يتجه الاقتصاد في الجزائر إلى الغوص أكثر في دوامتي التعقيد والغموض، إذ مع الفوضى القائمة في هرم السلطة والسيناريوهات المطروحة بين مواصلة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة المتعب صحياً منذ 2013 ولاية رئاسية خامسة أو انسحابه وترك الساحة مفتوحة أمام الصراعات، تتزايد حدة الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد.
إذ تؤكّد أرقام بنك الجزائر المركزي أن احتياطي العملة الصعبة قد انخفض من 194.01 مليار دولار عام 2013 إلى 94.5 مليار دولار في نهاية مارس/ آذار الماضي، نزولاً من 97.3 مليار دولار في نهاية 2017، لتفقد الجزائر 2.8 مليار دولار خلال ثلاثة أشهر فقط، ونصف احتياطي النقد الأجنبي خلال أربع سنوات تقريباً.
كذلك سجّلت الجزائر عجزاً في ميزان المدفوعات في الأشهر الثلاثة الأولى من 2018 بلغ 4.3 مليارات دولار، وفقاً لبيانات الجمارك الجزائرية، وتضطر الحكومة إلى تغطيته من احتياطي العملة.
وتراجع تدفق الاستثمارات الأجنبية من 3.1 مليارات دولار عام 2009 إلى 2.6 مليار دولار في نهاية 2015، وصولاً إلى أقل من 1.2 مليار دولار في 2017.
وقد حذّر صندوق النقد الدولي من أن قرار الجزائر التحوّل إلى التمويل النقدي لتقليص عجز الموازنة قد يؤدي إلى ارتفاع التضخم، إذ لا يزال القطاع غير النفطي ضعيفاً.
في حين أعلن وزير المالية عبد الرحمان راوية، مطلع الشهر الحالي، أنَّه ستتم مراجعة الدعم الحكومي للطاقة ابتداءً من سنة 2019، ما أثار موجة من الاستياء من قبل المواطنين، وتتزامن هذه المشكلات مع ارتفاع في فاتورة الفساد.
بين السياسة والاقتصاد
قبل أقل من سنة على انطلاق الانتخابات الرئاسية المقررة في شهر إبريل/ نيسان 2019، يترقب السياسيون في الموالاة والمعارضة، بحذر شديد، موقف الرئيس بوتفليقة إزاء مسألة ترشحه لولاية رئاسية خامسة، وهو القرار الذي ستُبنى عليه مواقف كثير من منافسيه في الساحة الجزائرية.
وعلى الرغم من مرض بوتفليقة الذي منعه من مخاطبة الجزائريين منذ شهر مايو/ أيار 2012، إلا أن أنصاره يرون إمكانية استمراره لولاية أخرى، طالما أنه ليس هناك أي موانع قانونية تجاه ترشحه.
اقــرأ أيضاً
وبدأت الأحزاب الموالية للرئيس بتشكيل لجان لمساندته، بمبرر أن استمرار بوتفليقة سيضمن للجزائر الاستقرار في ظل الأوضاع الإقليمية المتدهورة التي تحيط بها.
وعلى عكس ذلك، يرى معارضو الرئيس أن ترشحه سيقتل أي أمل في المنافسة، وسيقذف بالبلاد إلى أتون المجهول. لا بل انقسمت المعارضة في البلاد إلى معسكر يدعو إلى المشاركة في الانتخابات ومحاولة الفوز بإرادة الشعب، ومعسكر آخر يطلب مرحلة انتقالية تكون فيها السلطة الحاكمة ومؤسسة الجيش طرفين في معادلة التغيير.
ويرى المحلل السياسي وأستاذ العلوم السياسية في جامعة الجزائر عبد العالي رزاقي أن "الجزائر تعيش السيناريو ذاته الذي مرّت به سنة 2013، حين دخلت البلاد في دوامة الغموض وانتشار الإشاعات عقب إصابة الرئيس بوتفليقة بعارض صحي في شهر إبريل/ نيسان 2013 وسفره إلى فرنسا للعلاج لمدة فاقت الخمسة أشهر".
