الكاميرا الخفية العربية: من البساطة إلى السادية وإهانة الضيوف
أصل حكاية الكاميرا الخفية... لم تكن بهذا السوء
بدأت قصة الكاميرا الخفية في الأربعينيات من القرن الماضي مع برنامج Candid Camera، كان يُعرض عبر التلفزيون الأميركي، ويوقع الضحايا في فخ مقالب تتسم بالبساطة والطرافة.
تقول صحيفة "يو إس إي توداي" إن هذا البرنامج ليس أصل الكاميرا الخفية فقط، بل هو أبو جميع برامج تلفزيون الواقع بأنواعها. مدرسة أسسها ألين فونت في الراديو أولاً عام 1947 تحت عنوان Candid Microphone، قبل القفز إلى التلفزيون في عام 1948. بعد ذلك تم عرض إصدارات مختلفة من البرنامج على كل شبكة رئيسية في أميركا، وأُطلقت نسخ منه في أوروبا وأستراليا.
عربياً، بدأت قصة برامج الكاميرا الخفية في عام 1983 عبر التلفزيون المصري. وقال مخرج العمل، إسماعيل يسري، في لقاء تلفزيوني، إن أول كاميرا خفية في العالم العربي كانت فكرة المنتج طارق نور، وإنها أخذت ست سنوات في محاولة العمل عليها.
ومثل نظيرتها في الغرب، دخلت الكاميرا الخفية بيوت العرب كفقرة بسيطة وظريفة وسهلة الهضم، مقلب خفيف ينهي الحلقة على ابتسامة ومشاعر إيجابية.
الكاميرا الخفية العربية اليوم: اتهامات بالسادية والإساءة للمجتمع والدول
لم تعد برامج المقالب تكتفي بترك بسمة وشعور جيد، بل رفعت الإيقاع والإثارة مع السنوات، أضافت الدم والضرب والصراخ والهلع وفنون التعذيب، وباتت أعصاب الضيف/الضحية تُدفع إلى حدها الأقصى حتى الانهيار.
وفي العالم العربي، كلما ذُكرت المقالب والسادية جاء اسم رامز جلال إلى الأذهان كـ"أيقونة" لهذا النوع من المحتوى.
هذا العام مثلاً، تنوعت الاتهامات الموجهة إلى "رامز مجنون رسمي"، بين إهانة الضيوف والنرجسية والسادية والتلذذ بتعذيب الغير، حتى إن مستشفى الصحة النفسية في مصر طالب بإيقاف بث البرنامج.
وصحيح أن رامز جلال هو بمثابة "أيقونة" لما يوصف بالسادي من أنواع المقالب، إلا أن هذا النموذج توسع في أكثر من بلد عربي.
وفي أكثر من بلد عربي، باتت الكاميرا الخفية عنواناً للجدل بسبب ما يوصف بإهانة فئات من المجتمع أو بلدان بأكملها.
وفي الجزائر، تسبّب برنامج المقالب "أنا وراجلي" الذي تعرضه قناة "نوميديا" بضجة واسعة بسبب فكرته التي تدور حول تقديم امرأة كهدية لأعزب، ما اعتُبر مهيناً للمرأة.
واستجابت سلطة ضبط السمعي البصري في الجزائر للمطالبات الشعبية بالتدخل لوقف بث البرنامج، ووجهت إنذاراً إلى القناة.
أما في تونس، فقد وجد برنامج الكاميرا الخفية "الملك"، الذي يُبث على قناة "حنبعل" التونسية، نفسه أمام فوهة غضب مغربي، بعدما اعتبر المغاربة أن سيناريو المقلب ينطوي على إهانة للعاهل المغربي، الملك محمد السادس، وولي العهد، والتقاليد الملكية المغربية.
وتسبب الضغط بخروج قناة "حنبعل" ببيان تحدث عن "حرصها على متانة العلاقات التونسية المغربية وصفائها، وأنّها لا تقبل بأيّ حال من الأحوال أن تكون أداة للإساءة إلى العادات والمؤسسات المغربية التي يجب أن تظل فوق كل المزايدات"، وفق تعبيرها.
