لأنها الأقل كلفة والأكثر ربحاً، توجه بعض منتجي الدراما السورية والعربية، خلال السنوات القليلة الماضية، إلى إنتاج مسلسلات طويلة، تتجاوز بعدد حلقاتها الثلاثين حلقة، على نمط المسلسلات التركية والمكسيكية. وتأتي قلة التكاليف على خلفية اعتماد منتج العمل تصوير ساعات طويلة في موقع واحد، ما يعني التقشف، مقارنة بالمسلسلات التي تغطي بحلقاتها الشهر الواحد، ويتطلب إنتاجها الوجود في أكثر من مكان ولفترات قصيرة.
غير أن أسباب ظهور مسلسلات طويلة كهذه، تتجاوز مسألة الوقوف عند رغبة ومصالح المنتجين وحدهم، إلى إمكانية أن تخلق هذه الأعمال سوقاً درامية جديدة، خارج الموسم الرمضاني المتعارف عليه، وتحويل هذه المسلسلات إلى ظاهرة قائمة بذاتها، بعد تحديدها بمعايير فنية عربية. وذلك لأن الكثيرين يضعونها في خانة العدوى الفنية التي انتقلت من الدراما التركية والمكسيكية والهندية إلى العربية، ويصفونها بالطفرة الآنية، على اعتبار أنها غير نابعة من حاجة السوق الدرامية العربية.
والحقيقة، أن هذه المسلسلات الطويلة، جاءت على خلفية حاجة الفضائيات إلى تغطية ساعات بثّها الطويلة، وملئها بما يوفر التسلية والمتعة، ما يجعل التساؤل حول المستوى الفني لهذه الأعمال، أسئلة مشروعة، وبالتحديد من زاوية علاقة الكم بالنوع؛ فهل يؤثر إنتاج الساعات الدرامية الطويلة، والتي تبدو أحياناً بدون هدف أو إطار دلالي معين، على السوية الفنية ونوعية تلك الأعمال، خاصة وأن الكثير من الأعمال الدرامية الطويلة غير العربية، اعتمدت في سبيل إنجازها على تكرار المشاهد واجترار الكليشهات المعروفة، وأحيانا اللجوء إلى الثرثرة في الحوارات والصور، من أجل كسب الوقت وتمديد عمر الحلقات. وهو أمر قد تنجر إليه التجربة العربية في هذا المجال، رغبة في الاستغناء عن ذات الصنف المستورد ودبلجته.
لكن يبقى العائق الأكبر أمام التجربة العربية في هذا المجال، نظرتها إلى العمل الدرامي الطويل كفرصةٍ عملٍ لا أكثر، ولا بد من استثمارها واستغلالها إلى أبعد حد، حتى وإن كان على حساب المعايير الفنيّة وقوّة العمل وتماسكه. وقد بان هذا الاتجاه مع مسلسلات طويلة اتبعت استراتيجية التركيز على الحلقات الأولى، وتنفيذها بالشكل اللائق، بحيث تبدو منسجمة في علاقة العناصر الفنية وتفاعلاتها، ما يورط المشاهدين عاطفياً مع العمل، يتبعها الدخول في مرحلة الاستعجال وحشو المشاهد وتكرارها، وغلبة "الكليشيهات" المعتادة.
الواضح، أن مقاربة العلاقة بين الكم والنوع، في الأعمال الدرامية، لا تكتمل إلا بفهم علاقة العرض بالطلب أوّلاً. فهاجس الربح والخسارة المادية، يهيمن على كل الأعمال الدرامية، على اعتبار أنها تنتِج صناعة قبل أن تكون فناً وإطاراً إبداعيّاً. لذلك، فإن مغامرة المسلسلات الطويلة قد تفرض شروطاً جديدة على صنّاع الدراما، خاصة إذا كَثُرَت العروض وقلّ الطلب على تلك النوعية من المسلسلات.
لكن قبل كل الحسابات الفنية والمادية، والبحث في عوامل ومسببات النجاح أو الفشل في أي عمل درامي، بات من الأهمية التساؤل حول جاهزية المشاهد في منطقتنا اللاهبة، لمتابعة مسلسلات "مارثونية" في أعداد حلقاتها. إذ بات رأس المواطن العادي في دوامة الحياة المعاصرة ومتطلباتها، وهي بقدر تسارعها وتتدافعها إلا أنها تنحو باتجاه رفع الشأن الآني والمتسارع، وقلما يجد المواطن المسكين، الوقت اللازم للاسترخاء ومتابعة التلفزيون.
