لوهلة، يبدو Le Mans 66، أو "فورد ضد فيراري"، كما العنوان التجاري الأميركي، فيلماً رياضياً تقليدياً للغاية، يتابع بالضبط المراحل المعتادة في أفلام هذا النوع، للحظة فوز ختامية، يتوقّعها المُشاهد منذ البداية. لكنه، خلف هذا الشكل الخارجي، يروي مخرجه جيمس مانغولد أموراً أعمق من قصّة انتصار أميركي مكرّرة، مستغلاً هذا القالب لتمرير أفكار أخرى أكثر هجائية.
يُمكن قراءة الفيلم باعتباره صراعاً بين الشغف والمؤسّسة، في عالم يحكمه رأس المال. وهذا أصل التنافس بين شركتي "فورد" الأميركية و"فيراري" الإيطالية. يمكن التعامل معه أيضاً ببُعدٍ ذاتي، كرحلة شخص موهوب، يحاول تثبيت وجوده في ظلّ تحكم آلة إنتاج عملاقة بكلّ شيء، تماماً كالبطلين الحقيقيين للحكاية، كِنْ مايلز (كريستيان بايل) وكارّول شيلبي (مات دايمون) في سباق السيارات، في ستينيات القرن الـ20، أو كالمخرج مانغولد، وعلاقته باستوديوهات هوليوود اليوم.
ينطلق الفيلم في بداية الستينيات الفائتة، مع خسائر تتكبّدها شركة "فورد" لصناعة السيارات، ومحاولة هنري فورد الثاني (ترايسي لاتس)، ابن مؤسّس الشركة، الحفاظ على إرث أبيه. وسيلته سمعة ودعاية سيحقّقهما إنْ تفوّق على شركة "فيراري"، الناجحة في سباق السيارات "لو مان"، الذي تفوز به سنوياً. لهذا الهدف، يستعين فورد الابن بشيلبي، المتسابق القديم، ومصمّم السيارات الحالي، الذي يُقرّر أن الشخص المناسب لمساعدتهما في التفوّق على "فيراري"، هو السائق الموهوب مايلز، فيبدآن معاً رحلة طويلة، لا يعوقهما فيها شيء، كما بيروقراطية "شركة فورد" وقوانينها وتحكّمها ومديروها.
ما يلفت الانتباه ويجعل الفيلم مختلفاً، أنّه يسرد الصراع من منظور "شركة فورد"، برئيسها ومصمّم سياراتها وسائقها، فيكون انحياز المتفرّج إلى هذه الجهة. لكن مانغولد يتعامل بتعاطف شديد مع شخصية إنزو فيراري (ريمو غيروني) وشركته، بإظهار مقارنة مستترة منذ البداية بخصوص كيفية تحرّك كل شيء في "شركة فورد"، بالحديث عن المال والسيطرة والشكل، الذي يُصدّر المرء نفسه بها للعالم. هذا يؤثّر لاحقاً في مسار الأحداث، حين يُمنع مايلز من خوض سباق عام 1963، لأنّه "غير مناسب كواجهة للشركة"، بينما تبدو الفيراري مرادفاً للشغف والجمال، وللشركة الصغيرة الناشئة، التي تتحدّى شركات عملاقة، في ظلّ سيطرة الرأسمالية.
والفيلم، في لحظات كثيرة، يُثير شعوراً بأنّ المكان المناسب لموهبتي شيلبي ومايلز هو "شركة فيراري" لا "شركة فورد". تفصيل يتجلّى قبيل الختام، في تحية عابرة، يقوم بها إنزو تجاه مايلز. المثير للانتباه أن وجهة النظر هذه، عن سرد القصة من منظور طرف في مقابل تعاطف أكبر مع الطرف الآخر، تعطي الفيلم لمحة قوية من الأصالة والاختلاف عن الأفلام الرياضية، رغم استخدام القالب نفسه للبناء، وتجعله فيلمَ هجاءٍ لأميركا، لا العكس.
الأمر الآخر المختلف هو طريقة تعامل مانغولد مع شخصيتيه الرئيسيتين، وتفاعلهما مع "الشركة العملاقة"، أي شيلبي ومايلز، بأداء ممتاز وكيمياء مشتركة جبارة بين دايمون وبايل، الموهوبين والشغوفين، والمتشاركين في صفاتٍ كثيرة. لكنهما مختلفان في أوقات الضغط. فحين يحاول شيلبي مواءمة الشركة، ورغبات مديريها في الحفاظ على المشروع الأكبر، يكون مايلز، منذ اللحظة الأولى، حاداً وحرّاً وصدامياً، كأنّه فنان معتدّ بنفسه، يرفض تدخّل صاحب المال، ما يمنح الفيلم بُعداً عن كيفية التعامل مع متطلبات "الآلة الإنتاجية" أمام رغبة الفنان وروحه.