موّال كل عام يكرّر نفسه
إنه ليس الموسم الرمضاني الأول الذي تثير فيه الكاميرا الخفية الجدل والغضب، بينها سلسلة رامز جلال، من "رامز قلب الأسد" إلى "رامز مجنون رسمي"، مروراً بـ"ثعلب الصحراء"، "عنخ آمون"، "قرش البحر"، "واكل الجو"، "بيلعب بالنار"، "تحت الأرض"، "تحت الصفر"، و"رامز في الشلال".
وفي رامز وغيره من البرامج الشبيهة، في كل سنة، يتكرر نفس الموال، يعتبرها معلقون سادية أو مسيئة، يشنون حملة عليها، تُرفع الدعاوى ويتحدث الإعلام، وينتهي الموسم بمشاهدات عالية وإعلانات كثيفة تدرّ أموالاً كثيرة، ثم تعود في موسم جديد مع تشكيلة أخرى من أسباب الجدل والشعور بالإساءة.
ما هو السبب العلمي وراء نجاح المقالب والكاميرا الخفية؟
يرى الخبراء أن هناك أسباباً علمية ونفسية واجتماعية تجعل الناس مهووسين بهذا النوع من البرامج. "برامج المقالب غذاء الغرور وإثبات الذكورة"، يقول عالِم الجريمة في جامعة ديربي، توني بلوكلي، في حديث إلى مجلة "فايس".
ويوضح أن الرغبة في إخافة شخص هي نتاج مجتمع مهووس بالإثارة، حيث أصبحت الصدمة وسيلة لإثبات الذات. عندما يخيف أحدٌ ما شخصاً آخر، فإن الأول يشعر بأنه حقق شيئاً، ويتغذى غروره و"الإيغو" الشخصي الخاص به، "في حالة تخويف شخص ما، أنت تؤكد قوتك وسيطرتك عليه".
ويؤكد العالِم أن ممارس المقلب لا يرى الضحية كـ"بشر"، ولا يحاول ذلك، فهو "يرى ذلك الشخص وسيلة لتحقيق غايته فقط، هناك درجة من النرجسية وقلة الشفقة".
وعند مشاهدة برامج المقالب، يلاحظ أن أغلب مرتكبيها هم من الرجال، وأن معظم الضحايا من النساء. يرى بلوكلي أن المقالب هي وسيلة للرجال للحفاظ على مركزهم المهيمن في المجتمع، خصوصاً في ثقافة تشجع سلوك الذكور العدواني والمسيطر.
ويشير توني بلوكلي إلى مفهوم "السادية اليومية"، موضّحاً أنّها عبارة عن وصف يُنسب إلى الأعمال السادية العرضية، من ألعاب الفيديو العنيفة إلى السرقة والتلاعب. يبقى الخيط الثابت بينها هو المتعة المستمدة من معاناة الآخرين.
وفي عام 2012، أجرت أخصائية علم النفس، إرين باكليس، دراسة حول ما إذا كان "الأشخاص العاديون" قادرين على القيام بالأعمال السادية أم لا.
تطوع 78 من الطلاب الجامعيين للدراسة، تم منحهم الاختيار بين الوظائف الصعبة وغير السارة، والاختيار بين قتل الحشرات أو المساعدة في قتل الحشرات، أو تنظيف المراحيض، أو غمر أيديهم بالماء البارد المثلج.
اختار أكثر من 53 في المئة من المتطوعين قتل الحشرات أو المساعدة في قتلها. اختار المشاركون طحن الحشرات حتى الموت.
لاحظت الدراسة أنه كلما ازداد عدد الحشرات التي قتلها المختَبَرون، زادت سعادتهم. ربما يفسر هذا تصاعد مستويات جنون المقالب مع السنوات، من مقالب طارق نور الخفيفة في الثمانينيات، إلى ما يوصف بالسادية في "رامز مجنون رسمي".