قبل وباء "كورونا"، أي عام 2019، كانت السينما المصرية أشبه بالهرم الطبقي: على السطح، هناك فيلمان تجاوزت إيراداتهما 100 مليون جنيه مصري، للمرّة الأولى في تاريخ الصناعة السينمائية المصرية: "الفيل الأزرق 2" لمروان حامد، و"ولاد رزق 2" لطارق العريان. تليهما أفلام عدّة مُنتجة في العام نفسه، تجاوزت إيرادات كلّ واحد منها 60 مليون جنيه مصري: "الممر" لشريف عرفه، و"كازبلانكا" لبيتر ميمي و"نادي الرجال السرّي" لخالد الحلفاوي.
4 من الأفلام الـ5 تلك يتبوأ ممثلان فيها "دور البطولة"، هما أحمد عز وكريم عبد العزيز، وتتوفّر لها إمكانات مادية ودعائية تليق ربما بكونها "أفلام بلوك باستر Blockbuster مصرية".
في المقابل، كلّما تحرّك هذا الهرم إلى أسفل، أي إلى أفلام أقل تجارية وأكثر استقلالية وجدّية ومحاولة لخلق رؤية فنية، أصبح الوضع السينمائي أكثر مأسوية، في الجوانب كلّها، بدءاً من مشكلة الرقابة، الضاغطة على الفنانين في كلّ لحظة: قراءة السيناريو، ملاحظات عنيفة تتعلّق بأي موضوع فيه شبهة جدّية أو علاقة بالثورة المصرية. بهذا، يُصبح الفنانون، بعد 9 أعوام على حدثٍ تاريخي بهذا القدر من الضخامة والتأثير، غير قادرين على التفاعل معه أو مع معطياته، بشكل مباشر. كأنّ هناك محاولة لمحوه من الذاكرة الفنية والجمعية.
هناك مرحلة ما بعد السيناريو: تضييقات بخصوص التصوير في الشارع. عدم إصدار تصريحات لأسماء معيّنة. منع عرض فيلم سينمائي إذا لم يكن محتواه ملائماً لـ"هوى الدولة"، أو لم يكن صنّاعه ملائمين لهذا الهوى، كما حصل مع "آخر أيام المدينة" (2016) لتامر السعيد، الممنوع من العرض منذ 3 أعوام. بالإضافة إلى ذلك، هناك مشاكل الإنتاج، والسيولة المادية، والانحسار الشديد في عدد شركات الإنتاج السينمائي، واقتصارها على كيانات عملاقة. حتّى إذا قامت شركات سينمائية بجهود صغيرة، فإنّها تلاحق بمشاكل وعقبات، حفاظاً على سياسة الصوت الواحد، وخوفاً من سردية فنية متماسكة إزاء ما حدث في الأعوام الأخيرة، بعد "ثورة 2011".
ثم أتى الوباء، فأُغلقت الصالات السينمائية، وتوقّفت الكاميرات عن التصوير، وتمّ تأجيل المشاريع كلّها إلى وقتٍ لاحق. لكن المستقبل ضبابي تماماً. كيف سيكون وضع السينما المصرية بعد تجاوز أزمة "كورونا"، وهي أزمة غير مسبوقة؟ هناك سيناريوهان محتملان، من دون وضوح أيهما سيكون الأكثر واقعية: الأول: سيزداد الوضع سوءاً، إذْ تشير توقّعات اقتصادية إلى أنّ الأغنياء سيتجاوزون الأزمة بخسائر محدودة، بينما سيُطحن الفقراء. أما السينما، بهرمها الطبقي أيضاً، فربما لن تشذّ عن هذا: الكيانات الكبرى ستحافظ على استثماراتها، وستقدّم أفلاماً ضخمة مع نجومٍ كبار وتكلفة بعشرات ملايين الجنيهات المصرية.
أما الذي سيُعرض، فهو عدد أقلّ من الأفلام التجارية. في المقابل، سيتضاءل الهامش المتاح للفنانين أكثر فأكثر. وكما مرّ عام 2019 من دون فيلم مصري واحد في مهرجانات سينمائية كبرى، وفي "مهرجان القاهرة السينمائي الدولي" أيضاً، فهذا ربما يستمرّ أعواماً مقبلة بسبب كارثة "كورونا". الثاني أكثر تفاؤلاً وأقل منطقية، لكنّه وارد الحدوث: تمنح الأزمة الفنانين حدثاً ضخماً آخر يتفاعلون معه بشكل حقيقي، ويبحثون في ملامحه، وفي تفاعلهم معه بعد الثورة. حدث عالمي، بصبغة غير سياسية، ما يجعل التضييقات الرقابية والرسمية تقلّ كثيراً.
بطبيعة الوباء ـ كفيروس ينتشر عبر التلامس، ويجعل الشوارع خالية، ويفرض على الناس العزلة في بيوتهم ـ يُعطي أفكاراً وحكايات قابلة للتنفيذ بإمكانات مالية ضئيلة. ببساطة: أنتَ تحتاج إلى عشرات آلاف الناس في الميادين، لبثّ صورة عامة عن الثورة، لكنّ شارعاً واحداً لا أحد فيه يحكي الكثير عن "كورونا".
