تواجه المصانع السودانية واقعاً مؤلماً ومستقبلاً مقلقاً، إذ يؤكد عدد من أصحاب المصانع أن تزايد الضرائب والرسوم دفعهم إلى وقف تجديد رخص التشغيل باتجاه التوقف التدريجي عن الإنتاج.
وقال المدير التنفيذي لاتحاد الغرف الصناعية أحمد عبيد إن 46 رسماً وضريبة تدفعها المصانع المحلية، ما أدى إلى تجاوز المصانع المتوقفة عن العمل نسبة 24% من إجمالي المصانع المسجلة هذا العام. وانتقد التعرفة الجمركية الصفرية لمجموعة "الكوميسا" التي تضم 22 دولة أفريقية، والتي تعمل على إغراق الأسواق بالسلع المستوردة، لافتاً إلى أن أسعارها أقل من المنتج المحلي مما يشكل تهديدا كبيراً للصناعة السودانية.
وتعزز مشاكل الرسوم والضرائب وأزمة الطاقة وعدم استقرار سعر الصرف ونقص التمويل المصرفي وغياب قانون تنمية الصناعة وتداخل الاختصاصات القومية والولائية، معاناة الصناعة في السودان. ورأى اقتصاديون أن تحرير أسعار وقود المصانع أخيراً حقق للحكومة هامش ربح بلغ 800 مليون جنيه حيث ساهم المبلغ في زيادة الصرف الحكومي وارتفاع سعر الدولار.
وقالوا إنه نتيجة لتحرير أسعار الوقود اتجه القطاع الصناعي إلى السوق السوداء للحصول على الدولار، ما ساهم في رفع الأسعار ثلاثة أضعاف، فيما غالبية السياسات تتناقض مع النظريات الاقتصادية لتطوير ودعم القطاع الصناعي.
وأوضح الخبير الاقتصادي مصطفى محمد صالح في حديث مع "العربي الجديد" أن أثر الضرائب والرسوم المفروضة على قطاع الصناعات التحويلية في السودان أصبح كبيراً. ولفت إلى أن الزيادات المتصاعدة للأكلاف في ظل غياب الفلسفة الاقتصادية تؤدي إلى تباطؤ الإنتاج الصناعي وتهدد قدرة المصانع على البقاء والاستمرار وتؤثر سلباً على تدفقات الموارد المالية للخزينة العامة للدولة. وأوصى بضرورة استكمال البناء التشريعي للقوانين ذات الصيغة الاقتصادية، وإعادة النظر في كافة التشريعات الولائية وربطها مع منظومة البناء التشريعي والاقتصادي الاتحادي، مع إعادة النظر بقانون ضريبة الإنتاج مع ضرورة وجود سياسات صناعية بالموازنات العامة لتفادي الآثار السالبة على القطاع.
وتساءل عن ماهية الأسباب والدواعي المنطقية لفرض ضريبة على ضريبة القيمة المضافة، والتي تضعف رأس المال التشغيلي للمصانع. وأضاف "ما زلنا نتعامل مع مشكلات القطاع الصناعي بأسلوب عشوائي، لذا لن تمضي الصناعة قدمًا". وقال إنه في ظل الاضطراب الحاصل "لن نستطيع التحدث عن خطط وبرامج للقطاع".
ولفت إلى مشكلات تتعلق بالوقود والكهرباء، مما يشكل ضغطا كبيراً على تكلفة الإنتاج. وشدد على أن تعدد الرسوم والضرائب أضعف القدرة التنافسية للمنتجات المحلية، مطالباً الجهات ذات الصلة بوضع خارطة طريق للنهوض بالقطاع الصناعي. بدوره، لفت الاقتصادي في مركز البحوث الصناعية محمد الجاك إلى ضرورة وضع سياسات واضحة لدعم الإنتاج الصناعي. وقال إنه لا يمكن تحقيق تقدم صناعي بلا بنى تحتية صلبة.
وأكد على أهمية توفر الطاقات المحركة للقطاع الصناعي خاصة الطاقة، مطالبا بضرورة توفيرها ودعمها من جانب الدولة لضمان انخفاض تكلفة المنتجات. واعتبر ان تكلفة الإنتاج في السودان مرتفعة "لذلك نعاني من إغراق كبير للسلع المستوردة في الأسواق الداخلية".
وتابع أنه "يوجد ترهل في الصناعة، وضعف في تنظيم الأسواق، وعدم ملائمة الإنتاج مع الحاجات المحلية". من جهته، أشار عبدالله الطيب العربي أستاذ العلوم الإدارية في جامعة السودان، إلى عدم توافر استثمار حقيقي في السودان. وقال إن قوة الاستثمار تظهر في زيادة الصادرات وقوة سعر العملة الوطنية، لكنْ هذان العنصران يواجهان التدهور.
وشرح: "نسمع كثيرا عن دخول مستثمرين إلى السوق ولكننا لا نرى في المقابل تزايداً في الإنتاج والتصدير". واعتبر مصدر في حديث مع "العربي الجديد" أن تكلفة الإنتاج في السودان عالية نتيجة للمعوقات حيث تعاني منها الأسواق خاصة مع إغراقها بالسلع المستوردة، داعياً إلى ضرورة توضيح السياسات وتوفير البنى التحتية والطاقة اللازمة لتحريك القطاع.
وانتقد الضرائب غير المباشرة، والتي تفرض على المنشآت الصناعية، والتي ليست لها علاقة بتكاليف النشاط الصناعي ووصفها بـ"الظالمة". وقال إن الرسوم تؤثر سلباً على حجم رأس المال التشغيلي وتتسبب بتصاعد أسعار المنتجات في ظل عدم توفر الموارد المالية، فيما من المعيب أن تلجأ الدولة إلى إرهاق القطاع الصناعي في ظل الأزمات الحاصلة.