استأنفت فرق من بريطانيا والاتحاد الأوروبي اليوم السبت المحادثات المباشرة بشأن اتفاق التجارة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، حيث بدا الجانبان متشائمين بشأن التوصل إلى اتفاق في الوقت القليل الباقي.
وعاد كبير مفاوضي الاتحاد الأوروبي ميشيل بارنييه، إلى لندن للقاء نظيره البريطاني ديفيد فروست. وعقدت المحادثات تقريباً خلال الأسبوع الماضي، حيث أكمل بارنييه فترة العزلة الذاتية بعد أن ثبتت إصابة أحد أعضاء فريقه بفيروس كورونا.
تفشي كوفيد -19 هو مجرد تعقيد واحد في المفاوضات التي لا تزال عالقة بشأن القضايا الرئيسية، بما في ذلك حقوق الصيد وقواعد المنافسة العادلة. وقال بارنييه يوم الجمعة إن المحادثات عن بعد لم تحرز سوى تقدم ضئيل، وإن "الخلافات الكبيرة نفسها لا تزال قائمة".
وغادرت المملكة المتحدة الاتحاد الأوروبي في وقت مبكر من هذا العام، لكنها ظلت جزءاً من الحضن الاقتصادي للكتلة خلال فترة انتقالية استمرت 11 شهراً، حيث حاول الجانبان التفاوض على اتفاقية تجارة حرة جديدة لتصبح سارية المفعول في الأول من يناير/ كانون الثاني.
تجاوزت المحادثات بالفعل تاريخ نوفمبر/ تشرين الثاني الذي ينظر إليه منذ فترة طويلة على أنه موعد نهائي لتأمين اتفاق في الوقت المناسب حتى تجري الموافقة عليه والتصديق عليه من قبل المشرعين في بريطانيا والاتحاد الأوروبي، وفق أسوشييتد برس.
إذا لم يكن هناك اتفاق، فسيجلب يوم رأس السنة الجديدة اضطراباً كبيراً، مع فرض تعريفات جمركية وغيرها من العوائق أمام التجارة بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي بين عشية وضحاها. سيؤذي ذلك كلا الجانبين، لكن العبء سيقع بنحو أكبر على عاتق بريطانيا، التي تقوم بما يقرب من نصف تجارتها مع الاتحاد الأوروبي.
بينما يريد الجانبان صفقة، إلا أن هناك خلافات جوهرية بشأن ما تنطوي عليه. يتهم الاتحاد الأوروبي المؤلف من 27 دولة بريطانيا بالسعي إلى الاحتفاظ بالوصول إلى السوق الشاسعة للكتلة دون الموافقة على التزام قواعدها، ويريد ضمانات صارمة بشأن معايير "تكافؤ الفرص" التي يتعين على المملكة المتحدة الوفاء بها للتصدير إلى الاتحاد الأوروبي.
تدعي المملكة المتحدة أن الاتحاد الأوروبي يفشل في احترام استقلالها ويطالب بمطالب لم يضعها على الدول الأخرى التي أبرمت معها اتفاقيات تجارة حرة مثل كندا.
للتوصل إلى اتفاق، سيتعين على الاتحاد الأوروبي كبح مطالبه بشأن استمرار الوصول إلى مياه الصيد في المملكة المتحدة، ويجب أن توافق بريطانيا على بعض التوافق مع قواعد الاتحاد، وهي قضايا صعبة بالنسبة إلى السياسيين من الجانبين.
قال رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون للزعيم الايرلندي ميشيل مارتن يوم الجمعة إنه لا يزال ملتزماً "التوصل إلى اتفاق يحترم سيادة المملكة المتحدة"، حسبما قال مكتب جونسون.
في ما يأتي آخر نقاط الخلاف الثلاث التي ما زالت تعرقل إبرام اتفاق وتثير مخاوف من احتمال عدم التوصل إلى تفاهم بحلول نهاية العام وفق تقرير لفرانس برس:
صيد السمك
كان الأوروبيون قد وعدوا باتفاق سريع بشأن صيد السمك لتهدئة صياديهم الذين يخشون أن يخسروا إمكانية دخول المياه البريطانية الغنية بالسمك.
لكن تصلب المواقف على ضفتي بحر المانش جعل التوفيق بين الطرفين صعباً. فالجانب الأوروبي يصرّ على إبقاء الوضع على ما هو عليه في ما يتعلق بدخول هذه المياه، ولندن تريد سيطرة كاملة وتحديد حصص يجري التفاوض عليها كل سنة.