ويضيف رزاقي، في حديث إلى "العربي الجديد"، أن "هذا الغموض سيتواصل حتى شهر فبراير/ شباط 2019، وهو موعد انتهاء المهلة الدستورية لوضح ملفات الترشح للانتخابات الرئاسية، فالرئيس بوتفليقة أعلن ترشحه للولاية الثانية والثالثة والرابعة في الأسبوع الأخير من شهر فبراير/ شباط خلال سنوات 2004 و2009 و2014".
وحسب عبد العالي فإن "فترة حكم الرئيس بوتفليقة، خاصة خلال الولاية الرابعة، تميزت بكثير من الغموض، خاصة على مستوى مركز اتخاذ القرار، إذ باتت الأسئلة تُطرح حول من يحكم الجزائر فعلاً، هل الرئيس أم شقيقه ومستشاره سعيد بوتفليقة، بمعية المؤسسة العسكرية".
عدم وضوح الأفق السياسي وتنوّع مراكز اتخاذ القرار التي تبقى حسب المتابعين مجهولة، ألقيا بظلالهما على الاقتصاد الجزائري الذي دخل منذ منتصف عام 2014 في أزمة حادة بلغت الذروة في الأشهر الأخيرة منه، عقب تهاوي عائدات النفط التي تشكل 96 في المائة من إيرادات البلاد، إلى ثلثي حجمها قبل 2014.
فمنذ صيف 2014 مرّ على الجزائر أكثر من ست حكومات وثلاثة رؤساء للحكومة وثلاثة وزراء للمالية وخمسة وزراء للتجارة وثلاثة للصناعة وثلاثة للزراعة، وكل حكومة جاءت بمخطط عملٍ خاص بها، يحمل تصوراتها لإخراج الجزائر من عنق الزجاجة وتنويع الاقتصاد وفكّ ارتباطه بعائدات النفط.
إذ ما تلبث أن تبدأ الحكومة الأولى في تنفيذ برنامجها واتخاذ القرارات حتى تتغير وتأتي أخرى لتمحي كل شيء وتعيد الخطط من الصفر. وهذا الواقع، أثّر على مناخ الأعمال والأسواق المحلية.
وفي السياق يقول الخبير الاقتصادي ومستشار الحكومة بين عامي 2014-2017، عبد الرحمان مبتول إن "عدم وضوح من هو القائد الفعلي للبلاد ألقى بظلاله على الشأن الاقتصادي وسادت الفوضى في اتخاذ القرار وفي التشريع، فمثلاً منذ 2014 قررت الحكومة تجميد الاستيراد ثم فتحته برخص تحدد الكمية والقيمة المالية، ثم ألغيت الرخص كلياً وجمدت الاستيراد في مطلع 2018، قبل أن يحرّر هذا الصيف كلياً مع رفع الرسوم الجمركية".
ويتابع "الأمر تكرر مع مشروع تركيب السيارات الذي عرف دفترين للشروط وعدة مراسيم وزارية بعضها يلغي ما قبله، وكأننا مع حكومة بعدة رؤوس وليس برأس واحد ورئيس واحد".
ويتابع الخبير الجزائري قائلاً، في تصريح لـ "العربي الجديد"، إن "الاقتصاد يتأثر ويؤثر على السياسة، وفي الحالة الجزائرية يتزايد الخوف من أن تكون الفاتورة الاقتصادية، لحالة اللااستقرار السياسي الذي تعيشه الجزائر، كبيرة".
مخاوف المستثمرين
وسط هذه الأزمة السياسية القائمة، تحوّل مناخ الأعمال في الجزائر إلى طارد للاستثمارات بامتياز حسب الخبراء، إذ تراجع تدفق الاستثمارات المباشرة في السنوات الأخيرة، وأصبح المستثمرون الأجانب والجزائريون يفضلون الاستيراد، كونه مربحاً ولا يحتاج إلى إطلاق مشاريع قد تتعرّض للخسائر.
