وسط الضغوط المالية التي تعانيها ميزانيات الدول في العالم الصناعي أو الاقتصادات المتقدمة والبحث الدائم عن زيادة إيرادات الضرائب، تتركز عيون المسؤولين في الحكومات الغربية على "مراكز الأفشور" التي تستغلها الشركات والأثرياء في التهرب من الرقابة الضريبية وقوانينها.
وسعت منظمة دول التنمية والتعاون الاقتصادي في أعقاب تسريب "أوراق بنما" وما رافقها من كشف واسع لتهرب الأثرياء وكبرى الشركات من التهرب الضريبي، إلى تشديد قوانين غسيل الأموال وسد الثغرات التي ينفذ منها الهاربون من التحصيل الضريبي.
لكن دراسة صدرت حديثاً في هولندا، تشير إلى أن الحل لمشكلة التهرب الضريبي لا تكمن فقط في إغلاق "مراكز الأفشور"، بقدر ما تكمن في سد الطريق أمام حركة هذه الأموال إلى بعض المصارف وأحياء المال في 24 دولة من دول العالم، على رأسها خمس دول، هي بريطانيا وسويسرا وهولندا وإيرلندا وسنغافورة.
ويرى الاقتصادي غابريال زوكمان، من جامعة كاليفورنيا الأميركية، في دراسة صدرت حديثاً، أن حوالي 6 ترليونات دولار تتحرك من مصارف الأفشور إلى مصارف ثلاث دول فقط من هذه الدول، هي بريطانيا وسويسرا وهولندا.
ويشير الاقتصادي الأميركي في الدراسة، إلى أن تشديد قانون الضرائب الأميركي الذي أقر في العام 2010، وفرض على الأميركي دفع ضرائب على دخله بغض النظر عن المقر الذي يتواجد فيه، سواء كان داخل أميركا أو خارجها، لم يفلح في زيادة الدخل الضريبي للحكومة الأميركية، كما لم ينجح في منع الأميركيين من تحويل أموالهم إلى مراكز "الأفشور".
وحسب الاقتصادي زوكمان في الدراسة التي وردت بمقال نشرته وكالة بلومبيرغ الأميركية، فإن حجم الموجودات الأميركية في "مراكز الأفشور" قد ارتفع منذ العام 2010، الذي أقر فيه مشروع الضرائب الأميركية الجديد الذي يعرف اختصاراً باسم "فاتكا".
وبالتالي يرى اقتصاديون أن الحل لا يكمن في تشديد القوانين الضريبية فقط أو حتى إغلاق مراكز الأفشور، بقدر ما يكمن في منع حركة الأموال من هذه المراكز إلى الدول التي تتاجر في هذه الأموال.
اقــرأ أيضاً
في هذا الصدد، يقول بحث جديد صدر عن البروفسور بجامعة أمستردام خافيير غارسيا بيرناندو، إن هنالك نوعين من مصارف وشركات الأفشور، أحدها يوجد في الجزر الصغيرة في الكاريبي وبعض مناطق العالم الأخرى، وهي التي يطلق عليها "الجنان الضريبية".
أما النوع الآخر من مناطق الأفشور، فهو يضم 24 دولة متقدمة، من بينها دول متقدمة في أوروبا وآسيا، وأكبر هذه الدول هي بلجيكا وهولندا وإيرلندا وسنغافورة وبريطانيا.
ويرى البحث الذي أجراه البروفسور بيرناندو مع فريق كبير على حوالي 98 شركة من الشركات العالمية، أن المشكلة في التهرب الضريبي الذي تعاني منه خزائن الحكومات الغربية، لا يكمن حله في إغلاق مراكز الأفشور، لأنه يقول ببساطة، إن هذه الأموال التي تهربها الشركات أو الأثرياء إلى مراكز الأفشور، لا تستقر فيها وإنما تستخدم كمنطقة تخزين فقط قبل أن تتحرك للاستثمار أو تتاح لها الفرصة للهجرة إلى الدول الـ24 المذكورة في البحث.
ومن بين الأساليب التي تستخدمها الشركات في التهرب من الضرائب أسلوب "السندوتش الهولندي"، وهذا الأسلوب كانت تستخدمه شركات كبرى متعددة الجنسيات، من بينها غوغل وفيسبوك وشركات أدوية تتخذ من إيرلندا مقراً لها، للتهرب من دفع الضرائب في أميركا وأوروبا.
ومنذ حوالي 20 عاماً، استغلت إيرلندا أسلوباً متساهلاً في جباية الضرائب مع الشركات العالمية، في سبيل توطين هذه الشركات لتوفير فرص عمل للإيرلنديين وتنشيط الاقتصاد.
