كورونا تركيا: مهن تنتعش رغم الوباء

14 ابريل 2020
تأثرت معظم مهن القطاع الخدمي بتفشي الفيروس (الأناضول)
+ الخط -

بدأت آثار انتشار فيروس كورونا تظهر على نمط الحياة الاقتصادية والاجتماعية حول العالم، بعد حالات الإغلاق التي طاولت المدارس والجامعات ودور العبادة، وقلصت العمل بالدوائر الحكومية والخدمية إلى الحدود الدنيا.

وتأثرت معظم مهن القطاع الخدمي، ليأخذ الاقتصاد الرقمي معظم المهام، بعد أن تحولت معظم الأعمال إلى المنازل لتتم عبر الشبكة العنكبوتية.

وحافظت مهن كثيرة على أدائها إن لم نقل زادت من وتيرة الإنتاج وساعات العمل، لتسد حاجة المستهلكين، بعد التزامهم بالمنازل، وآثرت مهن الاستمرار رغم المخاطر لتمد المترقبين بالمعلومات والأخبار، ليبقى القطاع الطبي، أكثر المهن التي تمردت على حجر "كورونا" لتستمر بمقدمة المتصدين للانتشار والموت.

وفي هذه السطور نرصد أهم المهن والقطاعات التي استمرت أو زادت من عملها في تركيا رغم تفشي الفيروس: 

المنظفات والتعقيم

شهد قطاع صناعة المنظفات والكحول والمناديل، إقبالاً وانتعاشاً كبيرين خلال الشهر الأخير، الأمر الذي أدى لنفاد العديد من السلع من الأسواق وارتفاع أخرى بنسب مختلفة بحسب ما تؤكد مصادر لـ"العربي الجديد".

يشير عمر حسين العامل بمنشأة متخصصة بصناعة مواد التنظيف في ولاية غازي عنتاب، إلى أن الشركة وظفت عمالة جديدة الشهر الماضي "بعد أن زاد الطلب والعقود الداخلية والخارجية للشركة".


كما لجأت تركيا، نتيجة زيادة الطلب على الكولونيا والكحول الطبي، إلى المنشآت داخل السجون، حيث قالت مصادر إعلامية، إن إحدى ورشات العمل في سجن ولاية ديار بكر، جنوب شرق تركيا، قد زودت السوق التركية بمادة الكولونيا، بعد زيادة الاستهلاك أخيراً وإقبال الأتراك على تخزين هذه المادة.

وأفادت المصادر بأن ورشة سجن ديار بكر، ضاعفت إنتاجها من الكولونيا من 40 إلى 80 طنا يومياً وتخصيص 50 سجيناً ليواكبوا حاجة الأسواق ورفدها بالمادة.

القطاع الطبي

تزايدت الدعوات بتركيا لالتزام المنازل، حيث تزداد المخاوف بسبب ارتفاع عدد الإصابات، الأمر الذي فرض عبئاً إضافياً على عمل المشافي، بحسب ما يقول مدير مشفى "إسطنبول طب" نذير زرزور لـ"العربي الجديد".

ويفرّق الطبيب التركي بين المشافي التي تم تخصيصها كمشافي أوبئة وبين عموم المشافي الخاصة التي لم تخصها الحكومة التركية بتلك المهام حتى الآن، فالمشافي الخاصة التي لا تستقبل حالات كورونا ولا تقوم بفحوصات الإصابة، تَراجع عملها بنحو 60% عمّا كان عليه بالسابق، لأن مرضى الأسنان والعيون وغيرها، يكتفون بالاستشارات عن بعد أو تأجيل عيادتهم للمشافي خشية الإصابة.

ويضيف زرزور أن المشافي التي تعينت وبائية، زاد العمل فيها بأكثر من 30% بالنسبة للمشتبه بهم والمصابين بكورونا، في حين تراجع العمل بالنسبة للمرضى العاديين.

ويؤكد أنه "لايمكن قياس عمل المشافي كباقي القطاعات وخاصة لجهة الجدوى والربح والخسارة، فالمشافي على سبيل المثال، تبقي على ساعات العمل على مدار الأربع والعشرين ساعة وفق نظام الورديات كما لا يمكن تقليل العمالة أبداً".

