لا تخلو دراسة أو تقرير معني بتقويم الأوضاع الاقتصادية في منطقة الخليج، إلا ويشير إلى ضرورة تبني استراتيجية للتنوع الاقتصادية بهذه الدول، لما يعرضها الاعتماد على النفط كسلعة وحيدة إلى كثير من مخاطر تقلبات السوق الدولية، حيث مرت أسواق النفط بأزمات سعرية متكررة منذ الثمانينيات والتسعينيات، وأخيرا أزمة بدأت من منتصف 2014 ومستمرة حتى الآن.
ولكن الواقع يظهر أن تعامل دول الخليج بتوصيات هذه الدراسات والتقارير، لم ينزلها إلى أرض الواقع بالقدر المطلوب، فما زالت اقتصاديات هذه الدول تتأثر بشكل كبير مع كل أزمة يتعرض لها النفط في السوق الدولية.
ومع أزمة انهيار أسعار النفط الحالية، منذ منتصف 2014، تعرضت دول الخليج لأزمات مالية واضحة، تمثلت في عجز الموازنات، واللجوء للاقتراض المحلي، وبعضها يفكر في الاقتراض الخارجي، فضلًا عن السحب من الاحتياطيات الدولية، وتبني برامج تقشفية في الموازنات العامة بتلك الدول، بصورة تصدم توقعات المواطن الخليجي، الذي وجد نفسه أمام إجراءات تتعلق بخفض الدعم على الوقود وغيرها من السلع والخدمات الأساسية.
وحررت الإمارات سعر الوقود بشكل كامل، وفي السعودية تم التحرير بشكل جزئي كمرحلة أولى ويتوقع أن يشهد خطوات قادمة، وكذلك فعلت الكويت بشأن بعض منتجات الوقود، حيث خفضت الدعم الممنوح للكيروسين، وأعلنت قبل أيام عن تخفيضات في دعم البنزين والكيروسين بحلول نهاية مارس/آذار القادم، ورفعت قطر سعر البنزين 30%، وأمتد تخفيض الدعم للسلع الغذائية في سلطنة عمان، وأدت الإجراءات المصاحبة للموازنة العامة للسعودية في عام 2016، لموجة من ارتفاع أسعار العديد من السلع والخدمات، كما رفعت البحرين سعر الوقود وسلع أخرى.
وحسب تقدير صندوق النقد الدولي في تقرير عن الأوضاع الاقتصادية في الخليج، والمنشور في نوفمبر/تشرين الثاني 2015، فسوف يبلغ العجز 12.7% من إجمالي الناتج المحلي لدول الخليج، ويتراجع معدل النمو من 3.4% في عام 2014 إلى 3.2% في 2015، ثم يتزايد تراجع النمو الاقتصادي إلى 2.7% في 2016.
وإن كانت توصيات صندوق النقد تدعو للتنوع الاقتصادي بدول الخليج لمواجهة تراجع الإيرادات النفطية، إلا أنها لم تنص على ذلك صراحة، ولكنها أشارت إلى أهمية زيادة العوائد الضريبية من الأنشطة غير النفطية، والتحول من القطاع العام للقطاع الخاص.
ويخشى من تطبيق وصفة صندوق النقد الدولي ألّا تؤدي إلى تنوع اقتصادي، حتى ولو نتج عنها المساهمة في الخلل المالي بالموازنات العامة لدول الخليج.
عوائق أمام التنوع
تجربة الدول الصاعدة، بها كثيرٌ من الدروس المستفادة في قضية التنوع الاقتصادي، فماليزيا مثلًا، كان اقتصادها قائماً على تصدير المطاط والأرز، ثم تحولت فيما بعد لمنظومة كبيرة لمساهمة النشاطات الاقتصادية، فكان هناك توظيف لنشاط السياحة، والزراعة وصيد الأسماك، والإنتاج الصناعي، وتجارة الخدمات، وإنتاج تكنولوجيا المعلومات.
ويتجلى وجود تفاوت بين مساهمة كل قطاع وآخر، وليس بالضرورة لكي يتحقق التنوع الاقتصادي أن تكون القطاعات على قدم المساواة في العطاء للناتج المحلي، ولكن أن يكون هناك حسن استغلال للفرصة في توظيف الموارد المحلية، أو الأجنبية بما يؤدي إلى فتح مجال جديد يستوعب رؤوس أموال وعمالة، وينشط حركة التجارة، ويفعل القطاع المصرفي، فيساعد ذلك على تلافي الوقوع تحت مخاوف أو تقلبات قطاع أو سلعة بعينها سواء لاعتبارات محلية أو دولية.
