ليس بعيدا عن أنسي الحاج ولعه بالفنّ والأغاني. فهو عاصر فيروز والرحابنة في عزّهم. وارتبط معنويًا بالسيدة التي تسكن "القصرين" بين الرابية والروشة. أحبّها كما لم يحبّ أحدا. ولم يفهم أحد تلك العلاقة بين السيّدة والشاعر الساكن بين الحقيقة والخفر، إلا فيروز وأنسي، ولو بعد الرحيل.
فيروز برأي أنسي "صوتٌ يخترقُ دروعَ اللامبالاة، يبكّت ضميرَ الهزء، يطهّر النفس كما يطهّرها البكاء لا العقاب، محبّةُ الطفل لا مهادنة العدوّ. هذه السلطة الأخلاقيّة ليس مثلها لفلسفة ولا لتعليم. ربّما مثلها في شواهد خارقة". لم تكن علاقة من كلمات، بل هو أحبّها وكان مواظبًا على زيارتها، مع ثلّة قليلة من أصدقاء السيدة. ولو ابتعد عنها عاشقها الآخر الشاعر الراحل جوزف حرب، الذي أبعده عنها أنسي بشكل غير مباشر.
جوزف أيضاً كان عاشقًا للسيدة، لكنّه لم يهادن في حبّه ولم يذهب إليها رغم أنّ طيفها الفيروزي والعشق خيّما على "فيلّته" في المعمرية، فألبسها ثوب الطوباوية وعلّق صورتها بالأبيض الطويل.. ليس إلى الينابيع! وسط صالونه الواسع. وارتضى جوزف بحبّ من طرف واحد في حضرة الطيف.
ماجدة الرومي:
أما ماجدة االرومي فكانت هي أيضًا مولعة بقصائد أنسي الحاج . في العام 2009 استطاعت الفوز بقصيدة "شعوب من العشاق"، ولحّنها جوزيف خليفة، الذي قدّم بناء لحنيا رصينًا لنصّ غنائي صعب تلحينه.
نجوى كرم:
آخر نجمات أنسي اللواتي استطعن التغلّب على قلمه، بحبّ، كانت الفنانة نجوى كرم، التي كتب لها، بعدما شاهد فيديو كليب أغنية "ما في نوم"، من إخراج وليد ناصيف، نصًّا دعاها إلى النزول نحو المسرح الاستعراضي. فالشاعر المحيط بمعارف كثيرة استطاع أن يكتشف فيها ما لا تريد نجوى نفسها كشفه إلى الجمهور.
وهو قال عن نجوى كرم: "اجتازت هذه المطربة طريقها بنجاح. ومع هذا يبدو أنّها لم تُزرَع في المكان المناسب. صوت قويّ جذّاب وشعبيّة في الطليعة، ومع هذا لم تأخذ فرصتها. حسْن يزيده العمر حسْناً وحيويّة تحاذي الإرهاق، وكأنّ كلّ ذلك مخنوقٌ في قميصٍ أضيق من قياسه!".
وأضاف عنها: "في هذه الزحلاويّة القبضاي حوريّة تذوب نعومة. أغانيها وفيّة لزحلاويّتها ولا تعبّر عن الحوريّة الذائبة نعومة. لا أعرف إذا كان أحد فكّر في استثمار هذه الفنّانة مسرحيّاً، سينمائيّاً. مؤكّد لا وصول إلى ذلك بغير ترويض الشرسة. ولمَ لا؟ أشدّ جموحاً منها أتاح لهم القَدَر مَنْ يتعهّدهم ويصهرهم ويعيد تكوينهم. هذا هو عمل المُخرج، المخرج المسرحي والسينمائي والمخرج التلحيني. الصوت، أيّاً يكن، عجينٌ يتكيّف مع الخبّاز".
وختم انسي عن نجوى: "هناك أشخاص لو أعيد توزيعهم على غرار إعادة توزيع الألحان لتغيّرت أقدار. يجب أن تعطي نجوى كرم نفسها، بعد الهتاف، حقّ النجوى".
ملاحظة أخيرة من المحرّر: تقول إحدى الشهادات إنه طلب من ابنته، قبل لحظات من موته، أن يستمع إلى أمّ كلثوم، ثم أجهش وغفا.