وهذا النشاط لا يمثل سوى جزء ضئيل من اقتصاد الدول الـ27 والمملكة المتحدة، إذ يصطاد الأوروبيون ما قيمته 635 مليون يورو كل عام في المياه البريطانية، والبريطانيون 110 ملايين في مياه الاتحاد الأوروبي.
ومع ذلك تبقى هذه القضية قابلة للانفجار ومسيَّسة جداً من قبل عدد قليل من الدول الأعضاء (فرنسا وإسبانيا وبلجيكا وهولندا والدنمارك وإيرلندا).
أما البريطانيون، فأدركوا الفائدة التي يمكن أن يجنوها من هذا الملف في المفاوضات.
وباتت الدول الـ27 متفقة على أن الوضع لا يمكن أن يبقى على حاله، وقد يقوم كبير المفاوضين الأوروبيين ميشال بارنييه، بصياغة اقتراح لعرضه على لندن في الأيام المقبلة.
لكن أي خسارة أوروبية في المياه البريطانية يفترض أن يُعوَّض عنها بخسارة بريطانية في المياه الأوروبية.
المنافسة
الاتحاد الأوروبي على استعداد لتقديم اتفاقية تجارية غير مسبوقة إلى لندن بدون رسوم جمركية أو حصص، لكن دون أن يسمح بأن يتطور على أبوابه اقتصاد غير منضبط قد ينافسه بشكل غير نزيه.
لا يمكن مثلاً السماح للمملكة المتحدة بالتسبب بمزيد من التلوث، بينما يتعين على المنتجين في القارة احترام معايير بيئية صارمة. وللمفوضية الأوروبية طلب واحد بشأن البيئة، وكذلك قانون العمل أو الشفافية الضريبية، وهو أن يتعهد البريطانيون بعدم تقليصها.
لكنها تدعو أيضاً إلى وضع "بند للتطور" لتحسين هذه المعايير الدنيا على مرّ الوقت، لتبقى "قواعد اللعبة" عادلة. ومن بين الإمكانات أن يقترح كل طرف عمليات تحديث يمكن الاتفاق عليها بعد ذلك.
ويذهب الاتحاد الأوروبي أبعد من ذلك في موضوع يقلقه بشكل خاص، وهو المساعدات الدولة. فهو يخشى أن تدعم المملكة المتحدة بقوة شركاتها واقتصادها بينما القواعد الأوروبية صارمة جداً في هذا المجال.
وقد يكون الحل وضع آلية للتشاور يبلغ في إطارها كل طرف الطرف الآخر بخططه للدعم المالي وحتى تحديد قواعد مشتركة.
وفي حال وجود خلاف حول بعض المعايير، يرغب الاتحاد الأوروبي في أن يكون قادراً على اللجوء إلى تدابير مضادة أحادية الجانب وفورية مثل الرسوم الجمركية.
لكن المفوضية الأوروبية تحذّر من أنها لن تقبل نهجاً "انتقائياً" من شأنه أن يسمح للمملكة المتحدة بالتخلي عن قواعد معينة، على حساب رسوم جمركية قد تكون لندن مستعدة لقبولها.
الحوكمة
لم تتوصل لندن وبروكسل بعد إلى اتفاق بشأن "حوكمة" الاتفاق المستقبلي، ولا سيما الآليات التي يجب وضعها في حال حدوث نزاع.
وإنجاز النص المقبل قانوناً أساسي للأوروبيين منذ مشروع القانون البريطاني الأخير الذي يشكك في أجزاء معينة من المعاهدة السابقة المبرمة بين الطرفين، وهي اتفاقية الانسحاب التي تحكم مغادرة المملكة المتحدة في 31 كانون الثاني/ يناير والفترة الانتقالية التي تنتهي في نهاية العام الجاري.
ألحق هذا التغيير ضرراً كبيراً بثقة المفوضية في بريطانيا.
ويتفاوض الطرفان على آلية لتسوية المنازعات، أي محكمة للتحكيم في حال خرق الاتفاقية على غرار ما هو موجود في معاهدات تجارية أخرى في العالم.
من جهة أخرى، يمكن المفوضية الأوروبية أن تقدم تنازلاً عن رغبتها في أن تؤدي محكمة العدل الأوروبية التي تتخذ من لوكسمبورغ مقراً لها، دوراً في هذه العملية في أي مسألة تتعلق بالقانون الأوروبي.
في مواجهة تحفظات لندن، تدرس المفوضية الآن إمكانية عدم ذكر محكمة العدل الأوروبية في النص المستقبلي وتجنب أي إشارة إلى "قانون المجتمع"، وفقاً لعدة مصادر أوروبية.