ما يشير إلى أسباب عدم نجاح الدعوات والتوصيات المتكررة لدول الخليج من الخبراء والمؤسسات الدولية، بأهمية التنوع الاقتصادي والتي يحصرها مراقبون في ثلاثة عوامل.
شيوع النموذج الريعي
سيطر النموذج الريعي بشكل كبير على متخذي القرار وكافة الفاعلين في مجتمع الأعمال الخليجي، فبدلًا من التوجه للبناء لنموذج يعظم من مساهمة الإنتاج، من حيث الكم والكيف، تركزت التجربة الخليجية في الاتجاه نحو النشاط العقاري والسياحي، وحتى تلك القطاعات لم تعكس بيئة المنطقة ولا إمكانياتها ومواردها الطبيعية.
اقرأ أيضا: دافوس: تواصل انهيار النفط مكلف ودول قليلة ستواصل الإنتاج
يقول خبراء محليون إن الاستثمار في قطاعات السياحة والعقار في دول الخليج لو كان راعى البيئة الخليجية بشكل أساسي لكان أكثر جذباً، وأكثر انتشاراً على مساحات واسعة بالخليج.
ومن اللافت للنظر، أن التنوع الاستثماري للخليجيين، حكومات وأفراداً، ينحصر في العقارات والبورصات والمشروعات السياحية ذات الطابع السريع من حيث تحقق العائد، وهو ما خلق دائرة تضخمية كبيرة داخل المجتمعات الخليجية، ولا يعد ذلك تنوعاً اقتصادياً، بل هو تنوع تجاري فقط.
عجز المورد البشري
ويمثل عجز المورد البشري من أهم المعوقات لتحقيق تنوع اقتصادي في دول الخليج، ويتمثل هذا العجز في قلة السكان من جانب، ومن جانب آخر عدم ملائمة العنصر البشري من حيث التوعية التنموية لقضية التنوع الاقتصادي، كما أن مخرجات مؤسسات التعليم الخليجية، والدور الاقتصادي والاجتماعي لدول الخليج يكرسان ثقافة النشاط الريعي.
وحتى حينما فكرت دول مثل الإمارات والبحرين في الاستفادة اقتصادياً من وجود العمالة الوافدة، تم اللعب على الأنشطة الريعية، مثل حصول العمالة الوافدة على إقامة لمدة أطول أو مدى الحياة نظير شراء عقار، أو وحدة سكانية في حدود مبلغ مالي معين، وليس التخطيط لتنوع اقتصادي إنتاجي يمنح نفس الميزة في حالة وجّه المغترب أو الوافد أموالاً بقيمة معينة في الإنتاج النوعي المطلوب، أو الذي يمثل حالة عجز أو نقص في تلك البلدان.
وتقف العادات والتقاليد حاجزاً رئيساً أمام مساهمة المرأة في النشاط الاقتصادي، مما يفوت فرصة على إمكانيات الاستفادة من نشاط المرأة الخليجية في تحقيق التنوع الاقتصادي، وحتى مع زيادة مساهمة المرأة في العمل بدولة الإمارات يلاحظ أنه في القطاع الحكومي والخدمي.
ضعف التكامل الإقليمي
ومما ساعد على نجاح تجربة دول الآسيان على الصعيد المحلي، تنامي التعاون الإقليمي، والذي بدأ في عام 1976، وينوي الاتجاه نحو نموذج الاتحاد الأوروبي الآن، ويلاحظ أن حركة السياحة والتبادل التجاري بين دول الآسيان بارزة، فعلى صعيد التبادل التجاري البيني يمثل 25% من إجمالي التجارة الخارجية للدول الأعضاء.
أما دول الخليج، فقد غابت عنها الاستفادة من إمكانيات التعاون الإقليمي عربياً، أو حتى شرق أوسطياً في ضوء التعاون مع تركيا وإيران.
بل إن الدائرة الضيقة لمجلس التعاون الخليجي، فشلت في الترسيخ لتنوع اقتصادي، فالعقل الجمعي الاقتصادي يخرج من مشكاة ريعية واحدة، بناء الأبراج والمراكز التجارية، والمضاربات في البورصة، والاستثمارات الخارجية في نفس المجالات سواء في أوروبا وأميركا أو في غيرها من أقاليم العالم.
