"أبو زعبل 89" لبسام مرتضى: سيرة أهل وتاريخ وذات وبلد

10 يناير 2025
محمود مرتضى وابنه بسام في "أبو زعبل 89": حوار مرتبك لكنّه مطلوب (الملف الصحافي)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يستعرض فيلم "أبو زعبل 89" تجربة والدي بسام مرتضى في السجون المصرية، ويعكس من خلال حوارات غير مكتملة النظرة الفردية للتجربة، مما يتيح استكشاف حساسية المراهق تجاه الأحداث المؤثرة في سيرته.
- يتميز الفيلم ببساطة بصرية ويستخدم لقطات متخيلة وصور فوتوغرافية وتسجيلات صوتية لملء الفراغات في السرد، مع التركيز على العلاقة بين بسام ووالده خاصة مع اقتراب رحيل والدته.
- يختار الفيلم عام 1989 كنقطة محورية، مع التركيز على أحداث تاريخية مثل مظاهرات يناير 1977 واغتيال أنور السادات، ويستخدم لقطات من أفلام وأغنيات وأشعار لتعكس تفكير بسام.

 

باستعادته التجربة المريرة في سجون مصرية عدّة، في فترات سياسية ـ اقتصادية مختلفة، لوالديه محمود مرتضى وفردوس البهنسي، يواجه بسام مرتضى، في "أبو زعبل 89" (2024)، ذاته وسيرته وعلاقته بهما (والداه) وبنفسه، في مراحل عمرية ولحظات انفعالية مختلفة. يوثِّق التجربة، لكنّه يُتيح لحواراتٍ غير مكتملة (فلا شيء مُكتملاً أساساً في حياة فردٍ على الأقلّ) أنْ تعكس شيئاً من الفرديّ البحت، ومن النظرة الفردية إلى التجربة تلك. يلتقي والداه، كلّ منهما على حدة لانفصال أحدهما عن الآخر، فيسترجع ماضياً، ويكشف ذاكرة، ويروي تاريخاً، وهذا كلّه شخصيّ أساساً، والعام يحضر عبر منظور شخصيّ أيضاً إليه.

بصرياً، يعتمد "أبو زعبل 89" ـ الفائز بجائزتي أفضل وثائقي طويل ولجنة التحكيم إلى تنويه من مسابقة "أسبوع النقّاد"، في الدورة الـ45 (13 ـ 22 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024) لـ"مهرجان القاهرة السينمائي" ـ على بساطةٍ وسلاسةٍ، ويبتعد عن فذلكةٍ تحول دون متابعة هادئة لحكاياتٍ، غير خارجة من العاديّ وشبه المتداول، لتشابهها (وإنْ في مفاصل عامة) وحكايات سجون سياسية عربية، وتأثيراتها في سجين ـ سجينة، ومن يحيط بهما. حكايات يستند بسام إليها كي يقول ذاتاً أو بعضها، وكي يروي حساسية مُراهق (تحديداً) إزاء الحاصل في سيرته، والحاصل هذا مرتبطٌ أولاً بالتجربة المريرة لوالديه، مع أنّه يُعيد اكتشاف الحاصل بنظرة الشاب الذي هو الآن.

البساطة والسلاسة البصريتان تُسهّلان تواصلاً مطلوباً بين المُقدَّم بصرياً ومتلقّيه. فيهما ينكشف بسام مرتضى أيضاً، ومعهما يُمتِّن المرويّ من اندثارٍ، وهذا مهمّ، فكلّ تجربة فردية تستحق توثيقاً، وعلى موثّقها إتقان تقديمها بأفضل صورة سينمائية ممكنة، إذْ يُفترض بالسينما أنْ تحضر دائماً في توثيق حكايات فردية. في "أبو زعبل 89"، تكتفي السينما بالقليل: لقطات متخيّلة لوقائع قديمة، وأخرى توحي بها، وبعض ثالث يستعين بصُور فوتوغرافية وتسجيلات صوتية (أشرطة كاسيت قديمة) وكتاباتٍ، لملء فراغٍ في توثيق الحكاية.

 

سينما ودراما
التحديثات الحية

 

والفراغ، رغم مساحته البصرية القليلة، يظهر في صمتٍ يُراد له الإيحاء بمرور وقتٍ ثقيل بين شخصين غالباً، لكنّه يقول مواربة بعدم قدرة على ذكر مفيدٍ غير مرويّ. هذا يختفي في جزء أخير من "أبو زعبل 89"، مع انكشاف بسام ووالده أحدهما إزاء الآخر، في لقطات متتالية معبّأة بقسوة المسافة بينهما، السابقة تحديداً، وبرغبة في اقترابٍ أكبر بينهما، خاصة أنّ فردوس، المُصابة بمرضٍ يحول دون تمكّنها من قول كلامٍ واضح بشكل دائم، سترحل، وسيكون للسابق القليل على رحيلها حيّزٌ شفّاف ومؤثّر، يعكس عمق العلاقة الوطيدة بينها وبين ابنها.

اختيار رقم 89 في العنوان يتوضّح في المُشاهدة. ذاك أنّ لعام 1989 ثقلاً أكبر وأقسى على محمود وفردوس من أعوامٍ سابقة، سيُعتقل فيها هو أكثر منها، والتهم جاهزة ومسبقة دائماً. الاختيار نواةٌ درامية لنصٍّ (سيناريو بسام مرتضى) ينتقل في أزمنةٍ عدّة بخفّة مُحبّبة، مع عمقٍ في التقاط مفاصل جوهرية في التاريخ المصري الحديث، إذْ يتمكّن (النصّ) من العودة بسهولة وسلاسة إلى مظاهرات "يناير 1977"، والذهاب إلى راهنٍ يشهد تصوير الفيلم. هناك اغتيال أنور السادات مثلاً (السادس من أكتوبر/تشرين الأول 1981)، وإضراب الحديد والصلب (19 مارس/آذار 1989، أي اللحظة التي يختارها مرتضى)، واعتقال محمود بتهمة الانتماء إلى تنظيم شيوعي، يُتّهم بأنّ له دوراً أساسياً فيه (الإضراب).

أصدقاء لمحمود يظهرون أمام الكاميرا (مدير التصوير: ماجد نادر. مُصوّرون: محمد الحديدي وأحمد أبو الفضل. مشاركة في التصوير: محمد فتحي): الممثل سيد رجب أوّلهم، إلى صابر بركات ورياض رفعت (يُعتَقلون معه). لقطات من أفلام "شحاتين ونبلاء" (1991) لأسماء البكري، و"عفاريت الإسفلت" (1996) لأسامة فوزي، و"عودة الابن الضال" (1976) ليوسف شاهين. هذه غير عابرة، لأنّها جزءٌ من تفكير وإحساس في ذات بسام مرتضى وروحه. أغنيات للثنائي أحمد فؤاد نجم ـ الشيخ إمام مثلاً، وأشعار لأمل دنقل وفؤاد حداد، وهذا كلّه جزءٌ من سيرة أبٍ يروي حكايته، ومن سيرة ابنٍ يريد فهم معنى غياب الأب في حالات عدّة، لن يكون السجن وحده سبباً دائماً له.

ببساطة وسلاسة، وباشتغالات بصرية متواضعة وهادئة ومفيدة، وبمرويّات تستعيد ماضياً لتوثيق ذاكرة، يندرج "أبو زعبل 89" في فئة أفلام عربية، عن أهل وأبناء/بنات هم/هنّ مخرجوها/مخرجاتها، وسِيَر الأهل مرايا تعكس فصولاً من تاريخ بلدان واجتماعٍ وأناسٍ.

المساهمون