ويشرح الخبير الاقتصادي فرحات علي أن "الفاعلين الاقتصاديين أصبحوا يتخوّفون من إطلاق استثماراتهم وترجمة مشاريعهم وأفكارهم، نظراً إلى الغموض السياسي الذي تعيشه البلاد، فالمستثمر، خاصة الأجنبي، يبحث عن الاستقرار وعن استمرارية الخطط ووضوح عمليات اتخاذ القرار حتى يعلم مع من يتفاوض".
ويضيف الخبير الجزائري، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه "بات هناك غياب للمبادرات الاقتصادية، نظراً إلى غياب الرؤية الاقتصادية وتدهور مناخ الأعمال".
كذلك سجّلت الجزائر عجزاً في ميزان المدفوعات في الأشهر الثلاثة الأولى من 2018 بلغ 4.3 مليارات دولار، وفقاً لبيانات الجمارك الجزائرية، وتضطر الحكومة إلى تغطيته من احتياطي العملة.
وتراجع تدفق الاستثمارات الأجنبية من 3.1 مليارات دولار عام 2009 إلى 2.6 مليار دولار في نهاية 2015، وصولاً إلى أقل من 1.2 مليار دولار في 2017.
وقد حذّر صندوق النقد الدولي من أن قرار الجزائر التحوّل إلى التمويل النقدي لتقليص عجز الموازنة قد يؤدي إلى ارتفاع التضخم، إذ لا يزال القطاع غير النفطي ضعيفاً.
في حين أعلن وزير المالية عبد الرحمان راوية، مطلع الشهر الحالي، أنَّه ستتم مراجعة الدعم الحكومي للطاقة ابتداءً من سنة 2019، ما أثار موجة من الاستياء من قبل المواطنين، وتتزامن هذه المشكلات مع ارتفاع في فاتورة الفساد.
بين السياسة والاقتصاد
قبل أقل من سنة على انطلاق الانتخابات الرئاسية المقررة في شهر إبريل/ نيسان 2019، يترقب السياسيون في الموالاة والمعارضة، بحذر شديد، موقف الرئيس بوتفليقة إزاء مسألة ترشحه لولاية رئاسية خامسة، وهو القرار الذي ستُبنى عليه مواقف كثير من منافسيه في الساحة الجزائرية.
وعلى الرغم من مرض بوتفليقة الذي منعه من مخاطبة الجزائريين منذ شهر مايو/ أيار 2012، إلا أن أنصاره يرون إمكانية استمراره لولاية أخرى، طالما أنه ليس هناك أي موانع قانونية تجاه ترشحه.
وبدأت الأحزاب الموالية للرئيس بتشكيل لجان لمساندته، بمبرر أن استمرار بوتفليقة سيضمن للجزائر الاستقرار في ظل الأوضاع الإقليمية المتدهورة التي تحيط بها.
وعلى عكس ذلك، يرى معارضو الرئيس أن ترشحه سيقتل أي أمل في المنافسة، وسيقذف بالبلاد إلى أتون المجهول. لا بل انقسمت المعارضة في البلاد إلى معسكر يدعو إلى المشاركة في الانتخابات ومحاولة الفوز بإرادة الشعب، ومعسكر آخر يطلب مرحلة انتقالية تكون فيها السلطة الحاكمة ومؤسسة الجيش طرفين في معادلة التغيير.
ويرى المحلل السياسي وأستاذ العلوم السياسية في جامعة الجزائر عبد العالي رزاقي أن "الجزائر تعيش السيناريو ذاته الذي مرّت به سنة 2013، حين دخلت البلاد في دوامة الغموض وانتشار الإشاعات عقب إصابة الرئيس بوتفليقة بعارض صحي في شهر إبريل/ نيسان 2013 وسفره إلى فرنسا للعلاج لمدة فاقت الخمسة أشهر".
ويضيف رزاقي، في حديث إلى "العربي الجديد"، أن "هذا الغموض سيتواصل حتى شهر فبراير/ شباط 2019، وهو موعد انتهاء المهلة الدستورية لوضح ملفات الترشح للانتخابات الرئاسية، فالرئيس بوتفليقة أعلن ترشحه للولاية الثانية والثالثة والرابعة في الأسبوع الأخير من شهر فبراير/ شباط خلال سنوات 2004 و2009 و2014".