وكانت لجنة التنافسية بالاتحاد الأوروبي، قد طلبت من إيرلندا أخيراً تقديم إيضاحات حول النظام الضريبي الذي تتعامل به مع الشركات العالمية المستوطنة في إيرلندا.
وتمكنت إيرلندا أخيراً من سد هذه الثغرات التي تنفذ منها الشركات، لكن مشكلة الثغرات في القانون الهولندي لا تزال قائمة.
وأسلوب "السندوتش الهولندي" الذي ابتدعه محاسبون وقانونيون متمرسون في توظيف الأموال، يقوم على مجموعة من الحيل، أهمها: أن تستخدم الشركات مقاراُ لها في إيرلندا لتجميع مبيعاتها في أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا، أي أنها تطلب من المشترين لبضائعها وخدماتها في هذه الدول الدفع مباشرة لحساباتها في إيرلندا.
ومن ثم تستغل حيلة "السندوتش الهولندي" لتحويل أموالها إلى فروعها في هولندا وبشكل قانوني، مستغلة في ذلك الثغرات المتاحة في القانون الأوروبي الخاص بالضرائب.
ويتيح القانون الضريبي الأوروبي تحويل الأموال بين فروع الشركات دون مساءلة ضريبية. وبالتالي تحول هذه الشركات أموال مشترياتها التي جمعتها في إيرلندا إلى فرعها في هولندا دون مساءلة. وبعد تحويل الأموال إلى الفرع الهولندي، يتم تحويل الأموال مباشرة إلى حسابات "الأفشور"، التي تملكها هذه الشركات في الجزر أو "الجنان الضريبية".
يذكر أن السلطة الفيدرالية للرقابة على المؤسسات المالية في سويسرا، ذكرت في تقريرها الأسبوع الماضي، أن حالات غسيل الأموال في المصارف السويسرية في تزايد.
وقالت السلطات في تقرير بهذا الصدد، إن الأشهر الأخيرة شهدت عدة تحقيقات جنائية في قضايا تتعلق بغسيل الأموال في عدد من المصارف، إلا أن السلطة الفيدرالية للرقابة على المؤسسات المالية أكدت أنها "متفائلة بتحسن ثقافة الإبلاغ عن المعاملات المشبوهة".
وأشارت سلطة الرقابة على الأموال في سويسرا، إلى أن مصرف "كريدي سويس"، واحد من أكبر المصارف بالبلاد، أضحى أخيراً في بؤرة اهتمام عدة دول في إطار حملة تهدف إلى ملاحقة أشخاص يُشتبه في تهربهم من دفع الضرائب في خمسة بلدان.
وحسب الهيئة السويسرية التي تراقب أداء المصارف، بلغ عدد الحسابات المصرفية المشتبه بها 55 ألفاً. كما تم فرض عقوبات على مصرفي "بي إس آي ـ BSI" ومصرف فالكون.
وكشفت "وثائق بنما" السهولة التي يتم بها تسجيل الشركات الوهمية التي تحول إليها المليارات بكبسة زر، حيث كل ما يحتاجه العميل هو دفع رسوم بسيطة وإنشاء صندوق بريدي للشركة المسجلة، ثم بعد ذلك يفتح حسابا للشركة في أي مصرف موجود في بنما.
وبالتالي، فإن هذه الشركات غير مدققة ولا أحد يعرف أصول أموالها أو ما إذا كانت تخضع لأية رقابة من الحكومة في بنما، كما لا يُطلب من هذه الشركات قوائم مالية أو محاضر لاجتماعات الجمعية العمومية.
ويتم إنشاء هذه الشركات عبر رقم كودي، إذ لا تُسجل باسم صاحبها، وبالرقم الكودي ذاته تستطيع فتح حسابات مصرفية أو فروع للشركة في أماكن متعددة حول العالم.
وبهذا الأسلوب تتمكن الشركات متعددة الجنسيات من التهرب الضريبي، كما تتمكن عصابات الجريمة المنظمة والمخدرات من غسيل أموالها دون خوف من الرقيب، كما تودع في هذه الشركات حسابات الرشاوى والساسة الفاسدين.
ومن ثم تحول هذه الأموال من حسابات هذه الشركات الوهمية في البنوك إلى أحياء المال في العالم وتوظيفها كأموال نظيفة. وهذا هو ما حدا بالجماهير في الدول الأوروبية إلى تسيير مظاهرات ضخمة وغاضبة من الحكومات التي تسمح بهذه الثغرات وتتساهل مع الأثرياء، فيما تشدد الرقابة على دخل الموظفين والبسطاء في تحصيل الضرائب.
