أثارت عملات نقدية جديدة، طرحها البنك المركزي الجزائري نهاية فبراير/شباط الماضي، ارتباكا واسعا في القطاعات التجارية بالدولة، بعد أن رفض الكثير من التجار التعامل بها، في ظل تنامي المخاوف من تعرضها لعمليات تزوير واسعة، بينما أكد مسؤول كبير في البنك المركزي سلامة هذه النقود وجودة إصدارها.
وأرجع التجار عزوفهم عن تداول الأوراق النقدية الجديدة، لاسيما من فئتي ألف وألفي دينار، إلى رفض آلات عد الأموال، حساب هذه الأوراق.
في شارع "المنظر الجميل" المشهور بتجار الجملة في الضاحية الوسطى في الجزائر العاصمة، وضع التجار لافتات كتبوا عليها "لا نقبل الأوراق النقدية الجديدة".
وقال التاجر الذي عرف نفسه باسم تاج الدين إن "التجار في البداية كانوا يتعاملون بالأوراق الجديدة، لكن بعد مرور يومين ، بدأنا نلاحظ بعض الأمور الغريبة، أولا نوعية الحبر كانت باهتة، أما الأمر المخيف فهو عدم قراءة آلات عد الأموال لها، هنا بدأنا نتخوف من احتمال تداول أوراق مزورة".
وأضاف التاجر الجزائري لـ"العربي الجديد" أن "الكثير من التجار توجهوا نحو البنوك للتحقق من الأموال المتداولة، وأبلغتهم البنوك بأن الأموال المتداولة لا خوف منها".
غير بعيد من متجر تاج الدين، وضع محل آخر لافتة تشير إلى عدم التعامل بالأوراق النقدية الجديدة أيضا. وقال محمد أمين مالك المحل: "الأموال الجديدة المتداولة كأنها صنعت في الصين، كنا ننتظر أوراقا أقرب للدولار أو اليورو، فإذا بنا نجد أوراقا نقدية تشبه أوراق كراس أبنائي"، مضيفا: "حتى الزبائن يرفضون هذه الأموال، على الحكومة أن تهيئ المواطنين قبل طرح هذه الأموال".
وكان البنك المركزي قد طرح نهاية الشهر الماضي، أوراقا نقدية جديدة من فئة 500 و1000 و2000 دينار، وذلك لتعويض الأوراق القديمة.
وتحمل الأوراق الجديدة رسومات لمترو الجزائر والقمر الصناعي "الكوم سات" الذي أطلقته الجزائر قبل 3 سنوات، بالإضافة لبعض المنشآت التي تم تشييدها خلال الولايات الأربع للرئيس عبد العزيز بوتفليقة.
ودافع المركزي الجزائري عن الأوراق الجديدة، التي اعتبرها مطابقة للمواصفات المعمول بها عالمياً من حيث الجودة والحماية من التزوير.
وقال حمود عمارة، المدير العام لدار النقود التابعة للمركزي لـ"العربي الجديد" إن "نوعية الورق المستعمل هي الأفضل من حيث السعر والجودة ويتم استيراده من فرنسا، وجرت حماية هذه الأوراق بخط فضي على جهة اليسار، طبعت عليه صورة لمؤسس الدولة الجزائرية الأمير عبد القادر، ويصعب تزويرها، حيث إن التقنية المستخدمة في طباعتها هي نفسها المستعملة من طرف البنك الأوروبي في طباعة اليورو".
وحول عدم تمكن آلات عد الأموال، من حساب كميات الأوراق المالية الجديدة، أوضح عمارة أن "الفارق في وزن الأوراق المالية الجديدة والقديمة والذي يلامس 6 غرامات هو السبب في هذا الأمر، وبالتالي على مالكي آلات حساب الأموال ضبط الآلات على الوزن الجديد، وذلك بالتواصل مع البنوك لأخذ المواصفات الدقيقة".
وأضاف أن "البنك المركزي اتخذ كل الاحتياطات قبل طرح الأموال الجديدة، من خلال إجراء تجارب على آلات سحب الأموال وآلات العد، وكاشفات الأوراق المزورة وكل التجارب كانت ناجحة".
لكن أحد مسؤولي المطبعة الرسمية لبنك الجزائر المركزي، قال لـ"العربي الجديد" إن نسخ الأوراق النقدية تم إرسالها من طرف رئاسة الحكومة، ولم يستشَر البنك المركزي ولا خبراؤه.
وجاء طرح الأوراق النقدية الجديدة مفاجئاً، حيث لم يكشف عنها البنك المركزي، إلا قبل أسبوع من بداية تداولها، فيما منح مهلة عشر سنوات لسحب الأوراق المالية القديمة، الأمر الذي دعا خبراء مصرفيين إلى التساؤل حول الجدوى الاقتصادية من طرح الأموال الجديدة.
وقال الخبير المصرفي نبيل جمعة إن "طرح الأموال المالية الجديدة له أغراض سياسية أكثر منها اقتصادية، وذلك من خلال وضع إنجازات بوتفليقة عليها".
وأضاف جمعة لـ"العربي الجديد" أنه "عندما تطرح البنوك المركزية أوراقاً نقدية جديدة يكون الغرض هو امتصاص الأموال المتداولة في الأسواق الموازية وهو ما لم يحدث، حيث منح بنك الجزائر مهلة 10 سنوات لسحب الأموال القديمة، ما يعني أن الهدف ليس اقتصاديا".
وتقدر الكتلة النقدية المتداولة في الأسواق الموازية حسب الخبراء، بأكثر من 40 مليار دولار، فيما تؤكد الحكومة أنها لا تتعدى 30 مليار دولار.
وتتزامن عملية طبع أموال نقدية جديدة مع تمسك الحكومة الجزائرية بخيار التمويل غير التقليدي الذي سمح للمركزي الجزائري بطباعة ما يعادل 60 مليار دولار من العملة المحلية، لإقراضها للخزينة العمومية لسد العجز، على شكل سندات دين عام تمتد على خمس سنوات.