كان ميدان التحرير يغلي بالثورة، جميع فئات المجتمع تتوافد إليه، لا فرق بين مصري وآخر إلا بالوطنية ومطالب التغيير المعلنة: عيش، حرية، عدالة اجتماعية. ثم جاء توافد أعداد قليلة من مشاهير الفنانين إلى الميدان مبكراً ليمثل دعماً كبيراً للمتظاهرين الذين حملوا أرواحهم على أكفهم، أملاً في مستقبل أفضل. بينما وقف آخرون في وجه الثورة تأييداً للاستبداد وأملاً في الحفاظ على مكاسبهم التقليدية التي اعتادوا جني ثمارها في أحضان السلطة.
بعد ذلك التاريخ المجيد الذي هبّ فيه المصريون، ولّت أحداث وأحداث، وتدخلّت السياسة والتوازنات والضغوط لتغير من براءة المشهد النبيل، فصار الواقع أكثر تعقيداً. وحين سرقت ثورة يناير في 2013، لم يكن مصير الفنانين الثوريين واحداً؛ فما الذي جرى لأبرز فناني الميدان بعد هذه السنوات؟
بسمة
بعد عام واحد من ثورة يناير أعلن الوسط الفني عن زواج الفنانة بسمة بالسياسي المعارض عمرو حمزاوي، وربما كان ذلك الزواج تتويجاً للموقف المشترك لأصحاب الميدان. ظهور بسمة في الميدان جعل الصحافة السياسية تقوم بنبش ذاكرة الماضي، وإلقاء التهم بالصهيونية والعمالة عليها بحجة أن جدها الحقوقي العمالي يوسف درويش (1910-2006)، كان يهودياً من طائفة القرائيين، ودرويش هو مؤسس الحزب الشيوعي المصري، وقد أعلن إسلامه سنة 1947، وكان مناهضاً للحركة الصهيونية، وقد ظل في مصر يمارس العمل السياسي معظم سني عمره.
قدمت بسمة عدداً من الأعمال القليلة بعد الثورة، من بينها مسلسل "أهل الإسكندرية" للمؤلف بلال فضل، والممنوع من العرض بسبب ما يتضمنه من نقد سياسي. بسمة التي تعرضت لهجوم شديد بسبب مشاركتها في الثورة المصرية اختفت عدة سنوات عن الأنظار؛ ثم أعلنت أنها تراجعت قليلا عن الاهتمام بالسياسة. وقالت في بعض اللقاءات الإعلامية مؤخراً إنها شاركت في الثورة، كملايين المصريين الذين شاركوا رغبة في التغيير، ورغبة في أن تكون مصر أفضل، وكذلك شاركت في المظاهرات ضد جماعة الإخوان في 30 يونيو، قائلة: "شاركت كبقية المصريين، لكن لا شأن لي بالسياسة، وندمت على انغماسي لفترة بها".
عمرو واكد
كان عمرو واكد، وهو خريج كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، من أبرز الفنانين الذين شاركوا في الثورة في يومها الأول، ثم شارك في أحداث يونيو 2013، وعندما آل الأمر إلى النظام الحالي، استمر موقف واكد في معارضته وسخريته من الاستبداد. من أعماله التي تتحدث عن استبداد جهاز الشرطة وأسباب الثورة فيلم "الشتا اللي فات" (2013). ومن أشهر مواقفه بعد الثورة تصريحه بأنه يرفض التعامل مع الفنانين المصريين الذين وقفوا في وجه الثورة المصرية، وأطلق عليهم اسم "شلة مصطفى محمود"، نسبة إلى ميدان مصطفى محمود الذي كان يتظاهر فيه أنصار مبارك. وإضافة لأفلامه المصرية فإن لعمرو واكد مشاركات في أفلام عالمية متميزة إلى جانب نجوم كبار مثل جورج كلوني، وأليساندرو غاسمان، وسكارليت جوهانسون وغيرهم.
أحمد عيد
عُرف أحمد عيد بموقفه الصلب والحاسم في تأييد ثورة يناير واعتبارها الثورة الشعبية الوحيدة، وقد عانى من جراء هذا الموقف كثيراً حيث اختفت أعماله بعد انتصار الثورة المضادة في 2013، ولم يصدر له سوى فيلم واحد هو "ياباني أصلي" 2017. رفض عيد منذ اللحظة الأولى المشاركة في 30 يونيو. واكتفى بشرف المشاركة في ثورة يناير وتحمل عواقب هذا الشرف.
خالد أبو النجا
يراه كثيرون من الأيقونات الثورية. اضطر للخروج من البلاد نتيجة مواقفه المناوئة للسيسي، ومناداته بالديمقراطية. انهالت عليه الصحافة الموالية للنظام بالشتائم وتشويه شخصه وأسرته، شارك أبو النجا في فيلم أميركي باسم (Civic Duty) عرض عام 2007، مع بيتر كراوس وكاري ماشيت وريتشارد شيف. حصل على العديد من الجوائز الفنية، وهو أيضاً من الباحثين المتميزين في مجال الهندسة، وقد شارك في برنامج تصميم المركبات الفضائية في المملكة المتحدة. خالد أبدع وأثبت أنه لم يتخل عن ثورة يناير حينما أصدر في عام 2017 فيلم "بائع البطاطا"، الذي يدور حول شاب مصري يحقق ويبحث في قضية مقتل طفل كان يبيع البطاطا في ميدان التحرير أثناء الثورة.
خالد الصاوي
انتشرت صورة خالد الصاوي في وسائل الإعلام وهو يهتف محمولاً على الأعناق ضد الظلم والاستبداد. وعلى عكس كثير من الفنانين الذين وقفوا مع الثورة؛ فإن الصاوي زادت أعماله بعد الثورة. ولم يظهر تراجعاً عن إيمانه بالثورة. وهو شاعر ومن قصائده التي تكلم فيها عن مبارك والتوريث والثورة:
ثلاثين سنة يا شيخ حرام/ جَوَّك أليم/ شكلك قديم
لأ والأكادة إنك حترحل بعد عمر.. طويل.. طويل/ وتسيبلنا الواد الرزيل/ يلعب في باقي عمرنا
شوف الدماغ بنت الحرام/ يا شيخ حرام
خالد النبوي
الممثل المصري خالد النبوي أيضاً من أشهر الممثلين الذين شاركوا في الثورة ولا يزال حتى اليوم يعبّر عن مواقفه المعارضة لنظام عبد الفتاح السيسي. وقد انتشرت صوره في ميدان التحرير وهو يهتف بين الجماهير ضد مبارك. واخيراً نشر صوراً له من أكثر من محافظة مصرية وهو يدعو العالم لزيارة مصر، وكان مرتدياً "تي شيرت" عليها صور من ثورة 25 يناير. والنبوي أيضاً من الممثلين الذي عرفوا العالمية.
وإضافة إلى هؤلاء الفنانين، آثر آخرون الخروج من مصر، حيث التحقوا بالمعارضة في الخارج، ومنهم من أصبحت له أعمال إعلامية وفنية في مقاومة نظام 30 يونيو، مثل هشام عبد الله ومحمد شومان ووجدي العربي وهشام عبد الحميد. كما أن هناك من ابتعد عن الأضواء بصورة كبيرة جداً بعد المشاركة في الثورة ثم الانقلاب عليها مثل تيسير فهمي، وشريهان، وجيهان فاضل، ومحسنة توفيق، وغيرهن.