جاءت الضربة الأميركية باغتيال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، في العراق فجر الجمعة الماضي، لتصيب أسواق المال العالمية بالارتباك، وسط ترقب شديد لرد إيران التي تعهدت بالانتقام، ما ألقى بظلال سلبية على بورصة وول ستريت التي اندفعت مؤشراتها نحو الهبوط، بعد سلسلة من المكاسب القياسية في الأيام الماضية.
لكن المشهد لم يكن قاتما للجميع، ففي حين تعرضت أسهم الكثير من القطاعات للهبوط ومنها شركات الطيران، صعدت أسهم شركات النفط وتصنيع الأسلحة، التي استفادت من التوتر الجاري، بينما ازداد بريق الذهب لمعاناً باعتباره أحد أبرز الملاذات الاستثمارية أمانا في الظروف الراهنة.
فقد تراجعت المؤشرات الثلاثة الرئيسية في بورصة وول ستريت في ختام تعاملات، الجمعة، ليخسر مؤشر "داو جونز" الصناعي 235.4 نقطة، أو 0.82 بالمائة، كما هبط مؤشر "ستاندرد أند بورز500" الأوسع نطاقا 23 نقطة، أو 0.71 بالمائة، وانخفض مؤشر ناسداك المجمع 71.4 نقطة، أو 0.79 بالمائة.
وأنهى المؤشران "ستاندرد أند بورز 500" و"داو جونز" الأسبوع منخفضين 0.17 بالمائة و0.04 بالمائة على الترتيب، في حين صعد ناسداك وحيدا بنسبة 0.16 بالمئة على مدار الأسبوع. وهذا أول انخفاض أسبوعي للمؤشر "ستاندرد أند بورز 500" بعد خمسة أسابيع متتالية من المكاسب.
وتأثر المستثمرون بتوعد إيران برد قاس على اغتيال سليماني، وسط قلق من تصاعد الأزمة، لا سيما بعد أن طلبت السفارة الأميركية في العراق من كافة الأميركيين المتواجدين هناك مغادرة البلاد "بصورة فورية"، ثم قرار وزارة الدفاع الأميركية بإرسال 3500 جندي إضافي للمنطقة.
وفي ظل هذه الأجواء حلقت أسهم الدفاع والنفط خارج السرب، حيث صعدت أسهم شركات نورثروب غرومان للأنظمة الدفاعية بنسبة 5.4 في المائة، ولوكهيد مارتين بنسبة 3.6 بالمائة، بينما هبطت أسهم شركات الطيران اضطرارياً لتعد صاحبة أكبر خسائر في مؤشر "ستاندرد أند بورز 500"، حيث خسر سهم مجموعة أميركان أيرلاينز 5 بالمائة، وفقد سهم يونايتد أيرلاينز 2.1 بالمائة.
وتمتد مكاسب الأزمة إلى الذهب والنفط، حيث يتحول المستثمرون إلى الأصول الأكثر أماناً، ما دفع سعر أونصة الذهب إلى ارتفاع للجلسة الثامنة على التوالي، مسجلا 1594.2 دولارا، يوم الجمعة، بارتفاع 1.6 في المائة عن اليوم السابق، وهو أعلى مستوى يصل إليه المعدن النفيس منذ سبتمبر/ أيلول الماضي.
ويستفيد الذهب، مثل غيره من الأصول الاستثمارية الآمنة، في أوقات الضبابية السياسية. وعلى مدار الأسبوع الماضي، قفز الذهب أكثر من 2.5 بالمائة وهو أفضل مكاسبه الأسبوعية منذ أوائل أغسطس/آب، مواصلا الصعود لرابع أسبوع على التوالي. وتدعم المعدن النفيس أيضا بانخفاض الدولار الأميركي إلى أدنى مستوياته في شهرين أمام الين الياباني، الذي يعتبر ملاذا آمنا أيضا، مع تصاعد التوترات في الشرق الأوسط.
كما قفزت أسعار النفط إلى أعلى مستوى في أكثر من ثلاثة أشهر، متأثرا بمخاوف تصعيد الصراع في الشرق الأوسط ما قد يعطل إمدادات الخام من المنطقة. وأنهت عقود خام القياس العالمي مزيج برنت جلسة التداول، الجمعة الماضي، مرتفعة 2.35 دولار، أو 3.6 في المائة، لتبلغ عند التسوية 68.6 دولاراً للبرميل، بعد أن سجلت أثناء الجلسة 69.5 دولاراً، وهو أعلى مستوى منذ الهجوم الذي تعرضت له منشآت نفطية رئيسية في السعودية عطلت نحو نصف الإنتاج بشكل مؤقت في منتصف سبتمبر/أيلول الماضي.