اقــرأ أيضاً
غير أن أسباب ظهور مسلسلات طويلة كهذه، تتجاوز مسألة الوقوف عند رغبة ومصالح المنتجين وحدهم، إلى إمكانية أن تخلق هذه الأعمال سوقاً درامية جديدة، خارج الموسم الرمضاني المتعارف عليه، وتحويل هذه المسلسلات إلى ظاهرة قائمة بذاتها، بعد تحديدها بمعايير فنية عربية. وذلك لأن الكثيرين يضعونها في خانة العدوى الفنية التي انتقلت من الدراما التركية والمكسيكية والهندية إلى العربية، ويصفونها بالطفرة الآنية، على اعتبار أنها غير نابعة من حاجة السوق الدرامية العربية.
والحقيقة، أن هذه المسلسلات الطويلة، جاءت على خلفية حاجة الفضائيات إلى تغطية ساعات بثّها الطويلة، وملئها بما يوفر التسلية والمتعة، ما يجعل التساؤل حول المستوى الفني لهذه الأعمال، أسئلة مشروعة، وبالتحديد من زاوية علاقة الكم بالنوع؛ فهل يؤثر إنتاج الساعات الدرامية الطويلة، والتي تبدو أحياناً بدون هدف أو إطار دلالي معين، على السوية الفنية ونوعية تلك الأعمال، خاصة وأن الكثير من الأعمال الدرامية الطويلة غير العربية، اعتمدت في سبيل إنجازها على تكرار المشاهد واجترار الكليشهات المعروفة، وأحيانا اللجوء إلى الثرثرة في الحوارات والصور، من أجل كسب الوقت وتمديد عمر الحلقات. وهو أمر قد تنجر إليه التجربة العربية في هذا المجال، رغبة في الاستغناء عن ذات الصنف المستورد ودبلجته.
لكن يبقى العائق الأكبر أمام التجربة العربية في هذا المجال، نظرتها إلى العمل الدرامي الطويل كفرصةٍ عملٍ لا أكثر، ولا بد من استثمارها واستغلالها إلى أبعد حد، حتى وإن كان على حساب المعايير الفنيّة وقوّة العمل وتماسكه. وقد بان هذا الاتجاه مع مسلسلات طويلة اتبعت استراتيجية التركيز على الحلقات الأولى، وتنفيذها بالشكل اللائق، بحيث تبدو منسجمة في علاقة العناصر الفنية وتفاعلاتها، ما يورط المشاهدين عاطفياً مع العمل، يتبعها الدخول في مرحلة الاستعجال وحشو المشاهد وتكرارها، وغلبة "الكليشيهات" المعتادة.
الواضح، أن مقاربة العلاقة بين الكم والنوع، في الأعمال الدرامية، لا تكتمل إلا بفهم علاقة العرض بالطلب أوّلاً. فهاجس الربح والخسارة المادية، يهيمن على كل الأعمال الدرامية، على اعتبار أنها تنتِج صناعة قبل أن تكون فناً وإطاراً إبداعيّاً. لذلك، فإن مغامرة المسلسلات الطويلة قد تفرض شروطاً جديدة على صنّاع الدراما، خاصة إذا كَثُرَت العروض وقلّ الطلب على تلك النوعية من المسلسلات.
لكن قبل كل الحسابات الفنية والمادية، والبحث في عوامل ومسببات النجاح أو الفشل في أي عمل درامي، بات من الأهمية التساؤل حول جاهزية المشاهد في منطقتنا اللاهبة، لمتابعة مسلسلات "مارثونية" في أعداد حلقاتها. إذ بات رأس المواطن العادي في دوامة الحياة المعاصرة ومتطلباتها، وهي بقدر تسارعها وتتدافعها إلا أنها تنحو باتجاه رفع الشأن الآني والمتسارع، وقلما يجد المواطن المسكين، الوقت اللازم للاسترخاء ومتابعة التلفزيون.