اقرأ أيضا: إمبراطورية النفط السعودي: الخصخصة والتحديات
ولكن الواقع يظهر أن تعامل دول الخليج بتوصيات هذه الدراسات والتقارير، لم ينزلها إلى أرض الواقع بالقدر المطلوب، فما زالت اقتصاديات هذه الدول تتأثر بشكل كبير مع كل أزمة يتعرض لها النفط في السوق الدولية.
ومع أزمة انهيار أسعار النفط الحالية، منذ منتصف 2014، تعرضت دول الخليج لأزمات مالية واضحة، تمثلت في عجز الموازنات، واللجوء للاقتراض المحلي، وبعضها يفكر في الاقتراض الخارجي، فضلًا عن السحب من الاحتياطيات الدولية، وتبني برامج تقشفية في الموازنات العامة بتلك الدول، بصورة تصدم توقعات المواطن الخليجي، الذي وجد نفسه أمام إجراءات تتعلق بخفض الدعم على الوقود وغيرها من السلع والخدمات الأساسية.
وحررت الإمارات سعر الوقود بشكل كامل، وفي السعودية تم التحرير بشكل جزئي كمرحلة أولى ويتوقع أن يشهد خطوات قادمة، وكذلك فعلت الكويت بشأن بعض منتجات الوقود، حيث خفضت الدعم الممنوح للكيروسين، وأعلنت قبل أيام عن تخفيضات في دعم البنزين والكيروسين بحلول نهاية مارس/آذار القادم، ورفعت قطر سعر البنزين 30%، وأمتد تخفيض الدعم للسلع الغذائية في سلطنة عمان، وأدت الإجراءات المصاحبة للموازنة العامة للسعودية في عام 2016، لموجة من ارتفاع أسعار العديد من السلع والخدمات، كما رفعت البحرين سعر الوقود وسلع أخرى.
وحسب تقدير صندوق النقد الدولي في تقرير عن الأوضاع الاقتصادية في الخليج، والمنشور في نوفمبر/تشرين الثاني 2015، فسوف يبلغ العجز 12.7% من إجمالي الناتج المحلي لدول الخليج، ويتراجع معدل النمو من 3.4% في عام 2014 إلى 3.2% في 2015، ثم يتزايد تراجع النمو الاقتصادي إلى 2.7% في 2016.
وإن كانت توصيات صندوق النقد تدعو للتنوع الاقتصادي بدول الخليج لمواجهة تراجع الإيرادات النفطية، إلا أنها لم تنص على ذلك صراحة، ولكنها أشارت إلى أهمية زيادة العوائد الضريبية من الأنشطة غير النفطية، والتحول من القطاع العام للقطاع الخاص.
ويخشى من تطبيق وصفة صندوق النقد الدولي ألّا تؤدي إلى تنوع اقتصادي، حتى ولو نتج عنها المساهمة في الخلل المالي بالموازنات العامة لدول الخليج.
عوائق أمام التنوع
تجربة الدول الصاعدة، بها كثيرٌ من الدروس المستفادة في قضية التنوع الاقتصادي، فماليزيا مثلًا، كان اقتصادها قائماً على تصدير المطاط والأرز، ثم تحولت فيما بعد لمنظومة كبيرة لمساهمة النشاطات الاقتصادية، فكان هناك توظيف لنشاط السياحة، والزراعة وصيد الأسماك، والإنتاج الصناعي، وتجارة الخدمات، وإنتاج تكنولوجيا المعلومات.
ويتجلى وجود تفاوت بين مساهمة كل قطاع وآخر، وليس بالضرورة لكي يتحقق التنوع الاقتصادي أن تكون القطاعات على قدم المساواة في العطاء للناتج المحلي، ولكن أن يكون هناك حسن استغلال للفرصة في توظيف الموارد المحلية، أو الأجنبية بما يؤدي إلى فتح مجال جديد يستوعب رؤوس أموال وعمالة، وينشط حركة التجارة، ويفعل القطاع المصرفي، فيساعد ذلك على تلافي الوقوع تحت مخاوف أو تقلبات قطاع أو سلعة بعينها سواء لاعتبارات محلية أو دولية.
