وحسب مسؤولين في أرامكو، ستشمل عملية الاكتتاب بيع 5 في المائة فقط من أسهم الشركة، بينها 2 في المائة في السوق المحلية، والنسبة الباقية البالغة 3 في المائة من أسهم الشركة في الأسواق العالمية، ويرتقب أن تكون في عام 2020.
ويستهدف الطرح العام الأولي لأكبر شركة ربحية في العالم، دفع الإصلاحات الاقتصادية التي يتبناها ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، لتنويع اقتصاد المملكة، التي أبرزت هجمات 14 سبتمبر/أيلول الماضي على اثنتين من منشآتها النفطية، تأثير اعتمادها على الخام.
ويبدو أن الأزمة المالية التي تعاني منها الرياض بسبب تراجع إيرادات النفط والتكلفة الكبيرة لحربها على الحوثيين في اليمن، ساهمت بوضوح في إصرار الحكومة السعودية على طرح حصة من أسهم أرامكو في هذا التوقيت، رغم المخاطر التي تحيط بالاكتتاب، في محاولة لتقليص العجز المالي وتوفير إيرادات إضافية للمملكة.
وتشير الأرقام الرسمية الصادرة عن مكتب إدارة الدَّين العام التابع لوزارة المالية السعودية، في إبريل/نيسان الماضي، إلى أنّ ديون السعودية بلغت، في نهاية العام الماضي، 150 مليار دولار. وقدرت وزارة المالية العجز في ميزانية العام الجاري بنحو 35 مليار دولار.
عزوف عن المشاركة
وفي الوقت الذي تسرّع فيه الحكومة السعودية إجراءات عملية الاكتتاب، أعرب خبراء طاقة ومال عن قلقهم البالغ حيال عملية الطرح، خاصة بعد إعلان العديد من الصناديق السيادية الخليجية والعالمية عزوفها عن المشاركة، رغم دعوتها من قبل البنوك المديرة للاكتتاب.
وقال نائب الرئيس للصيرفة الاستثمارية في شركة الأهلي المالية، سلطان موسى، أمس، إن الحكومة السعودية تعمل على تسريع عملية الإدراج في الطرح العام الأولي لشركة أرامكو بالبورصة المحلية لتستغرق أسبوعين تقريباً. وقال إن شريحة المستثمرين من المؤسسات ستستغرق 14 يوماً والمستثمرين الأفراد ثمانية أيام.
ويعلق الخبير النفطي، عبد العزيز المرزوق، على عزوف صناديق عالمية عن الطرح، قائلاً لـ"العربي الجديد" إن صفقة طرح أرامكو للاكتتاب العام تُعَدّ أمراً محفوفاً بالمخاطر، خاصة إذا استمرت أسعار النفط العالمية على حالها، وسيكون من الصعب في السوق الحالية تحقيق أسعار تراوح بين 70 و80 دولاراً للبرميل، وهو السعر الذي تطمح إليه المملكة.
وأوضح المرزوق أن سوق النفط العالمي يشهد تقلبات حادة في الوقت الراهن بسبب الأوضاع غير المستقرة في المنطقة، وهو الأمر الذي يدعو إلى القلق تجاه المشاركة في اكتتاب عام لشركة نفطية، وهو ما أكدته بعض التقارير من صناديق سيادية خليجية اتخذت قراراً بالابتعاد عن الاستثمار النفطي، وراكمت أصولاً في قطاعات أخرى من باب التنويع بعيداً عن النفط وتقلبات أسعاره".
وفي إطار عزوف صناديق عالمية عن المشاركة في اكتتاب أرامكو، قال ينفا سلينجستاد، الرئيس التنفيذي لصندوق الثروة السيادي النرويجي، البالغ حجمه 1.1 تريليون دولار، وهو الأكبر في العالم، إن الصندوق لا يخطط للاستثمار في الطرح العام الأولي لأرامكو. وقال في تصريحات صحافية الأربعاء الماضي: "السعودية ليست جزءاً من مؤشرنا المرجعي".
وفي السياق نفسه، قال كيريل ديمترييف الرئيس التنفيذي لصندوق الاستثمار المباشر الروسي في تصريحات سابقة، إن صندوق الثروة السيادية الروسي لن يقوم باستثمار ضخم في الطرح العام الأولي لشركة أرامكو.
وخاطبت أرامكو حكومات في الخليج وآسيا، ومنها الحكومة الصينية، للحصول على الجانب الأكبر من الاستثمارات من بلدان لها علاقات طيبة مع السعودية، لكنَّ ردَّ الفعل تجاه الطرح العام للشركة أصابه الفتور.