اقــرأ أيضاً
وهذا يُسهّل ربطه بمانغولد، والعقبات التي تواجهه في مسيرته، قبل بلوغه وضعاً فنياً أفضل نسبياً، وأشهرها تحكّم الاستوديو بإخراجه The Wolverine عام 2013، الفاشل فنياً وتجارياً، قبل الموافقة على منحه حرية أكبر في أثناء إخراجه Logan عام 2017، الناجح بشدّة، إلى درجة أنّه بات أهم أفلام الأبطال الخارقين في الأعوام الأخيرة.
ونظراً إلى هذا، فإن أحد الجوانب الجميلة والقراءات اللافتة للانتباه في "فورد ضد فيراري"، هو التعبير الذاتي عن أزمة المبدع أمام سلطة رأس المال.
يُمكن قراءة الفيلم باعتباره صراعاً بين الشغف والمؤسّسة، في عالم يحكمه رأس المال. وهذا أصل التنافس بين شركتي "فورد" الأميركية و"فيراري" الإيطالية. يمكن التعامل معه أيضاً ببُعدٍ ذاتي، كرحلة شخص موهوب، يحاول تثبيت وجوده في ظلّ تحكم آلة إنتاج عملاقة بكلّ شيء، تماماً كالبطلين الحقيقيين للحكاية، كِنْ مايلز (كريستيان بايل) وكارّول شيلبي (مات دايمون) في سباق السيارات، في ستينيات القرن الـ20، أو كالمخرج مانغولد، وعلاقته باستوديوهات هوليوود اليوم.
ينطلق الفيلم في بداية الستينيات الفائتة، مع خسائر تتكبّدها شركة "فورد" لصناعة السيارات، ومحاولة هنري فورد الثاني (ترايسي لاتس)، ابن مؤسّس الشركة، الحفاظ على إرث أبيه. وسيلته سمعة ودعاية سيحقّقهما إنْ تفوّق على شركة "فيراري"، الناجحة في سباق السيارات "لو مان"، الذي تفوز به سنوياً. لهذا الهدف، يستعين فورد الابن بشيلبي، المتسابق القديم، ومصمّم السيارات الحالي، الذي يُقرّر أن الشخص المناسب لمساعدتهما في التفوّق على "فيراري"، هو السائق الموهوب مايلز، فيبدآن معاً رحلة طويلة، لا يعوقهما فيها شيء، كما بيروقراطية "شركة فورد" وقوانينها وتحكّمها ومديروها.
ما يلفت الانتباه ويجعل الفيلم مختلفاً، أنّه يسرد الصراع من منظور "شركة فورد"، برئيسها ومصمّم سياراتها وسائقها، فيكون انحياز المتفرّج إلى هذه الجهة. لكن مانغولد يتعامل بتعاطف شديد مع شخصية إنزو فيراري (ريمو غيروني) وشركته، بإظهار مقارنة مستترة منذ البداية بخصوص كيفية تحرّك كل شيء في "شركة فورد"، بالحديث عن المال والسيطرة والشكل، الذي يُصدّر المرء نفسه بها للعالم. هذا يؤثّر لاحقاً في مسار الأحداث، حين يُمنع مايلز من خوض سباق عام 1963، لأنّه "غير مناسب كواجهة للشركة"، بينما تبدو الفيراري مرادفاً للشغف والجمال، وللشركة الصغيرة الناشئة، التي تتحدّى شركات عملاقة، في ظلّ سيطرة الرأسمالية.
والفيلم، في لحظات كثيرة، يُثير شعوراً بأنّ المكان المناسب لموهبتي شيلبي ومايلز هو "شركة فيراري" لا "شركة فورد". تفصيل يتجلّى قبيل الختام، في تحية عابرة، يقوم بها إنزو تجاه مايلز. المثير للانتباه أن وجهة النظر هذه، عن سرد القصة من منظور طرف في مقابل تعاطف أكبر مع الطرف الآخر، تعطي الفيلم لمحة قوية من الأصالة والاختلاف عن الأفلام الرياضية، رغم استخدام القالب نفسه للبناء، وتجعله فيلمَ هجاءٍ لأميركا، لا العكس.
الأمر الآخر المختلف هو طريقة تعامل مانغولد مع شخصيتيه الرئيسيتين، وتفاعلهما مع "الشركة العملاقة"، أي شيلبي ومايلز، بأداء ممتاز وكيمياء مشتركة جبارة بين دايمون وبايل، الموهوبين والشغوفين، والمتشاركين في صفاتٍ كثيرة. لكنهما مختلفان في أوقات الضغط. فحين يحاول شيلبي مواءمة الشركة، ورغبات مديريها في الحفاظ على المشروع الأكبر، يكون مايلز، منذ اللحظة الأولى، حاداً وحرّاً وصدامياً، كأنّه فنان معتدّ بنفسه، يرفض تدخّل صاحب المال، ما يمنح الفيلم بُعداً عن كيفية التعامل مع متطلبات "الآلة الإنتاجية" أمام رغبة الفنان وروحه.
ونظراً إلى هذا، فإن أحد الجوانب الجميلة والقراءات اللافتة للانتباه في "فورد ضد فيراري"، هو التعبير الذاتي عن أزمة المبدع أمام سلطة رأس المال.