشابة وطلاب الجامعات.
يصف الأمين العام لاتحاد المؤسسات السياحية في لبنان جان بيروتي موسم صيف 2022 بـ"الممتاز" بحيث من المتوقع أن تصل أعداد الوافدين إلى البلاد حتى أواخر أغسطس/آب الجاري بحدود مليون و200 ألف سائح، لافتاً في حديثه مع "العربي الجديد" إلى أن المدخول من مايو/أيار الماضي وحتى اليوم بلغ تقريباً 3 مليارات دولار أميركي.
ويشير بيروتي إلى أن القطاع السياحي خسر أكثر من 40 ألف موظف بسبب الأزمة الاقتصادية وقد غادروا للعمل في الخارج، ولكننا تمكنا من استقدام أعداد جديدة، وهناك حوالي 200 ألف موظف ضمن خانة الموسميين وغير الموسميين يحيون هذا القطاع ويعتاشون منه.
ويلفت إلى أن مستوى الدخل هذا العام هو الأقل مقارنة مع ما قبل 2019، بحيث إن الرواتب عُدّلت، وبات الموظف يحصل على قيمة أقلّ بنسبة تصل إلى 50 في المائة بفعل الانهيار لكن ما اختلف هو "البقشيش" الذي بات يشكل عاملاً مؤثراً للموظف يفوق دخله في بعض الأحيان وخصوصاً الذي يحصل عليه من المغتربين وحملة الدولار.
من جهته، يقول نائب رئيس نقابة أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي والباتسري خالد نزهة لـ"العربي الجديد" إنّ "القطاع السياحي قبل الأزمة الاقتصادية، كان يشغّل حوالي 160 ألف لبناني من المسجّلين في الضمان الاجتماعي، وبين 40 و45 ألف يندرجون في خانة الموسميين".
ويردف أنه "بفعل الأحداث، سياسياً، اقتصادياً وصحياً مع إقفال البلاد بسبب كورونا، وانفجار مرفأ بيروت، هاجرت أعداد كبيرة من الموظفين والعاملين في القطاع السياحي، ولا سيما أن المطاعم التي لديها فروع في الخارج وتحتاج الخبرات اللبنانية عرضت عليهم العمل وبرواتب أقل من التي عادة ما يأخذونها أو يمنحونها للعاملين في الخارج، وذلك ربطاً بالأزمة في لبنان التي دفعت هؤلاء للقبول بالعمل بكل حالاته، عدا عن الأشخاص الذين خسروا وظائفهم بفعل الدمار الذي لحق بالمطاعم في محيط بيروت والمناطق الأكثر ضرراً.
يعدّ موسم الصيف، الذي "روّجت له كثيراً وزارة السياحة مطلقة حملة أهلا بهالطلّة"، مصدراً أساسياً لسائقي سيارات الأجرة و"الترند الجديدة" المعروفة بـ"التوك توك"، وللباعة الجوالة على الشواطئ العامة
ويشير نزهة إلى أن الإقبال الكثيف على لبنان من دول عربية خصوصاً العراق والأردن ومصر، ومن المغتربين، حرّك سوق العمل، كما عاد البعض واستفاد من العمل مع إعادة فتح المطاعم التي تضرّرت في بيروت.
في المقابل، ورغم ازدياد فرص العمل، إلا أن القطاع السياحي شهد أيضاً نقصاً في اليد العاملة، ويمكن ملاحظة أن الكثير من المطاعم التي تغصّ بالزبائن تعاني من نقص في العمّال وتكون عاجزة عن تلبية الطلبات بالسرعة المطلوبة، ومنهم لجأ إلى توظيف عمّال من جنسيات غير لبنانية.
من ناحية ثانية، يقول نزهة إن الموسم كان ممتازاً، علماً أن فاتورة الكلفة التشغيلية مرتفعة جداً، إذ بين 33 و35 في المائة منها تذهب لشراء المازوت، لتأمين الكهرباء عدا عن التكاليف الأخرى التي تسعَّر بالدولار كلها، فلبنان بات للأسف مدولراً، لكنه ينوه بقدرة المؤسسات على تحدي الصعوبات والحفاظ على جودة خدماتها وتالياً مكانة لبنان على الخارطة السياحية.
ولا يخفي نزهة تخوفه من فترة ما بعد انتهاء الموسم السياحي في سبتمبر المقبل عندما يغادر السياح والمغتربون، بحيث إن 5 إلى 7 في المائة فقط من الناس تتقاضى الدولار أو يأتيها عملة صعبة بينما من يتقاضى العملة الوطنية حالته مزرية وأولوياته لتأمين الدواء والطعام والأقساط.
ويقول صاحب مطعم في بيروت: "بقيتُ شهرين وأنا أبحث عن شيف للمطبخ، ومن الصعوبات التي واجهتها، إما طلب الشخص راتبا عاليا يفوق الـ10 ملايين ليرة في الشهر أو يشترط الحصول على مرتب بالدولار، أو طلبه رفع بدلات النقل اليومية، لأن البنزين بات يكلف أكثر من الراتب وهذا من أبرز العوائق التي عانيت منها لإيجاد العمّال وما زلت أعاني من نقص كبير". ويشير صاحب المطعم إلى أنه لا يمكنه رفع رواتب الموظفين رغم أنه زاد أسعاره، إذ إنه يعاني كثيراً من أزمة الكهرباء وارتفاع فاتورة الاشتراك (المولد الخاص) التي بات يدفعها بالدولار.
وبتاريخ 12 مايو/أيار 2022، أصدرت إدارة الإحصاء المركزي في لبنان ومنظمة العمل الدولية نتائج مسح جديد للقوى العاملة في لبنان، تشير إلى أن معدل البطالة ارتفع من 11.4 في المائة في فترة 2018 – 2019 إلى 29.6 في المائة في كانون الثاني/يناير الماضي. وتبعاً لنتائج المسح، فإنّ العمالة غير المنظمة أي التي لا تغطيها بشكل كافٍ الترتيبات الرسمية والنظم للحماية تمثل الآن أكثر من 60 في المائة من مجموع العمالة في لبنان.