"ليه لأ" جوابنا البديهي الأول الذي نتعلمه بالفطرة عند سماعنا كلمة كلا من والدينا، نكبر ويكبر الرفض المجتمعي الذي نواجهه، ونسبة هذا الرفض تزداد طرداً مع زيادة تمردنا على المجتمع أو رفضنا لمسلمات يعتبرها بديهية، ونعتبرها نحن أفكارا رجعية أحياناً وأحياناً بالية فحسب.
ربما من هذا الجواب الفطري انطلقت الكاتبة مريم نعوم برفقة ورشة الكتابة التي تشرف عليها، لخلق مسلسل "ليه لأ"، الذي يبدأ موسمه الأول بالمعركة الفطرية الأولى التي تخوضها أغلب إناث الشرق الأوسط ممن يبحثن عن استقلاليتهن، حياتهن وأحلامهن، بمعزل عن الخطة التي تضعها لنا أُسرنا، لنجد في الموسم الأول "عليا" التي تجسد شخصيتها الممثلة أمينة خليل، تهرب في المشهد الأول من زواج مرسوم ومخطط على قياس العائلة، والتي شرحت من خلالها الكاتبة السلطة الأبوية المتمثلة في نساء العائلة، أم عليا وجدتها، لا بل وصلت حتى بعض نساء المحيط، اللواتي شربن السلطة الأبوية والذكورية حتى تماهين معها.
خلال حلقات المسلسل الخمس عشرة تسلط الضوء المخرجة مريم أبو عوف على الصعوبات التي تواجه "عليا" في عملية البحث عن استقلالها وسلامها، لنجد فيها صورة النسوية التي تبحث عن حياتها، فلا تجد في عملها الآمن وزواجها الآمن سلاماً، بل تبحث عن ما هو أبعد من ذلك لنراها تتخبط في معترك الحياة، تعمل سائقة سيارة أجرة، ونادلة في مطعم، وخلال ذلك كله تجد الحب بمحض الصدفة لتثبت لأمها والتي تجسد صورة المجتمع بأكمله أن الزواج ليس عليه أن يكون غاية، هو فقط محطة من محطات الحياة الكثيرة نتوقف فيها طويلاً فقط من أجل من نحب، ومن يُحبنا سيحبنا كما نحن، لا كما تقرر العائلة، وكما يريد المجتمع.
نلاحظ خلال الموسم الأول وعلى الرغم من عدم تخلص "عليا" من رواسب المجتمع الذكوري الذي يمنعها من تقبيل شاب خارج إطار الزواج إلّا أن المسلسل واجه انتقادات كثيرة وأصبحت جملة "اللي قادرة عالتحدي" من شارة المسلسل تريند ونكتة على أغلب النسويات القادرات فعلاً على تحدي كل الأوامر التي تُفرض عليهن من المجتمع، المعارف والأسرة، ومع كل ذلك المسلسل حقق نجاحاً كبيراً. بعد نجاح الموسم الأول ذهب فريق العمل لما هو أبعد من ذلك ويكون التصعيد الحقيقي في هذا الموسم عندما تطرح الكاتبة هذه المرة السؤال الحقيقي "ليه لأ" بأبعاد مختلفة وجديدة.
لماذا لا يحق لنا كنساء أن نكفل أطفالا حين نشاء ونكون أمهات؟ لماذا يحتكر الرحم الأمومة؟ ولماذا يرفض المجتمع قراراتنا؟ هل الأم هي البيولوجية فقط، أم أنها التي تحب، تحنو وتعطف، تُربي وتُعلّم؟ كل هذه الأسئلة وغيرها أجابت عنها "ندى" طبيبة العيون التي لعبت دورها الممثلة منة شلبي، والتي لم يسبق لها أن تكون أمّاً في الحقيقة ومع هذا استطاعت أن تربط صورتها بصورة الأم في عقول المشاهدين من خلال براعتها بتأدية دور الأم البديلة التي احتضنت (يونس) الطفل الذكي الذي صادفته في دار رعاية الأيتام ووقعت في حبه من اللحظة الأولى، لنعيش بعد ذلك مع ندى تجربتها التي جعلت منها مناضلة تدافع عن ولدها بوجه المجتمع المحيط الذي يرفض هذه الفكرة متحججاً بأن كفالة طفل قد تحرمها من الزواج وهي ما زالت شابة وجميلة ولأنها طبيبة بالطبع. في هذا الموسم نعيش مع "ندى" حربها الخاصة التي تخوضها لتنهي أوراق الكفالة، ولتستطيع تسجيل ابنها في المدرسة، ولتكون قادرة على تأمين بيئة صالحة ليعيش فيها الطفل.