يبدو أنّ حمّى القتلة المتسلسلين، غادرت الولايات المتحدة، ومضت لتطاول بلداناً أوروبية، لا نعرف الكثير عن مجتمعاتها ومشاكلها الاجتماعية إلّا القليل، بل ما نعرفه أكثر عنها، أنّها مجتمعات تحيا بسلام وأمن وأمان، بمعزل عمّا يحدث في العالم. تعود منصّة "نتفليكس" ثانيةً، لتنتج أعمالاً تتناول هؤلاء القتلة، لكن هذه المرّة خارج الولايات المتحدة، تحديداً، في الدنمارك، من خلال مسلسل يحمل عنوان "رجل الكستناء" (The Chestnut man).
مسلسل قصير، يتتبّع في ست حلقات سلسلةً من الجرائم التي تُرتكب بحق نساء. يخلّف القاتل وراءه، في كلّ موقع جريمة، إمضاءً يتمثّل بمجسّم صغير مصنوع من حبّات الكستناء وأغصانها الصغيرة، في شكل إنسان مشوّه.
نكتشف أنّ ضحايا القاتل هنّ أمّهات أسأن معاملة أبنائهنّ، ليقرّر أن يعاقبهنّ عبر قتلهنّ وتشويه جثثهّن. حكاية تقليدية، لرجل يعاني اضطرابات بدأت في طفولته، ترتبط بما تعرّض له من سوء معاملة على يد عائلة تبنّته، وشقيقته، حين كانا صغيرين.
بطبيعة الحال، يقود التحقيق في الجرائم امرأة مُنفصلة عن زوجها؛ وهي أم لطفلة تعاني مشاكل مع والدتها بسبب كثرة غياب الأخيرة، نتيجة انشغالها بعملها. نرى في ذلك تلميحاً إلى أن تكون المحققة ضحية مُحتملة للقاتل. وكما العادة، أيضاً، للمحققة شريك يساعدها، وهو أرمل؛ إذ فقد زوجته وابنته جرّاء حريق ما، لا نعرف عنه الكثير. في البداية، يبدو المحقق غير مبالٍ في القضية كلها؛ إذ يظهر بصورة الشريك السيئ، المتعجرف، الصامت، غير المهتم. لكنّه، خلف ذلك كله، محقق ذكي ولمّاح، وإن كان منطوٍياً على نفسه، لا أكثر.
يحاول المسلسل أن يسلط الضوء على مشكلة اجتماعية، كثيراً ما رأينا أعمالاً تتعلّق بها في البلدان الإسكندنافية. تتمثّل هذه المشكلة بالأطفال، والأيتام منهم تحديداً، والتحولات التي يعيشونها في حياتهم نتيجة فقدانهم لأبويهم البيولوجيين، وانتقالهم للعيش في كنف عائلات تتبنّاهم. يبدو أنّ بعض هذه العائلات تسيء معاملة هؤلاء الأطفال؛ فتستغلهم جنسياً، أو تعرّضهم لظروف حياتية قاسية.
لكن، هل يكفي نُبل القضية كي يتم تحميلها في مسلسل سطحي؟ غالباً لا. القتلة المتسلسلون والحبكات البوليسية هذه ليست ظاهرة في تلك البلدان، حتى إن أجرينا بحثاً عن القتلة المتسلسلين في الدنمارك، مثلاً، لن نجد الكثير. قصص محلية لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحد، بعكس ما نجده عند البحث عن القتلة المتسلسلين في الولايات المتحدة، أو بريطانيا؛ إذ سنجد قائمة طويلة بأسمائهم، وتفصيل مطوّل عن كلّ واحد منهم، إضافة إلى سلسلة من الأعمال الوثائقية والدرامية والسينمائية التي تتناول حكاياتهم.
لم يتجاوز "رجل الكستناء" أن يكون مجرّد حكاية بوليسية ركيكة، تسعى إلى تبنّي قضية إنسانية كُبرى، جعل من الدنمارك مسرح جرائم كبيراً ومُختلَقاً، عبر سلسلة من الأحداث التشويقية المتوقعة، والمكررة في أعمال كثيرة من هذا القبيل؛ كأن يكون القاتل شخصاً قريباً جدّاً من الجميع، لكنّ أحداً لم يستطع ملاحظة ذلك بعد.