وحسب عبد العالي فإن "فترة حكم الرئيس بوتفليقة، خاصة خلال الولاية الرابعة، تميزت بكثير من الغموض، خاصة على مستوى مركز اتخاذ القرار، إذ باتت الأسئلة تُطرح حول من يحكم الجزائر فعلاً، هل الرئيس أم شقيقه ومستشاره سعيد بوتفليقة، بمعية المؤسسة العسكرية".
عدم وضوح الأفق السياسي وتنوّع مراكز اتخاذ القرار التي تبقى حسب المتابعين مجهولة، ألقيا بظلالهما على الاقتصاد الجزائري الذي دخل منذ منتصف عام 2014 في أزمة حادة بلغت الذروة في الأشهر الأخيرة منه، عقب تهاوي عائدات النفط التي تشكل 96 في المائة من إيرادات البلاد، إلى ثلثي حجمها قبل 2014.
فمنذ صيف 2014 مرّ على الجزائر أكثر من ست حكومات وثلاثة رؤساء للحكومة وثلاثة وزراء للمالية وخمسة وزراء للتجارة وثلاثة للصناعة وثلاثة للزراعة، وكل حكومة جاءت بمخطط عملٍ خاص بها، يحمل تصوراتها لإخراج الجزائر من عنق الزجاجة وتنويع الاقتصاد وفكّ ارتباطه بعائدات النفط.
إذ ما تلبث أن تبدأ الحكومة الأولى في تنفيذ برنامجها واتخاذ القرارات حتى تتغير وتأتي أخرى لتمحي كل شيء وتعيد الخطط من الصفر. وهذا الواقع، أثّر على مناخ الأعمال والأسواق المحلية.
وفي السياق يقول الخبير الاقتصادي ومستشار الحكومة بين عامي 2014-2017، عبد الرحمان مبتول إن "عدم وضوح من هو القائد الفعلي للبلاد ألقى بظلاله على الشأن الاقتصادي وسادت الفوضى في اتخاذ القرار وفي التشريع، فمثلاً منذ 2014 قررت الحكومة تجميد الاستيراد ثم فتحته برخص تحدد الكمية والقيمة المالية، ثم ألغيت الرخص كلياً وجمدت الاستيراد في مطلع 2018، قبل أن يحرّر هذا الصيف كلياً مع رفع الرسوم الجمركية".
ويتابع "الأمر تكرر مع مشروع تركيب السيارات الذي عرف دفترين للشروط وعدة مراسيم وزارية بعضها يلغي ما قبله، وكأننا مع حكومة بعدة رؤوس وليس برأس واحد ورئيس واحد".
ويتابع الخبير الجزائري قائلاً، في تصريح لـ "العربي الجديد"، إن "الاقتصاد يتأثر ويؤثر على السياسة، وفي الحالة الجزائرية يتزايد الخوف من أن تكون الفاتورة الاقتصادية، لحالة اللااستقرار السياسي الذي تعيشه الجزائر، كبيرة".
مخاوف المستثمرين
وسط هذه الأزمة السياسية القائمة، تحوّل مناخ الأعمال في الجزائر إلى طارد للاستثمارات بامتياز حسب الخبراء، إذ تراجع تدفق الاستثمارات المباشرة في السنوات الأخيرة، وأصبح المستثمرون الأجانب والجزائريون يفضلون الاستيراد، كونه مربحاً ولا يحتاج إلى إطلاق مشاريع قد تتعرّض للخسائر.
ويشرح الخبير الاقتصادي فرحات علي أن "الفاعلين الاقتصاديين أصبحوا يتخوّفون من إطلاق استثماراتهم وترجمة مشاريعهم وأفكارهم، نظراً إلى الغموض السياسي الذي تعيشه البلاد، فالمستثمر، خاصة الأجنبي، يبحث عن الاستقرار وعن استمرارية الخطط ووضوح عمليات اتخاذ القرار حتى يعلم مع من يتفاوض".
ويضيف الخبير الجزائري، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه "بات هناك غياب للمبادرات الاقتصادية، نظراً إلى غياب الرؤية الاقتصادية وتدهور مناخ الأعمال".