أم الدراهم: ممنوع من العرض لأسباب غامضة
فوجئ الوسط الفني في الأردن، بقرار رفض التلفزيون شراء مسلسل "أم الدراهم"، وعرضه في الدورة الرمضانية الحالية، على الرغم من أن التلفزيون روّج للمسلسلات التي سيعرضها خلال رمضان، ومن بينها مسلسل "أم الدراهم"، قبل أن يصدر قرار رفض العرض، قبل موعد بثه بيومين. وبعد أن تمت الموافقة عليه من قبل اللجنة الفنية المختصة بإجازة الأعمال الفنية الدرامية، يظهر التساؤل التالي: ما الذي دفع القناة لتشكيل لجنة أخرى تخرج بتوصية "عدم قبول عرض مسلسل أم الدراهم، بعدما تبين أنه ضعيف إنتاجيا وضعيف على مستوى المعالجة الفنية"، كما جاء في بيان التلفزيون الأردني؟ ولماذا لم تكتف إدارة التلفزيون بقرار اللجنة الأولى حسب الأصول، والتي أوصت بعرضه؟ النقابة ممثلة بنقيبها قررت الصمت.
طبعا قرار الصمت لم يتخذ من قبل مجلس النقابة، بل يكفي أن يقرر النقيب عدم طرح الموضوع على المجلس حتى يتقرر الصمت. لكننا لن نتطرق إلى هذا الأمر. اشتد الجدال وخرجت مجموعة من الفنانين للاعتراض على القرار وعلى بيان النقابة، وضاعت الحقيقة في أعين المراقبين، حتى المختصين منهم، ما بين إدارة تلفزيون تصر على أنها تعاملت بمهنية، وأنها احترمت قرار اللجنة، من دون أن تفسر عدم احترامها لقرار اللجنة الأولى، وما بين مجموعة من الفنانين الجديرين، والذين يتمتعون بمصداقية أمام جمهورهم وزملائهم، والذين يصرون على أن مستوى العمل مقبول، وأنهم قدموا أفضل ما يمكن تقديمه في ظل ميزانية محدودة، لدرجة أنهم جميعا، وبدافع حب العمل، والحرص على عدم تفويت فرصة اللقاء مع جماهيرهم، قرروا القبول بالعمل بأجور لا تحاكي أجورهم الطبيعية.
بدأ شهر رمضان وتابعنا ما تم تقديمه على شاشة التلفزيون الأردني من أعمال محلية تباهى بها بيان التلفزيون، وأكد جودتها: "جميع الأعمال التي تم شراؤها تعالج قضايا وطنية وتحمل في ثناياها رسائل موضوعية هامة وبسقف عال". وتوالى عرض حلقات المسلسلات التي تحدث عنها التلفزيون، لنفاجأ بمستوى فني متدن على صعيد النص والإخراج والإضاءة والتصوير والصوت، فكانت النصوص خالية من أي فعل درامي، وكان الإخراج ينزع إلى تسريع عملية الإنتاج من دون أي اعتبار لجماليات السينماتوغرافيا والميزانزسين الفيلمي، ولا علاقة للمخرج بإدارة عمل الممثل. الأمر الذي جعلنا نتساءل: هل يعقل أن يكون مسلسل "أم الدراهم" أسوأ مما يعرض؟ مسلسل "أم الدراهم" يعتمد على المواقف الكوميدية المبنية بشكل كاريكاتوري، فشخصيات المسلسل كاريكاتورية بحتة، بعيدة كل البعد عن الواقعية الفنية.