ما يشير إلى أسباب عدم نجاح الدعوات والتوصيات المتكررة لدول الخليج من الخبراء والمؤسسات الدولية، بأهمية التنوع الاقتصادي والتي يحصرها مراقبون في ثلاثة عوامل.
شيوع النموذج الريعي
سيطر النموذج الريعي بشكل كبير على متخذي القرار وكافة الفاعلين في مجتمع الأعمال الخليجي، فبدلًا من التوجه للبناء لنموذج يعظم من مساهمة الإنتاج، من حيث الكم والكيف، تركزت التجربة الخليجية في الاتجاه نحو النشاط العقاري والسياحي، وحتى تلك القطاعات لم تعكس بيئة المنطقة ولا إمكانياتها ومواردها الطبيعية.
اقرأ أيضا: دافوس: تواصل انهيار النفط مكلف ودول قليلة ستواصل الإنتاج
يقول خبراء محليون إن الاستثمار في قطاعات السياحة والعقار في دول الخليج لو كان راعى البيئة الخليجية بشكل أساسي لكان أكثر جذباً، وأكثر انتشاراً على مساحات واسعة بالخليج.
ومن اللافت للنظر، أن التنوع الاستثماري للخليجيين، حكومات وأفراداً، ينحصر في العقارات والبورصات والمشروعات السياحية ذات الطابع السريع من حيث تحقق العائد، وهو ما خلق دائرة تضخمية كبيرة داخل المجتمعات الخليجية، ولا يعد ذلك تنوعاً اقتصادياً، بل هو تنوع تجاري فقط.
عجز المورد البشري
ويمثل عجز المورد البشري من أهم المعوقات لتحقيق تنوع اقتصادي في دول الخليج، ويتمثل هذا العجز في قلة السكان من جانب، ومن جانب آخر عدم ملائمة العنصر البشري من حيث التوعية التنموية لقضية التنوع الاقتصادي، كما أن مخرجات مؤسسات التعليم الخليجية، والدور الاقتصادي والاجتماعي لدول الخليج يكرسان ثقافة النشاط الريعي.
وحتى حينما فكرت دول مثل الإمارات والبحرين في الاستفادة اقتصادياً من وجود العمالة الوافدة، تم اللعب على الأنشطة الريعية، مثل حصول العمالة الوافدة على إقامة لمدة أطول أو مدى الحياة نظير شراء عقار، أو وحدة سكانية في حدود مبلغ مالي معين، وليس التخطيط لتنوع اقتصادي إنتاجي يمنح نفس الميزة في حالة وجّه المغترب أو الوافد أموالاً بقيمة معينة في الإنتاج النوعي المطلوب، أو الذي يمثل حالة عجز أو نقص في تلك البلدان.
وتقف العادات والتقاليد حاجزاً رئيساً أمام مساهمة المرأة في النشاط الاقتصادي، مما يفوت فرصة على إمكانيات الاستفادة من نشاط المرأة الخليجية في تحقيق التنوع الاقتصادي، وحتى مع زيادة مساهمة المرأة في العمل بدولة الإمارات يلاحظ أنه في القطاع الحكومي والخدمي.
ضعف التكامل الإقليمي
ومما ساعد على نجاح تجربة دول الآسيان على الصعيد المحلي، تنامي التعاون الإقليمي، والذي بدأ في عام 1976، وينوي الاتجاه نحو نموذج الاتحاد الأوروبي الآن، ويلاحظ أن حركة السياحة والتبادل التجاري بين دول الآسيان بارزة، فعلى صعيد التبادل التجاري البيني يمثل 25% من إجمالي التجارة الخارجية للدول الأعضاء.
أما دول الخليج، فقد غابت عنها الاستفادة من إمكانيات التعاون الإقليمي عربياً، أو حتى شرق أوسطياً في ضوء التعاون مع تركيا وإيران.
بل إن الدائرة الضيقة لمجلس التعاون الخليجي، فشلت في الترسيخ لتنوع اقتصادي، فالعقل الجمعي الاقتصادي يخرج من مشكاة ريعية واحدة، بناء الأبراج والمراكز التجارية، والمضاربات في البورصة، والاستثمارات الخارجية في نفس المجالات سواء في أوروبا وأميركا أو في غيرها من أقاليم العالم.
اقرأ أيضا: إمبراطورية النفط السعودي: الخصخصة والتحديات