لم تؤد سياسة الضغط التي تمارسها منظمة العمال في تونس، على شركات القطاع الخاص، إلى أية نتيجة إلى الآن، حيث تتمسك منظمة أصحاب الأعمال بعدم فتح مفاوضات جديدة للزيادة في رواتب نحو مليون ونصف المليون من التونسيين العاملين في القطاع الخاص، متعللة بصعوبة الظرف الاقتصادي، وعدم تمكن أغلب القطاعات من صرف الزيادات السابقة (زيادات 2014).
ويتوقع المراقبون للشأن العام أن تؤدي لعبة ليّ الذراع بين الاتحاد العام التونسي للشغل واتحاد الصناعة والتجارة، دخول البلاد في فوضى إضرابات جديدة في القطاع الخاص، قد تطاول قطاعات حيوية تشل الاقتصاد المتعب.
وشهد الأسبوع الماضي إضرابا لسائقي النقل في القطاع الخاص أدى إلى شلل الحركة التجارية وتهافت كبير على المحروقات، خوفا من انقطاع التزويد، وهو ما جعل الأجهزة الحكومية تتدخل لإقناع النقابات بترحيل الإضراب إلى 7 و8 و9 أكتوبر/تشرين الأول الجاري.
وقال الأمين العام المساعد المكلف بالقطاع الخاص في الاتحاد العام التونسي للشغل، بلقاسم العياري، إن المفاوضات الاجتماعية بخصوص الزيادة في الأجور بالقطاع الخاص متوقفة، وإن هناك تباطؤاً في هذا الشأن، محمّلاً الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية المسؤولية.
وأضاف العياري، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن منظمة العمال تصر على زيادة رواتب العاملين في القطاع الخاص، مشيرا إلى التدهور الكبير في القدرة الشرائية لهؤلاء العمال نتيجة الارتفاع المتواصل في الأسعار.
ولم يستبعد عضو منظمة الشغالين أن تصعّد المنظمة مواقفها في الأيام القريبة، ملوحاً بتنفيذ إضراب عام وصفه بالتاريخي إذا استمرت سياسة المماطلة.
وبالإضافة إلى المطالبة بالزيادة في رواتب 1.5 مليون تونسي يعملون في القطاع، دعا الاتحاد العام التونسي للشغل إلى مراجعة الجوانب الترتيبية للاتفاقيات القطاعية المشتركة ومراجعة قوانين الشغل وملاءمتها مع التشريع الدولي ومع الاتفاقيات الدولية المصادق عليها من قبل الحكومة التونسية، وبمراجعة الاتفاقية الإطارية المشتركة. كما تطالب منظمة العمال بزيادة الأجر الأدنى الصناعي والأجر الأدنى الزراعي.
وبالرغم من إصرار منظمة العمال على الزيادة في أجور العمال التي تراها خطا أحمر، يرفض اتحاد الصناعة والتجارة الخضوع لما اعتبره مطالب مجحفة للنقابات، متعللا بصعوبة الظرف الاقتصادي، وعجز العديد من القطاعات الخاصة عن صرف الزيادات المتفق عليها السنة الماضية.
وانتقد الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية (منظمة الأعراف)، في بيان أصدره السبت الماضي، تصريحات مسؤولي الاتحاد العام التونسي للشغل بشأن الإضراب العام، واصفا هذه التصريحات بالخطيرة وغير المسؤولة، معربا عن تمسكه بالحوار ومواصلة النقاشات في شأن الزيادات.
ويرى عضو منظمة رجال الأعمال، هشام اللومي، أن التصريحات غير المسؤولة قد تستدرج المنظمتين (العمال والأعراف) إلى التصادم والقطيعة وتوتير الأجواء.
وأشار اللومي إلى أن الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية قدم مقترحات واقعية بشأن الزيادة في الأجور، ولم يسع إلى المماطلة، كما تدّعى منظمة الشغالين، وفق تصريحه لـ"العربي الجديد".
اقرأ أيضاً: تصعيد جديد بين نقابات العمال ورجال الأعمال في تونس
ولفت عضو اتحاد رجال الأعمال إلى أن منظمته اقترحت إدراج عنصر التضخم في مفاوضات الأجور إلى جانب عنصري الإنتاجية والنمو؛ سعيا لتحقيق التوازن بين الجانبين الاقتصادي والاجتماعي، مشددا على ضرورة أن تكون الزيادات في الأجور مدروسة، وأن يواكب الإنتاج هذه الزيادات.
وبين اللومي، أن اللجوء إلى الإضرابات سيعكر المناخ الاستثماري العام، وسيفاقم الصعوبات الاقتصادية، معتبرا أنه من غير المنطقي أن يطالب العمال بالزيادة وعجلة الإنتاج شبه متوقفة في العديد من القطاعات.
واشترطت منظمة رجال الأعمال في مبادرة إنعاش الاقتصاد التي قدمتها للحكومة، في يوليو/تموز الماضي، تعليق الإضرابات والصد عن العمل، لمدة سنة كاملة.
ويرى الخبير الاقتصادي معز الجودي، أن الإضرابات من الأسباب الرئيسية التي ساهمت في دخول البلاد مرحلة الانكماش الاقتصادي، نتيجة تراجع الإنتاجية وتدهور مناخ الاستثمار، معتبرا أن "الوضع الاقتصادي يتجه نحو الحضيض ما لم تمسك جميع الأطراف بزمام الأمور لإعادة عجلة الاقتصاد للدوران"، حسب تصريحه لـ"العربي الجديد".
وسجلت نسبة الإضرابات في القطاع الخاص العام الجاري تراجعا بـ33% مقارنة بالسنة الماضية، غير أن منظمة رجال الأعمال تعتبر أن هذه النسبة غير كافية.
وتشهد تونس على امتداد الأشهر الأخيرة موجة من الاحتجاجات العمالية في القطاع العمومي كما في القطاع الخاص، بسبب مطالب العمال بالزيادة في الرواتب، تماشيا مع ارتفاع كلفة المعيشة.
وتمكن اتحاد الشغل من الضغط على الحكومة بالموافقة على زيادة أجور موظفي الدولة، فيما تزال المفاوضات مع القطاع الخاص متعسرة، بسبب رفض اتحاد الصناعة والتجارة الخضوع لمطالب العمال، متعللا بصعوبة الظرف الاقتصادي، وعجز العديد من القطاعات الخاصة عن صرف الزيادات المتفق عليها السنة الماضية.
وأدت الإضرابات والاحتجاجات الاجتماعية إلى غلق المؤسسات، مما أدى إلى توقف العمل لمدة أشهر في المصانع الكيمائية ومعامل الإسمنت والفوسفات في الحوض المنجمي، وهو ما جعل البلاد تخسر نحو 3.5% من الناتج المحلي الإجمالي بين 2011 و2013 بمعدل 1.2% سنويا، وهو ما يعادل حوالى 3 مليارات دينار (1.7 مليار دولار) وهي تقريبا نفس قيمة القرض الائتماني الذي حصلت عليه تونس من صندوق النقد الدولي.
ويأتي قطاع الخدمات في صدارة القطاعات التي شهدت إضرابات في القطاع الخاص، تليها قطاعات النقل والزراعة والمناجم، وتتعلق الاحتجاجات الاجتماعية بالمطالبة بصرف الأجور وتحسين ظروف العمل.
اقرأ أيضاً: القطاع الخاص التونسي يهدد بالإضراب.. ويدعو إلى اجتماع للتباحث