كما صعدت عقود خام القياس الأميركي غرب تكساس الوسيط 1.87 دولار، أو 3.1 في المائة، لتسجل عند التسوية 63.05 دولارا للبرميل، بعد أن سجلت في وقت سابق من الجلسة أعلى مستوى منذ إبريل/ نيسان 2019 عند 64.09 دولارا.
ووجدت أسعار النفط دعما أيضا بعد بيانات حكومية، أظهرت أن مخزونات الخام في الولايات المتحدة، سجلت أكبر هبوط أسبوعي منذ يونيو/ حزيران من العام الماضي 2019.
ولم يستبعد محللون استمرار الارتفاع في أسعار النفط الخام، خوفاً من قيام إيران بالرد على مقتل سليماني، بضرب مواقع إنتاج النفط في بعض البلدان الحليفة للولايات المتحدة في المنطقة، أو على أقل تقدير إعاقة مرور السفن الناقلة للنفط عن طريق الخليج العربي.
ويوم الجمعة، نقلت وكالة رويترز عن مصادر في شركات نفط أجنبية قولها، إن العشرات من موظفيها الأميركيين في مدينة البصرة النفطية (جنوب العراق) يستعدون لمغادرة البلاد، فيما قالت وزارة النفط العراقية في بيان إن حقول النفط في أنحاء البلاد تعمل بصورة طبيعية ولا تأثير على الإنتاج أو الصادرات.
وتوقع مركز كابيتال ايكونوميكس للأبحاث أن ترتفع أسعار النفط إلى 150 دولاراً للبرميل، في حال إغلاق إيران لمضيق هرمز، الذي يمر منه ما يقرب من 20 بالمائة من تجارة النفط العالمية.
وفي خضم القلق الذي يسيطر على المستثمرين، يبدو أن لبنوك وشركات الاستثمار العالمية، رأيا آخر، حيث قلل البعض من تداعيات التوتر الحالي بين أميركا وإيران على أسواق الأسهم.
ورأى مانيش راج، المدير المالي في شركة فيلانديرا انرجي، ومقرها ولاية تكساس، أن الولايات المتحدة وضعت إيران في مأزق كبير، حتى أنها لا يوجد ما تخسره، "وبالتالي يمكن توقع ردها بخطوات غير عادية".
واعتبر راج أن الزيادة التي حدثت في سعر برميل النفط الأميركي متواضعة، حيث استند المتعاملون إلى افتراض أساسي يقوم على أن التصعيد سيستمر، إلا أنه لن يؤثر في إمدادات النفط أو حركته، مضيفا: "لو تأثرت إمدادات النفط بسبب أي تصرف من الطرفين، فسوف يقفز سعر برميل خام غرب تكساس إلى السبعينات (بين 70 و80 دولاراً)، وخام برنت إلى الثمانينات (بين 80 و90 دولارا)".
كما قللت حليمة كروفت، رئيس إدارة تداول السلع في "آر بي سي كابيتال ماركتس" في لقاء مع محطة سي ان بي سي، من تأثير النزاعات السياسية في الوقت الحالي على أسعار النفط "بسبب زيادة الإمدادات الأميركية في الأسواق"، مؤكدة أنه "لو حدث ذلك التصعيد قبل خمس سنوات، لقفزت أسعار النفط إلى أكثر من 100 دولار للبرميل".
وفي مذكرة لعملائه، اطلعت "العربي الجديد" عليها، استبعد مايك هايفيلي، مسؤول الاستثمار العالمي في بنك الاستثمار "يو بي اس"، استمرار الارتفاع في أسعار النفط، "حيث ستعوض القدرات الاحتياطية غير المستغلة لدول أوبك وروسيا، والبالغة 3.3 ملايين برميل يومياً، أي نقص في الإمدادات"، متوقعاً حدوث زيادة في المعروض بالسوق خلال العام الحالي 2020، من إنتاج الدول غير الأعضاء في منظمة أوبك، كالنرويج والولايات المتحدة، مع استمرار ضعف نمو الطلب العالمي.