اقــرأ أيضاً
وسعت منظمة دول التنمية والتعاون الاقتصادي في أعقاب تسريب "أوراق بنما" وما رافقها من كشف واسع لتهرب الأثرياء وكبرى الشركات من التهرب الضريبي، إلى تشديد قوانين غسيل الأموال وسد الثغرات التي ينفذ منها الهاربون من التحصيل الضريبي.
لكن دراسة صدرت حديثاً في هولندا، تشير إلى أن الحل لمشكلة التهرب الضريبي لا تكمن فقط في إغلاق "مراكز الأفشور"، بقدر ما تكمن في سد الطريق أمام حركة هذه الأموال إلى بعض المصارف وأحياء المال في 24 دولة من دول العالم، على رأسها خمس دول، هي بريطانيا وسويسرا وهولندا وإيرلندا وسنغافورة.
ويرى الاقتصادي غابريال زوكمان، من جامعة كاليفورنيا الأميركية، في دراسة صدرت حديثاً، أن حوالي 6 ترليونات دولار تتحرك من مصارف الأفشور إلى مصارف ثلاث دول فقط من هذه الدول، هي بريطانيا وسويسرا وهولندا.
ويشير الاقتصادي الأميركي في الدراسة، إلى أن تشديد قانون الضرائب الأميركي الذي أقر في العام 2010، وفرض على الأميركي دفع ضرائب على دخله بغض النظر عن المقر الذي يتواجد فيه، سواء كان داخل أميركا أو خارجها، لم يفلح في زيادة الدخل الضريبي للحكومة الأميركية، كما لم ينجح في منع الأميركيين من تحويل أموالهم إلى مراكز "الأفشور".
وحسب الاقتصادي زوكمان في الدراسة التي وردت بمقال نشرته وكالة بلومبيرغ الأميركية، فإن حجم الموجودات الأميركية في "مراكز الأفشور" قد ارتفع منذ العام 2010، الذي أقر فيه مشروع الضرائب الأميركية الجديد الذي يعرف اختصاراً باسم "فاتكا".
وبالتالي يرى اقتصاديون أن الحل لا يكمن في تشديد القوانين الضريبية فقط أو حتى إغلاق مراكز الأفشور، بقدر ما يكمن في منع حركة الأموال من هذه المراكز إلى الدول التي تتاجر في هذه الأموال.
في هذا الصدد، يقول بحث جديد صدر عن البروفسور بجامعة أمستردام خافيير غارسيا بيرناندو، إن هنالك نوعين من مصارف وشركات الأفشور، أحدها يوجد في الجزر الصغيرة في الكاريبي وبعض مناطق العالم الأخرى، وهي التي يطلق عليها "الجنان الضريبية".
أما النوع الآخر من مناطق الأفشور، فهو يضم 24 دولة متقدمة، من بينها دول متقدمة في أوروبا وآسيا، وأكبر هذه الدول هي بلجيكا وهولندا وإيرلندا وسنغافورة وبريطانيا.
ويرى البحث الذي أجراه البروفسور بيرناندو مع فريق كبير على حوالي 98 شركة من الشركات العالمية، أن المشكلة في التهرب الضريبي الذي تعاني منه خزائن الحكومات الغربية، لا يكمن حله في إغلاق مراكز الأفشور، لأنه يقول ببساطة، إن هذه الأموال التي تهربها الشركات أو الأثرياء إلى مراكز الأفشور، لا تستقر فيها وإنما تستخدم كمنطقة تخزين فقط قبل أن تتحرك للاستثمار أو تتاح لها الفرصة للهجرة إلى الدول الـ24 المذكورة في البحث.
ومن بين الأساليب التي تستخدمها الشركات في التهرب من الضرائب أسلوب "السندوتش الهولندي"، وهذا الأسلوب كانت تستخدمه شركات كبرى متعددة الجنسيات، من بينها غوغل وفيسبوك وشركات أدوية تتخذ من إيرلندا مقراً لها، للتهرب من دفع الضرائب في أميركا وأوروبا.
ومنذ حوالي 20 عاماً، استغلت إيرلندا أسلوباً متساهلاً في جباية الضرائب مع الشركات العالمية، في سبيل توطين هذه الشركات لتوفير فرص عمل للإيرلنديين وتنشيط الاقتصاد.