ويلفت مدير المشفى إلى أن الخسائر التي تمنى بها المشافي اليوم "كبيرة جداً" لأنها تدفع الأجور والفواتير وقليلا ما تستقبل مرضى، ولا يمكن لأي صاحب مشفى أن يغلقه كما المنشآت الأخرى "فنحن بحرب مع الوباء ولا يمكن الانسحاب قبل التغلب عليه".

قطاع الأدوية

كما بقيت الصيدليات من المهن المستمرة وبالصفوف الأولى لمواجهة وباء كورونا، خاصة خلال أيام الانتشار الأولى التي شهدت "هجمة كبيرة" على مواد التعقيم والكمامات بحسب ما تقول هديل صاحبة إحدى الصيدليات بمنطقة الفاتح بإسطنبول.

وتشير الصيدلانية التركية إلى أن العمل زاد خلال الشهر الأخير بنحو 30% لجهة المبيع العام، لكنه زاد أكثر من 100% بالنسبة للطلب على المعقمات والكمامات وبعض الأدوية.
وأكدت لـ"العربي الجديد" أن "بعض الأدوية ومواد التعقيم نفدت من الصيدلية كفيتامين سي والكمامات وبدائل المناعة، وأخرى تضاعفت أسعارها مثل الكولونيا والكحول الطبي وفيتامين دال والزنك، كما زاد سعر القفازات من 14 إلى 45 ليرة وعلبة الكمامات من 20 إلى 140 ليرة والكحول من 20 إلى 60 ليرة تركية".

وحول ساعات العمل والاحتياطات داخل الصيدلية، تفيد هديل بأن "الصيدلية تعمل لعشر ساعات يومياً عدا أيام المناوبة التي تكون على مدار 24 ساعة، مع اتخاذ جميع الإجراءات الوقائية".

ولم تشكُ تركيا حتى اليوم من نقص حقيقي بمستلزمات الوقاية أو مشاكل بمواجهة الفيروس بحسب ما يؤكد عضو اللجنة العلمية التركية، الطبيب إلهامي تشيليك مبيناً أن فترة الذروة خلال الأسبوعين المقبلين والأسبوع الجاري حرجة جدا ومصيرية في صراع الفيروس، وستتغلب بلاده على الفيروس منتصف مايو/أيار المقبل.

وطمأن تشيليك الأتراك خلال تصريحات قائلا، إنه لا يوجد في تركيا أية مشاكل في مواجهة الفيروس، وإن الدواء الذي أحضر من الصين لعلاج مرضى كورونا له دور مؤثر في تخفيف تأثيرات الفيروس، إلا أنه يحتاج وقتا للقضاء عليه تماما وبشكل نهائي.

شركات التوصيل

لعل قطاع الخدمات المنزلية من أكثر القطاعات التي انتعشت خلال الفترة الأخيرة، فبعد تكفل البلديات التركية بتوصيل الغذاء والدواء لمن هم فوق الخامسة والستين عاماً، وتخصيص الولايات التركية أرقاما ساخنة لهذه الأغراض، بدأت الشركات التجارية بالتسابق لتقديم خدمة "واصل إلى المنزل".

ودخلت شركات جديدة على خط خدمة التوصيل مثل السلاسل التجارية "ميكروس" و"شوك"، حيث أعلنت الأخيرة قبل أيام عن حاجتها لتوظيف 5 ألاف عامل لإيصال المنتجات للمنازل من دون احتساب إضافات إلى السعر، بحسب ما أعلن المدير التنفيذي للشركة، أووغور ديميريل.

كما وسعت بعض المحال التركية من عمالتها، بهدف توصيل الاحتياجات للملتزمين منازلهم، بحسب ما يقول أوزدان ديميرجي صاحب محال بإسطنبول لـ"العربي الجديد"، مؤكداً أن معظم المحال والماركات بتركيا لديها خدمة التوصيل أو التسوق عن بعد ولكن تمت التوسعة الآن والاستعانة بشباب للتوصيل نتيجة زيادة الطلب.

ويرى الاقتصادي التركي خليل أوزون أن طبيعة المرحلة وسعت من مهنة "خدمة التوصيل للمنازل" كما أوقفت مهناً أخرى، وربما يتغير النمط الاقتصادي برمته إذا استمر الوباء" الذي سيقلل من التنقل وحتى الحاجة للسفر ليتم إنجاز بعض الأعمال، وليس الخدمات فقط، من المكاتب والمنازل".

