ما إن يتردد حالياً اسم العراق حتى تتوارد سريعاً للذهن كلمات من عينة الفساد المالي وتهريب الحكام المتعاقبين على حكم البلاد لمليارات الدولارات منذ الاحتلال الأميركي لبغداد في العام 2003، وكذا كلمات الطائفية والملشيات و"داعش" والتبعية المطلقة للنظام الإيراني.
ومع محاولة البعض سلخ العراق، مهد الحضارات الإنسانية والتراث الإسلامي، عن أمتها العربية يشعر كل عربي غيور على وطنه العربي الكبير أن نزيفا يدمي من قلبه ولا يتوقف، وأن خنجراً يضرب سويداء القلب حزنا على ما يجري لبلد كانت لقرون طويلة وعبر التاريخ حامية العرب من ناحية الشرق وعاصمة الخلافة الإسلامية.
العراق الذي كان لديه ثاني أكبر جيش عربي بعد مصر بات الآن مقراً لداعش وغيرها من الميلشيات المسلحة التي باتت تبتز الجميع بداية من الدولة والحكومة، ونهاية بالشركات الأجنبية العاملة في البلاد والمواطن.
والعراق الذي كان فخراً لكل عربي، بات الآن مرتعا لأكبر عمليات فساد منظمة في المنطقة، ويكفي أن نشير هنا إلى ما ذكرته منظمة الشفافية العالمية في يوليو/تموز الماضي، من أن العراق خسر خلال سنوات حكم نوري المالكي 1000 مليار دولار، كان نصيب الفساد منها لوحده، 100 مليار دولار، ودفع الفساد اقتصادها إلى حافة الانهيار، ونقل الطبقة المتوسطة والفقيرة إلى حافة الفقر المدقع.
هل تبقى من العراق شيء؟ وهل هناك ما يمكن أن نطلق عليه الاقتصاد العراقي رغم أن البلاد تصنف على أنها واحدة من الدول الكبرى المنتجة للنفط؟
آخر الأمور المحزنة الخارجة من العراق هي خضوعه لوصاية صندوق النقد الدولي، وكأننا عدنا للقرون الماضية حيث وصاية الدول الكبرى على دول المنطقة، فقبل أيام أعلنت وزارة المالية العراقية، اتفاقها مع صندوق النقد على مراقبة الصندوق للسياسات المالية والاقتصادية للبلاد.
كما وافقت الحكومة العراقية على مراقبة الصندوق سياسات بغداد الاقتصادية ومساعدتها في خفض الإنفاق وتقليص عجز الموازنة.
بل إن مدير إدارة الشرق الأوسط في صندوق النقد الدولي، مسعود أحمد، صرح قبل أيام بأن الصندوق قارب على وضع اللمسات الأخيرة لمراقبة اقتصاد العراق.
إذن اقتصاد العراق بات تحت وصاية صندوق النقد الدولي، ولا أظن أن الصندوق سيعمل لصالح الموطن العراقي الفقير، ولا أظنه كذلك سيعمل لصالح الاقتصاد العراقي أصلاً.
ما يهم الصندوق هو ألا يكون هناك عجز في الموازنة العامة للدولة، وأن تكون الحكومة قادرة على سداد الديون الخارجية المستحقة للصندوق وغيرها من كبار الدائنين، ولذا فإن نصيحة الصندوق الدائمة للحكومات هي زيادة الضرائب والرسوم والأسعار وتخفيض العملة الوطنية وخفض الدعم المقدم للوقود خاصة المشتقات النفطية التي تستهلكها الغالبية العظمى من المواطنين، ولا أظن أن كل هذه الخطوات ستصب في صالح فقراء العراق الذين باتوا يمثلون أغلبية دولة كانت في يوم ما حلماً للملايين المتطلعين للعمل بها.
اقرأ أيضا: مليشيات العراق تبتز الشركات الأجنبية