في حالة "أم الدراهم"، اعتمد صنّاع العمل على مواقف كوميدية مقتبسة عن مشاهد مشهورة في أعمال عالمية، مثل مهاجر بريسبان ومحاكمة شايلوك في نص تاجر البندقية، وغيرها من نصوص درامية عالمية، لكن تم تقديمها في قالب غروتسكي يعتمد البارودي، أي المهزلة الكوميدية المبالغ فيها والمحبوكة بشكل فني. مثل هذه المعالجات الدرامية، رأيناها في أعمال مشهورة سورية عرضت على مختلف القنوات العربية، وهو شكل فني جديد على الدراما التلفزيونية الأردنية، وكان من الممكن أن يشكل نقلة نوعية يفترض بها أن تولد المزيد من الأعمال. وعملية إجهاض المسلسل بهذا الشكل، تضع علامة "قف" في وجه محاولة الخروج من صندوق الدراما التلفزيونية الأردنية الذي تقبع فيه منذ السبعينيات. ا
لمعالجة كاريكاتورية وليست واقعية، وشخصياتها كذلك، وبالتالي، لا تجوز محاكمة العمل على أنه عمل واقعي، ووصف هذا النوع من الكوميديا بأنه "لي لعنق النص لهدف الإضحاك"، كما جاء في بيان التلفزيون، هو وصف غير دقيق ويشير إلى جهل بأساليب الكوميديا وأشكالها. فيما يتعلق بالإخراج، نزع المخرج إلى تنويع اللقطات حتى داخل المشهد الواحد.. تنويع يشمل حجم اللقطات وزوايا التصوير وحركة الكاميرا، حتى أنه استخدم كاميرتين وشاريوه لتمكين الكاميرا من إضافة طابع الحركة على المشهد، ما يشير إلى عناية خاصة في اللغة السينمائية. الأمر الذي غالبا ما يتم إهماله في الأعمال التلفزيونية الأردنية بشكل خاص، حيث لا يسمح ضيق الوقت المتاح لأي مخرج أن يعتني بهذا النوع من الجماليات السينماتوغرافية. الاهتمام بالتفاصيل لم يقف عند مرحلة التصوير فقط، بل انتقل إلى مرحلة ما بعد الإنتاج (المونتاج)؛ فيظهر بجلاء أن هناك عناية خاصة في ضبط اللون وتصحيحه، والعناية بجودة الصورة وتوحيد الجو العام لها. وهو أمر عادة ما يستغني عنه معظم المخرجين الذين يعملون لإعداد أعمال رمضانية تحت ضغط ضيق الوقت وعدم توفر موارد إنتاجية.
أما في ما يتعلق بالتمثيل، نلاحظ الكثير من التجديد والخروج عما يسمى بقائمة الأدوار التي ارتبطت ببعض الزملاء الفنانين، فها هو أنور خليل على سبيل المثال، يقدم شخصية كوميدية مصممة بشكل كاريكاتوري؛ فيظهر قدرات تمثيلية لم نشاهدها من قبل في أي من أعماله، ليس لأنه طور من قدراته، بل لأنه وببساطة شديدة لأول مرة يقدم شخصية مكتوبة بهذا الشكل، وكذلك فعلت الفنانة ديانا رحمة وياسمين الدلو وعلي عليان، وآخرون كثر. لكن المحزن أن يحرم الفنان من فرصة تقديم نفسه بأسلوب مختلف، ومن خلال شخصية لم يقدم مثيلا لها من قبل.. من حق هؤلاء الفنانين عرض إبداعهم لجمهورهم، حيث الحكم والمقيم الحقيقي. ومن حقهم أن يتركوا وثيقة تسجل أنهم امتلكوا قدرات كامنة لم يحسن الإنتاج التلفزيوني استغلالها من قبل.
منع المسلسل بهذا الشكل أثار الكثير من الشبهات، حيث قالت تعليقات في وسائل التواصل الاجتماعي إن هناك أسباباً سياسية وراء المنع، ما عرض سمعة الفن في الأردن لضرر كبير، حيث يعاني الفنان الأردني عند محاولة إقناع زملائه العرب أنه لا يوجد رقابة في الأردن، وأن الرقابة فنية بحتة فقط، منع المسلسل أثار الكثير من التعليقات المسيئة. بيان التلفزيون كان ضروريا للتأكيد على أنه لا يوجد أي سبب سياسي لمنع عرض المسلسل، لكنه عجز عن إثبات ضعف العمل فنيا في الوقت نفسه، ما يؤكد أن أسباباً لا علاقة لها بالفن ولا السياسة، وقفت وراء قرار المنع. ومن هنا، يحق لي أن أتساءل كمواطن أردني يدفع ضريبة إجبارية للتلفزيون الأردني، قبل أن أكون مختصا بالفنون الدرامية، لماذا يتوقف عرض أفضل إنتاج درامي تلفزيوني محلي لعام 2021، ولماذا يحرم زملائي الفنانون من فرصة عرض مسلسل شكل بالنسبة لهم نقطة تحول في مسيرتهم الفنية، ولمصلحة من يتم إجهاض هذه التجربة؟