في الصيف الماضي، تتفاوض الحكومة المصرية مع صندوق النقد الدولي لاقتراض 12 مليار دولار، يحدث ذلك بعيداً عن أعين البرلمان والرأي العام وحتى الاعلام، توافق الحكومة على كل شروط الصندوق رغم قساوتها الشديدة خاصة على المواطن الفقير والمتوسط الدخل.
توافق على تعويم الجنيه مقابل الدولار وترك سعره للعرض والطلب، كما توافق على رفع أسعار الوقود من بنزين وسولار وغاز تمهيدا للوصول بالسعر للمستويات العالمية.
وتجري الحكومة زيادات في أسعار الكهرباء تمهيدا لرفع الدعم الحكومي عنها بشكل نهائي خلال 3 سنوات، وكذا تخفض الدعم المقدم من الموازنة العامة للعديد من الخدمات الجماهيرية.
ومع هذه الحزمة الصعبة تفرض الحكومة مزيداً من الضرائب بناء على توصيات صندوق النقد، وتزيد الجمارك على مئات السلع، وتقر قانون ضريبة القيمة المضافة، وتصدر قانون الخدمة المدنية الذي سيتم من خلاله تقليص عدد الموظفين بالجهاز الإداري للدولة بواقع مليوني موظف كما تردد.
ومع هذه الشروط التزمت الحكومة بأمور أخرى، منها مثلا الالتزام بسداد ديون شركات النفط والغاز الأجنبية البالغة قيمتها 3.6 مليارات دولار، وهذا يعني أن جزءا من القروض الخارجية التي تحصل عليها البلاد سيوجه لسداد ديون خارجية مستحقة، وبالتالي فإن الاقتصاد لن يستفد شيئاً من هذه القروض.
وبعد مفاوضات سريعة وموافقات حكومية على شروط صندوق النقد الدولي بما فيها الأصعب وهو تحرير سوق الصرف وزيادة أسعار الوقود، يوافق الصندوق، بداية شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، على منح مصر قرضاً بقيمة 12 مليار دولار يصرف على فترة 3 سنوات و5 دفعات.
وبعد الموافقة على القرض بساعات يفرج الصندوق عن الشريحة الأولى من القرض البالغة 2.76 مليار دولار ويودع المبلغ في حساب البنك المركزي المصري في الخارج.
خلال فترة التفاوض بين مصر وصندوق النقد تجاهلت الحكومة تماما الرأي العام الذي فشل في التعرف على أبرز شروط الصندوق أو التزامات الحكومة مقابل الحصول على القرض.
بل وخرج مسؤولون بالحكومة أكثر من مرة لينفوا وجود تفاوض مع الصندوق من الأصل، ثم لينفوا بعد ذلك الشروط المجحفة التي سيفرضها الصندوق على البلاد والتي أدى تطبيقها لحدوث اضطرابات عنيفة من تهاوي قيمة الجنية مقابل الدولار، وحدوث زيادات قياسية في أسعار السلع والخدمات، وانتشار حالات الإفلاس بين الشركات، وخروج آلاف التجار والمستثمرين من السوق.
وفي تمثيلية يخرج علينا النائب مصطفى بكري قبل شهر ليقدم طلب إحاطة للبرلمان حول سبب عدم عرض الحكومة اتفاقية القرض على المؤسسة التشريعية لمناقشة بنودها، ما الذي ذكَر النائب بالقرض عقب مرور أكثر من شهرين على الاتفاق عليه مع إدارة صندوق النقد بواشنطن؟
وبعد مرور أكثر من 70 يوماً على تمرير قرض الصندوق تتذكر الحكومة فجأة أن هناك برلماناً لا بد أن يوافق على كل الاتفاقيات التي تبرمها الحكومة مع المؤسسات المالية الدولية والجهات المانحة، وتتذكر الحكومة أن مجلس الوزراء لا بد أن يقر اتفاقية القرض تمهيدا لعرضها على البرلمان.
الآن أحال مجلس الوزراء اتفاقية القرض للبرلمان، وسيقرها الأخير بعد نقاش سريع وربما ببعض المعارضة من عدد من النواب حتى يكتمل الديكور الديموقراطي، لكن ما الفائدة من عرضها على البرلمان بعد أن دخلت اتفاقية القرض حيز التنفيذ؟
هل يمكن للبرلمان أن يعترض على بنود الاتفاقية مثلا، هل يمكن أن يلغيها، وبالتالي يتم إلغاء ما ترتب عليها من قرارات خطيرة مثل تعويم الجنيه وزيادة الأسعار، أم أن العرض على البرلمان نوع من "تستيف" الأوراق وحفظ ماء الوجه ليس أمام المصريين بل أمام صندوق النقد الذي اشترط موافقة المؤسسة التشريعية على اتفاقية القرض؟