وقال مصدر في الصندوق السيادي الكويتي في تصريحات سابقة لـ"العربي الجديد" إن الكويت ستشارك في عملية طرح شركة أرامكو السعودية، وذلك بعد دعوة تلقاها الصندوق من البنوك الاستثمارية الدولية المعنية بالترويج لطرح الأسهم والإدراج.
وتمارس حكومة الرياض ضغوطاً على مستثمرين سعوديين من أجل المشاركة في الطرح وإنجاحه، وحسب "فرانس برس"، أمس، حاولت السلطات تحفيز السوق المحلية على الاكتتاب في الشركة قبل عملية الطرح، وذلك عبر إقناع العائلات الثرية بشراء حصص، بينما روّجت وسائل إعلام محلية لعملية الشراء على أنّها عمل وطني.
مخاطر الطرح
ويتخوف مراقبون من أن تتحول عملية الاكتتاب في أرامكو إلى فخ للمستثمرين، في ظل المخاطر التي تحيط بعمليات الطرح.
وفي هذا الإطار، قال الخبير النفطي، ناصر العجمي، إن الاكتتاب في الشركة السعودية في هذا التوقيت مليء بالمخاطر، وذلك لعدة أسباب، منها تأجيل عملية الطرح أكثر من مرة، في ظل ضبابية المعلومات والهجمات المسلحة التي دمرت منشآت لأرامكو وعدم استقرار سوق النفط.
وأضاف: يشهد الاقتصاد السعودي تغييراً جذرياً، وهذا قد يؤدي إلى مزيد من الضرائب، وتقنين التجارة، وسنّ قوانين استثمارية جديدة، وهو ما يثير قلقاً بالغاً لدى المستثمرين.
وأشار العجمي إلى مخاطر مباشرة بسبب الطرح على الرياض، أبرزها سحب سيولة كبيرة من قطاعات وأسهم شركات كثيرة داخل السوق السعودي، ما سيحدث خللاً في السوق السعودي، وبالتالي موازنتها، وستحدث عملية الطرح تغييراً في ملكيات بعض الشركات العربية والأجنبية العاملة في قطاع النفط بالبلاد.
وقالت صحيفة "فايننشال تايمز"، إن وزير الطاقة السعودي، الأمير عبد العزيز بن سلمان، "يشعر الآن بضغوط جديدة ليستجيب لأهداف وليّ العهد". وأضافت الصحيفة: "لو أرادت المملكة موازنة ميزانيتها، وفي الوقت ذاته تحقيق السعر المناسب من إمكانية اكتتاب أرامكو، فإنه يجب أن يكون الهدف تحديد سعر لبرميل النفط بـ 70 دولاراً".
تضارب التقييم
ويرتقب أن تكون عملية الاكتتاب على مرحلتين: تبدأ الأولى في سوق الأوراق المالية السعودية "تداول" في ديسمبر/ كانون الأول المقبل، على أن تكون المرحلة الثانية في عام 2020 بإحدى البورصات العالمية.
وحققت أرامكو، في الأشهر التسعة الأولى من 2019، أرباحاً بقيمة 68 مليار دولار، وفقاً لما نقلته وكالة "بلومبيرغ" الأميركية عن مصادر مطلعة نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي، مقابل 111 مليار دولار في الفترة المناظرة من العام الماضي.
وعلى الرغم من أنّ ولي العهد حدّد، في مطلع 2016، تقييماً للشركة يصل إلى تريليوني دولار، فإنّ مصرفيين ومسؤولين في الشركة يقولون إنّ تقييم "أرامكو" يقترب من 1.5 تريليون دولار.
وأكدت "بلومبرغ"، أمس، موافقة السعودية على تقييم سعر شركة "أرامكو" للنفط بأقل من تريليوني دولار، بعد أن كانت مصممة على أنها تبلغ هذه القيمة.
وتسعى الرياض إلى أن يجمع الإدراج الأولي، لحصة اثنين بالمئة من الشركة في البورصة السعودية، ما يصل إلى 40 مليار دولار على الأقل.
وأكّدت شركة أرامكو في بيان صحافي، أمس الأحد، أنّه "سيُحدَّد سعر الطرح النهائي (سعر اكتتاب أسهم الطرح لجميع المكتتبين) في نهاية فترة بناء سجل الأوامر" دون أن تحدد موعداً لذلك.
ورأى رئيس شركة أرامكو، أمين الناصر، أن شركته "تسهم بثبات في أمن الطاقة العالمي"، موضحاً، أمس، أن "احتياطياتها المؤكدة من السوائل بلغت في نهاية عام 2018 أكثر من خمسة أضعاف احتياطيات شركات النفط العالمية الخمس الكبرى مجتمعة". وأرامكو، التي تضخّ نحو 10 في المائة من نفط العالم، هي الدعامة الرئيسية لاقتصاد المملكة واستقرارها الاجتماعي، حسب المراقبين.