عرضت منصة "نتفليكس"، قبل أيام، مسلسلاً وثائقياً عن الفتاة الأرجنتينية، جورجينا رودريغز، المعروفة بكونها حبيبة لاعب كرة القدم البرتغالي الأشهر، كريستيانو رونالدو. العمل يحمل عنوان "أنا جورجينا"، وعرضته "نتفليكس" بمناسبة عيد ميلاد جورجينا الثامن والعشرين؛ إذ احتفل به رونالدو في دبي، بإضاءة برج خليفة بصورها؛ لتتحول الامرأة، بين ليلة وضحاها، إلى حديث الساعة، والشخصية الأكثر جدلاً على مواقع التواصل.
الترويج للعمل "أنا جورجينا" بدأ منذ عامٍ كامل، عندما كانت عمليات التصوير لا تزال في بدايتها. حينذاك، صرح صنّاع العمل أن السلسلة ستتناول حياة جورجينا وكفاحها، قبل أن تلتقي برونالدو، مشددين على المعلومات التي تدعم هذه الفكرة، كانتماء جورجينا إلى عائلة مهاجرة تعيش في إحدى القرى الفقيرة في شمال إسبانيا، وفقدانها لوالدتها بعمر مبكر، في عام 2011، إثر حادث سيارة. كما تمت الإشارة إلى حكاية والدها، الذي كان قد سجن بسبب عمله في تهريب المخدرات، قبل أن يموت في السجن عام 2019. لذلك، فإن الهدف من المسلسل هو سرد حكاية جورجينا، التي انقلب حالها بلقاء رونالدو، لتصبح واحدة من أشهر النساء في العالم، بعد أن كانت تعمل كبائعة لصالح العلامة التجارية الشهيرة، "غوتشي".
ما نلاحظه بعد عرض المسلسل، أنه لم يمر على حياة جورجينا قبل لقائها برونالدو، سوى من خلال سرد مقتضب وسطحي، وكأن حياتها قبل رونالدو لم يكن لها أي قيمة. هذا ما تؤكده جورجينا بنفسها من خلال حوارها، الذي تذكر فيه بأنها محظوظة لعدم استيقاظها باكراً للذهاب إلى العمل لإعالة طفلتها، فهي محظوظة لكون لاعب كرة القدم والد طفلتها الذي يملك ثروة تغنيها عن العمل. لتبدو هذه الكلمات مدخلاً للمفاهيم الإشكالية التي يطرحها المسلسل، إذ يبدو كأن عمل المرأة لا قيمة له، وأن مبرره الوحيد هو تأمين المال وإعالة الأسرة عند الضرورة، في سياق ينكر دور العمل في استقلالية المرأة. الوثائقي مليء بالأفكار الذكورية والأبوية التي تقدمها جورجينا كنصائح للفتيات على لسانها، إذ يتم افتتاح الوثائقي بقولها: "كثيرون يعرفون اسمي وقليلون يعرفون من أنا"، لتعرّف عن نفسها بأنها امرأة لديها ملايين المتابعين على إنستغرام، وأنها تعيش برفقة أشهر وأغنى رجل في العالم، لتبين خلال حديثها أن المعيار الأساسي لنجاح أي امرأة هو الحصول على أمير يرفعها إلى طبقة اجتماعية أعلى ليغير حياتها، كما هو الحال في حكايات أميرات ديزني.
هكذا، تبدو جورجينا في الوثائقي، وكأنها سندريلا التي انتظرت الأمير لينقذها من عذابها وفقرها، لتروي لنا حكايتها المسطحة، وتكرر العبرة مراراً: "حققت كل أحلامي عن طريق الحب". الحب المقصود، هنا، هو الارتباط بالأمير الثري، الذي جعلها تعيش في القصور الفارهة، وترتدي أغلى الفساتين والمجوهرات، التي كانت قد اعتادت على رؤيتها من خلف زجاج المحلات الفاخرة.
في المسلسل، تبدو جورجينا أنها لا تزال تعيش حلم أميرات ديزني الطفولي مع أميرها، وأنها فارغة تماماً وليس لديها أي مشروع خاص أو طموح، سوى الاستمتاع بالمزيد من الإنفاق والبذخ. المعاناة الوحيدة التي يعرضها الوثائقي هي معاناة جورجينا في اختيار فستان لمهرجان "كان" السينمائي، ورحلات البحث الطويلة في دور الأزياء الفخمة، التي تبين هوسها في شراء المجوهرات الأغلى. نلاحظ خلال متابعة المسلسل أنها لا تملك أي معيار آخر سوى "الأغلى"، فهي ستشتري أي شيء إذا كان باهظ الثمن؛ لتبدو جورجينا بكلّ لحظة شخصية فارغة، لا شيء يميزها على الإطلاق، وأنّ إنتاج عمل وثائقي عنها هو ضرب من الهزل.
تقول جورجينا خلال الوثائقي إنّها رغبت بتقديم المسلسل لتسكت ألسنة الصحافة التي تهاجمها على الدوام، وتكتفي دائماً بوصفها بـ"عشيقة رونالدو" وإنّ هدفها هو إثبات العكس. لكنّ العمل يؤدي لنتيجة عكسية بكلّ تأكيد؛ فـ جورجينا تبدو نموذجاً للفتاة الفارغة، التي لن يكون لها أي وجود خارج ظل رونالدو، ولن تغير هذه الصورة الجولات الاستعراضية التي تقوم بها في الحلقات الأخيرة من العمل الوثائقي، إذ تزور فيها القرية الفقيرة التي عاشت طفولتها بها، لتوزع المساعدات على الأطفال في مراكز الأيتام؛ فاستعراض الإنسانية وتقديم هذه الجولات بشكل درامي لن يغير من واقع جورجينا بشيء، حتى إذا حازت على جائزة "ستارلايت" عن مجمل أعمالها الخيرية، كما حدث في ختام المسلسل؛ فالأموال التي تبرعت بها لشراء جائزة تليق بنهاية فيلم لم تحصل عليها بمجهودها الخاص، وإنما من عمل رونالدو، الذي لم تكن لتحظى بأي شهرة لو لم تلتقِ به.