من ناحية أخرى، يخوض البنك المركزي المصري معركة لتخفيض نسب التضخم السابقة والناتجة عن رفع أسعار الوقود والكهرباء، وضريبة القيمة المضافة، وذلك من خلال رفع سعر الفائدة الأساسية بنسبة 2% لتصل إلى 18.75% للإيداع و19.75% للإقراض، وهي المرة الثانية التي يرفع فيها البنك نسبة الفائدة خلال شهرين والسادسة منذ ديسمبر/ كانون الأول 2015، ليصبح مجموع الزيادات هو 10% بدون تخفيض واحد وبزيادة 102%.
لا ينكر أحد أن هذه الزيادات تأتي تنفيذًا لشرط صندوق النقد الدولي الخاص بـ "تبني سياسة نقدية لاحتواء التضخم" الناتج عن تعويم الجنيه في نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، وخاصة بعد أن رفعت الحكومة أسعار المنتجات البترولية للمرة الثالثة بنسب تراوحت بين 5% و100%، وضريبة القيمة المضافة بمعدل 14%، وأسعار الكهرباء للاستخدامات المنزلية والتجارية والصناعية بنسب تراوحت بين 18% و42%، وهي "الإصلاحات" التي اشترطها الصندوق قبل إقراض مصر مبلغ 12 مليار دولار خلال ثلاث سنوات.
وبالرغم من تأكيد البنك المركزي على أن رفعه نسبة الفائدة سيكون له تأثيره الفعال في التغلب على مستويات التضخم، فقد جاءت معدلات التضخم الأساسية مرتفعة إلى 32% فى شهر أبريل/ نيسان و30.57% في شهر مايو/أيار وفق تقديرات البنك نفسه، و30.9% في يونيو وفق تقديرات الجهاز المركزي للإحصاء، ما يؤكد فشل "رفع نسبة الفائدة" كسياسة نقدية يفرضها صندوق النقد لكبح جماح معدلات التضخم المرتفعة في الحالة المصرية على وجه الخصوص.
الخطير في الأمر، أن البنك المركزي يصر على الاستمرار في هذه السياسة حتى الربع الأخير من عام 2018 بهدف تخفيض معدل التضخم على أساس سنوي إلى مستوى 13% بحسب ما جاء في بيانه الصحفي.
الأزمة الحقيقية أن لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي تفترض أن معدلات التضخم المرتفعة في مصر ترجع في الأساس إلى وفرة السيولة النقدية وما تسببه من ضغوطات ناتجة عن زيادة الطلب وهو ما تمكن معالجته برفع نسبة الفائدة وزيادة الودائع بالبنوك.
ولا تعترف اللجنة بأن تعويم الجنيه، الذي اشترطه صندوق النقد، وتآكل قيمته الشرائية، وتراجع القدرات الشرائية للمواطن بسبب نقص السيولة في أيديهم، بالإضافة إلى قرارات الحكومة برفع أسعار الوقود والكهرباء، وضريبة القيمة المضافة وتأثيراتها على تراجع الإنتاج وصدمات العرض هي الأسباب الحقيقية للتضخم.
توسع الحكومة في رفع نسب الفائدة يضر بمصالح المودعين إذا ظلت نسب التضخم أعلى من العائد على مدخراتهم في البنوك، ويهدد الاستثمار الحقيقي إذا كان العائد على المدخرات في البنوك أعلى من مكاسب المشاريع الاستثمارية.
وعلى عكس ما ترى لجنة السياسة النقدية، فإن رفع نسبة الفائدة يقضي تمامًا على فرص الاستثمار من خلال زيادة تكاليف القروض البنكية وتأثيرها في زيادة تكاليف الإنتاج، ورفع أسعار السلع والخدمات ثم زيادة التضخم من جديد. وفي مجلس النواب يحاول رجال الأعمال الأعضاء في لجان الشؤون الاقتصادية والصناعة والمشروعات الصغيرة بالضغط على الحكومة للتراجع أو تحديد الزيادة بفترة زمنية قصيرة.
كما أن رفع نسبة الفائدة له تداعياته كذلك على أعباء الدين العام المحلي والذي ارتفع نهاية العام الماضي إلى 3.052 تريليونات جنيه، 170 مليار دولار، ما يعني أن رفع الفائدة بنسبة 2% يكلف الموازنة العامة للدولة 60 مليار جنيه، وقد اعترف نائب وزير المالية في تصريح لـ "رويترز" بأن تكلفة الفوائد عن 2016/2017 قد زادت عن المستهدف بسبب تغيرات سعر الصرف والفائدة، ولكن لا يمكن إعلانها حاليًا"
وإذا علمنا أن الموازنة العامة للدولة سوف تتحمل 384 مليار جنيه كمدفوعات فوائد في عام 2018، هذا بخلاف أقساط الديون بمقدار 265 مليار جنيه، فإن هذه المدفوعات يمكن أن تساهم بفاعلية في علاج التضخم والبطالة، من خلال توظيفها في الإنفاق الاستثماري الذي أصيب بالشلل التام بعد هذه السياسات، وكذلك دعم القروض الإنتاجية، بدلًا من التوسع في رفع نسب الفائدة، لكن صندوق النقد لا يوصي بذلك والنظام لا ينفذ إلا ما يمليه عليه.