وكانت لجنة التنافسية بالاتحاد الأوروبي، قد طلبت من إيرلندا أخيراً تقديم إيضاحات حول النظام الضريبي الذي تتعامل به مع الشركات العالمية المستوطنة في إيرلندا.
وتمكنت إيرلندا أخيراً من سد هذه الثغرات التي تنفذ منها الشركات، لكن مشكلة الثغرات في القانون الهولندي لا تزال قائمة.
وأسلوب "السندوتش الهولندي" الذي ابتدعه محاسبون وقانونيون متمرسون في توظيف الأموال، يقوم على مجموعة من الحيل، أهمها: أن تستخدم الشركات مقاراُ لها في إيرلندا لتجميع مبيعاتها في أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا، أي أنها تطلب من المشترين لبضائعها وخدماتها في هذه الدول الدفع مباشرة لحساباتها في إيرلندا.
ومن ثم تستغل حيلة "السندوتش الهولندي" لتحويل أموالها إلى فروعها في هولندا وبشكل قانوني، مستغلة في ذلك الثغرات المتاحة في القانون الأوروبي الخاص بالضرائب.
ويتيح القانون الضريبي الأوروبي تحويل الأموال بين فروع الشركات دون مساءلة ضريبية. وبالتالي تحول هذه الشركات أموال مشترياتها التي جمعتها في إيرلندا إلى فرعها في هولندا دون مساءلة. وبعد تحويل الأموال إلى الفرع الهولندي، يتم تحويل الأموال مباشرة إلى حسابات "الأفشور"، التي تملكها هذه الشركات في الجزر أو "الجنان الضريبية".
يذكر أن السلطة الفيدرالية للرقابة على المؤسسات المالية في سويسرا، ذكرت في تقريرها الأسبوع الماضي، أن حالات غسيل الأموال في المصارف السويسرية في تزايد.
وقالت السلطات في تقرير بهذا الصدد، إن الأشهر الأخيرة شهدت عدة تحقيقات جنائية في قضايا تتعلق بغسيل الأموال في عدد من المصارف، إلا أن السلطة الفيدرالية للرقابة على المؤسسات المالية أكدت أنها "متفائلة بتحسن ثقافة الإبلاغ عن المعاملات المشبوهة".
وأشارت سلطة الرقابة على الأموال في سويسرا، إلى أن مصرف "كريدي سويس"، واحد من أكبر المصارف بالبلاد، أضحى أخيراً في بؤرة اهتمام عدة دول في إطار حملة تهدف إلى ملاحقة أشخاص يُشتبه في تهربهم من دفع الضرائب في خمسة بلدان.
وحسب الهيئة السويسرية التي تراقب أداء المصارف، بلغ عدد الحسابات المصرفية المشتبه بها 55 ألفاً. كما تم فرض عقوبات على مصرفي "بي إس آي ـ BSI" ومصرف فالكون.
وكشفت "وثائق بنما" السهولة التي يتم بها تسجيل الشركات الوهمية التي تحول إليها المليارات بكبسة زر، حيث كل ما يحتاجه العميل هو دفع رسوم بسيطة وإنشاء صندوق بريدي للشركة المسجلة، ثم بعد ذلك يفتح حسابا للشركة في أي مصرف موجود في بنما.
وبالتالي، فإن هذه الشركات غير مدققة ولا أحد يعرف أصول أموالها أو ما إذا كانت تخضع لأية رقابة من الحكومة في بنما، كما لا يُطلب من هذه الشركات قوائم مالية أو محاضر لاجتماعات الجمعية العمومية.
ويتم إنشاء هذه الشركات عبر رقم كودي، إذ لا تُسجل باسم صاحبها، وبالرقم الكودي ذاته تستطيع فتح حسابات مصرفية أو فروع للشركة في أماكن متعددة حول العالم.
وبهذا الأسلوب تتمكن الشركات متعددة الجنسيات من التهرب الضريبي، كما تتمكن عصابات الجريمة المنظمة والمخدرات من غسيل أموالها دون خوف من الرقيب، كما تودع في هذه الشركات حسابات الرشاوى والساسة الفاسدين.
ومن ثم تحول هذه الأموال من حسابات هذه الشركات الوهمية في البنوك إلى أحياء المال في العالم وتوظيفها كأموال نظيفة. وهذا هو ما حدا بالجماهير في الدول الأوروبية إلى تسيير مظاهرات ضخمة وغاضبة من الحكومات التي تسمح بهذه الثغرات وتتساهل مع الأثرياء، فيما تشدد الرقابة على دخل الموظفين والبسطاء في تحصيل الضرائب.