اقــرأ أيضاً
في المقابل، كلّما تحرّك هذا الهرم إلى أسفل، أي إلى أفلام أقل تجارية وأكثر استقلالية وجدّية ومحاولة لخلق رؤية فنية، أصبح الوضع السينمائي أكثر مأسوية، في الجوانب كلّها، بدءاً من مشكلة الرقابة، الضاغطة على الفنانين في كلّ لحظة: قراءة السيناريو، ملاحظات عنيفة تتعلّق بأي موضوع فيه شبهة جدّية أو علاقة بالثورة المصرية. بهذا، يُصبح الفنانون، بعد 9 أعوام على حدثٍ تاريخي بهذا القدر من الضخامة والتأثير، غير قادرين على التفاعل معه أو مع معطياته، بشكل مباشر. كأنّ هناك محاولة لمحوه من الذاكرة الفنية والجمعية.
هناك مرحلة ما بعد السيناريو: تضييقات بخصوص التصوير في الشارع. عدم إصدار تصريحات لأسماء معيّنة. منع عرض فيلم سينمائي إذا لم يكن محتواه ملائماً لـ"هوى الدولة"، أو لم يكن صنّاعه ملائمين لهذا الهوى، كما حصل مع "آخر أيام المدينة" (2016) لتامر السعيد، الممنوع من العرض منذ 3 أعوام. بالإضافة إلى ذلك، هناك مشاكل الإنتاج، والسيولة المادية، والانحسار الشديد في عدد شركات الإنتاج السينمائي، واقتصارها على كيانات عملاقة. حتّى إذا قامت شركات سينمائية بجهود صغيرة، فإنّها تلاحق بمشاكل وعقبات، حفاظاً على سياسة الصوت الواحد، وخوفاً من سردية فنية متماسكة إزاء ما حدث في الأعوام الأخيرة، بعد "ثورة 2011".
ثم أتى الوباء، فأُغلقت الصالات السينمائية، وتوقّفت الكاميرات عن التصوير، وتمّ تأجيل المشاريع كلّها إلى وقتٍ لاحق. لكن المستقبل ضبابي تماماً. كيف سيكون وضع السينما المصرية بعد تجاوز أزمة "كورونا"، وهي أزمة غير مسبوقة؟ هناك سيناريوهان محتملان، من دون وضوح أيهما سيكون الأكثر واقعية: الأول: سيزداد الوضع سوءاً، إذْ تشير توقّعات اقتصادية إلى أنّ الأغنياء سيتجاوزون الأزمة بخسائر محدودة، بينما سيُطحن الفقراء. أما السينما، بهرمها الطبقي أيضاً، فربما لن تشذّ عن هذا: الكيانات الكبرى ستحافظ على استثماراتها، وستقدّم أفلاماً ضخمة مع نجومٍ كبار وتكلفة بعشرات ملايين الجنيهات المصرية.
أما الذي سيُعرض، فهو عدد أقلّ من الأفلام التجارية. في المقابل، سيتضاءل الهامش المتاح للفنانين أكثر فأكثر. وكما مرّ عام 2019 من دون فيلم مصري واحد في مهرجانات سينمائية كبرى، وفي "مهرجان القاهرة السينمائي الدولي" أيضاً، فهذا ربما يستمرّ أعواماً مقبلة بسبب كارثة "كورونا". الثاني أكثر تفاؤلاً وأقل منطقية، لكنّه وارد الحدوث: تمنح الأزمة الفنانين حدثاً ضخماً آخر يتفاعلون معه بشكل حقيقي، ويبحثون في ملامحه، وفي تفاعلهم معه بعد الثورة. حدث عالمي، بصبغة غير سياسية، ما يجعل التضييقات الرقابية والرسمية تقلّ كثيراً.
بطبيعة الوباء ـ كفيروس ينتشر عبر التلامس، ويجعل الشوارع خالية، ويفرض على الناس العزلة في بيوتهم ـ يُعطي أفكاراً وحكايات قابلة للتنفيذ بإمكانات مالية ضئيلة. ببساطة: أنتَ تحتاج إلى عشرات آلاف الناس في الميادين، لبثّ صورة عامة عن الثورة، لكنّ شارعاً واحداً لا أحد فيه يحكي الكثير عن "كورونا".
بشكل عام، يُمكن لهذا التفكيك الضخم ـ الحاصل في المناحي كلّها للحياة، ومنها السينما والعلاقة بين الفنان والسلطة، وبين الفنان وجهات الإنتاج ـ أنْ يمنح أملاً في مساحات مُغايرة، وفرصاً غير متوقّعة، على عكس ما كان عليه الوضع قبل الوباء. هذان السيناريوهان متطرّفان. كلّ واحدٍ منهما يقع في ناحية، وله أسبابه ومنطقه. بينهما، هناك سيناريوهات أخرى أكثر توازناً. لكنّ المؤكّد أنّ تلك اللحظة الكبرى لن تبقي الوضع على حاله، فهو سيتغيّر، إلى الأسوأ أم إلى الأفضل؟ لا أحد يعلم. لكن التغيير أكيدٌ.