"العودة": سيناريو مُفكّك وتوهان ممثلين

10 يناير 2025
جولييت بينوش ورالف فينيس في "العودة": أداء لا يليق بحرفيّتهما (الملف الصحافي)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- لا تزال أعمال هوميروس، مثل "الإلياذة" و"الأوديسة"، تلهم المشاريع السينمائية، مثل فيلم "العودة" (2024) للمخرج أوبرتو بازوليني، الذي يستند إلى الأجزاء الأخيرة من "الأوديسة".
- رغم التعاون مع نجوم مثل رالف فينيس وجولييت بينوش، لم يحقق الفيلم النجاح المتوقع بسبب ضعف السيناريو وافتقاره للتماسك والروح الأسطورية، مما أثر على أداء الممثلين.
- ضعف السيناريو انعكس سلباً على أداء الممثلين، حيث لم تتمكن جولييت بينوش من تقديم دورها بشكل مقنع، وظهر رالف فينيس بشكل غير متماسك، مما جعل الفيلم يفتقر إلى الانسجام والعمق الدرامي.

 

رغم مرور قرون على ولادته ووفاته (القرن الثامن قبل الميلاد)، لا يزال الشاعر الإغريقي هوميروس لغاية اليوم يُغذّي المخيّلة الأدبية والفنية، ويدفعها إلى نسج أعمال مستوحاة ومستندة من كتابيه الشهيرين الإلياذة والأوديسة، خاصة السينما التي وجدت فيهما مُنطلقاً مهمّا، انعكس في أفلام عدّة. كما أنّ هناك مشاريع يُعدّ حالياً لتحقيقها، كمشروع كريستوفر نولان، الذي قرّر تحقيق فيلمٍ من الأوديسة، يُتوقّع إطلاق عروضه التجارية في 17 يوليو/تموز 2026.

فيلم جديد يتناول هوميروس: "العودة" (2024) للإيطالي أوبرتو بازوليني (1957)، معروض أول مرة في قسم "غالا"، في الدورة الـ49 (5 ـ 15 سبتمبر/أيلول 2024) لـ"مهرجان تورنتو السينمائي"، ومستمدّ من الأجزاء الأخيرة للأدويسة. فيه، يستعيد بازوليني الفترة اللاحقة على انتهاء حرب طروادة بأعوام. لكنّ ملك جزيرة "إيثاكا"، أوديسوس (رالف فينيس)، المُشارك في تلك الحرب الطويلة والمستنزِفة، لم يرجع، لأنّه لا يملك شجاعة المواجهة، بعد خسارته معظم رجاله. أمّا زوجته الملكة بينلوبي (جولييت بينوش)، فتمنّي نفسها بعودته إليها، رغم أنّ كثيرين يريدون الزواج بها طمعاً باللقب، فكانت تناور وتحتجّ وتتلاعب بهم، لأنّها لا تملك قوة المواجهة، وفي الوقت نفسه يحدوها أمل عودة زوجها بعد كلّ تلك الأعوام، ليخلّصها من الطامعين بها، ويُعيد مجد الجزيرة التي أصابها الضعف والوهن، وتحوّل كثيرون من شعبها إلى متسوّلين وجائعين، تنخرهم الأمراض. كما كانت تتعرّض لضغط شديد للزواج، إلى درجة أنّهم باتوا يهدّدون بقتل ابنها الأمير تيلماكوس (تشارلي بلامر). أخيراً، يظهر الملك المفقود، ليس بالصورة المثالية التي كانت تريدها زوجته وابنهما. بذلك، تأخذ القصة أبعاداً تراجيدية أخرى.

تعاون بازوليني مع نجومٍ لإعطاء دفعٍ لفيلمه هذا، لم يمنحه القدرة على تحقيق المبتغى، فبقي "العودة" يراوح مكانه بما هو عمل ضعيف، بسبب السيناريو (جون كولي وإدوارد بوند وبازوليني) المتسرّع، رغم مشاركة الطبيب والروائي جون كولي، والكاتب المسرحي والسيناريست إدوارد بوند، المتوفّي في 3 مارس/آذار 2024، كاتب حوار "بلو آب" (1966) للإيطالي مايكل أنجلو أنتونيوني.

هذه المشاركة في الكتابة لم تنعكس في عمل محبوك ومتوازن ومترابط، إذْ بقي مشتّتاً ومرتبكاً ومحشوّاً بمشاهد عدّة زائدة، إضافة إلى خلوّه من منطلقات درامية. كما أنّه لا يستند إلى الروح الأسطورية التي يعكسها هوميروس بشكل كبير في أعماله، بل كانت شاحناً أساسياً لها. رغم هذه الأهمية، تجرّد "العودة" منها، مُقدّماً قصة عادية، تجري وقائعها في جزيرة.

 

 

كما أنّه لم يقدّم مؤشّرات تدلّ على أنّ بينلوبي ملكة، جاعلاً القصر سوقاً كبيرة، يدخل إليه ويخرج منه من يريد، إضافة إلى تحكّم أفراد العصابات المارقين بكلّ شيء. أي أنّ هناك عناصر عدّة غير مفهومة، ولا تملك دراميّتها، ويُمكن التخلّي عنها بسهولة، وتخليص الفيلم من شوائب، وحصره مدّته في وقتٍ معقول، بدلاً من 116 دقيقة.

ضعف السيناريو لم يظهر فقط في بناء الفيلم وتركيبته الكليّة، بل أثّر بشكل واضح على الممثّلين، خاصة الفرنسية بينوش التي، رغم خبرتها واحترافها ومسارها، لم تتجلّى في دورها هذا، وأعطت شعوراً بأنّها غير مرتاحة، لأنّها لم تتعاطى مع لحظات الحزن والفَقد والحسرة كما ينبغي، وهذه انفعالات لها خبرة كبيرة في تقديمها، لمشاركتها في أفلامٍ كثيرة. ظهرت متكلّفة جداً، كأنّها لم تدرس جدّياً تلك الشخصية، أو أنّ بازوليني لم يستطع استخراج جوهرها، ولم يقدر على إيقاد الجذوة التي تختبئ فيها. بهذا، فشل في ركيزة مهمّة ومحورية في السينما: حُسن إدارة الممثل.

سؤال التمثيل لم ينحصر في بينوش فقط، إذْ تعدّاه إلى فينيس، مؤدّي أدوار فارقة ومُركّبة. ليس لأنّه لم يعكس شخصية أوديسوس كما ينبغي، بل لموافقته على العمل في فيلم متسرّع ذي سيناريو ضعيف، وهذا أثّر عليه، وأسقط نجوميته وحضوره، إذْ تجوّل بين المشاهد من دون هدى، ولم يستطع اللحاق بالعناصر الأخرى، رغم اجتهاده الواضح، فكان الفيلم بمجمله سقطة لبازوليني وفريق العمل.

"العودة" فيلم سينمائي مستعجل، لم يُنظر في معظم جوانبه، ولا في ركيزته الأساسية، بعين ناقدة وفاحصة، أي السيناريو. لذا، تناسلت منه مشاكل أخرى، رغم الفضاء الجيد الذي جرت فيه الأحداث، وجهد المُصوّر ماريوس باندورو، الذي يبدو أنّه يعرف ما الذي يقوم به. لكنّ غياب الانسجام العام لم يمنح جهده وجهد غيره أي معنى.

المساهمون