ولفت الاقتصادي التركي خلال تصريحه لـ"العربي الجديد" أن بنية الاقتصاد وترتيب الكبار سيتغير، وربما يظهر رجال أعمال وأثرياء جدد، ترتبط أسماؤهم بمدى المسؤولية الاجتماعية، وليس وفق حجم الثروة كما كانت تصنف مجلة "فوربس" الأميركية.

مخابز ومطاعم

تفاوت تأثير انتشار فيروس كورونا على المنشآت الغذائية بشكل عام، ففي حين زاد إنتاج معامل المعكرونة أضعاف كميات الإنتاج، تراجع أداء المطاعم عموماً، بعد أن منعت تركيا الجلوس داخل قاعات المطاعم بحسب ما يقول عماد أبو شام، صاحب مطعم بإسطنبول لـ"العربي الجديد".

ويؤكد أن العمل تراجع بين 50 و70% لكن المطاعم لم تغلق، بل اقتصر العمل على البيع مباشرة أو التوصيل للمنازل دون الجلوس بالمطعم، حيث فرضت السلطات مخالفة الجلوس على الطاولة بنحو 3800 ليرة تركية.

وتمردت الأفران بالمقابل على فيروس كورونا ولم تغلق أبوابها، وإن تراجع الإنتاج قليلا بحسب صاحب فرن بمنطقة بيرم باشا بإسطنبول، حسام حميداني.

ويقول حميداني لـ"العربي الجديد" إن الإنتاج تراجع بين 20 و30% نتيجة تراجع طلب المطاعم واعتماد بعض الأسر على الخبز بالمنازل، مشيراً إلى أن سعر الخبز لم يرتفع.

ويؤكد صاحب الفرن أن إسطنبول يوجد بها 27 فرنا سوريا لم يغلق منها أي فرن، خلال انتشار فيروس كورونا، والحال ينسحب على نحو 220 فرنا تقدم الخبز السوري والعربي وخبز الدايت والشعير والذرة في عموم الولايات التركية.

مهنة المتاعب

وطاولت آثار انتشار فيروس كورونا الإعلام المطبوع، حيث توقفت العديد من الصحف عن الإصدار الورقي وتحولت إلى النسخ الإلكترونية، بينما آثر الإعلام المرئي استمرار البث ليزيد من دوره التوعوي كما تقول مقدمة الأخبار وبرنامج "مؤشر الحدث" بتلفزيون سورية بإسطنبول، نور الهدي مراد.

وتضيف أن الإعلام من القطاعات التي تزدهر وتزداد الحاجة لها خلال الأزمات، كالحروب والأوبئة، ويلوذ الناس بوسائل الإعلام لمعرفة ما يجري، لذلك من الطبيعي أن يستمر الصحافيون في العمل خلال أزمة كورونا، وربما بشكل أكثر من المعتاد.

وتشير الإعلامية مراد لـ"العربي الجديد" أن للعمل في التلفزيون خصوصية إذ من الصعب الحصول على المنتج النهائي على الشاشة فنيًا وصحافيًا، من دون وجود القائمين على مراحله المتعددة في مكان واحد، وعلى أجهزتهم، ولو بأقل نصاب ممكن.

وتضيف أن المذيع بالأحرى من الصعب أن يقوم بعمله إلا من الإستديو، لذلك "نستمر بالتجمع والإنتاج مع أخذ الاحتياطات الصحية" لأن علينا مهام عامة تجاه المتلقي، وخاصة بالنسبة للسوريين بالمناطق الخارجة عن سيطرة النظام، إن لجهة نقل معاناتهم أو المساهمة بنشر التوعية حول الوباء.

وتلفت المقدمة التلفزيونية إلى أن عدد ساعات الدوام وأيامه، قد قلت لتخفيف الاحتكاك وتقليل عدد الموظفين المجتمعين، وتم منع دخول الضيوف إلى المبنى وصارت الاستضافات عبر خدمة "سكايب" أو الأقمار الصناعية، لكن التلفزات من المهن التي واجهت الوباء ولم تغلق كقطاعات كثيرة.

وحول آثار تراجع ساعات العمل على أجور الإعلاميين بالتلفزيون، تضيف مراد، إلى الآن لم تتغير أجور الموظفين حتى الذين يعملون من المنازل، وهناك خطة للتعامل مع احتمالية الحظر الشامل للتجوال، تقضي بمناوبات مغلقة لمجموعات من الموظفين لمدة أسبوعين داخل مبنى التلفزيون، من أجل استمرار البث والبرامج.

دلالات