استمع إلى الملخص
- انتقد ناشطون ومثقفون القرار، معتبرين أنه يساهم في تجهيل المجتمع، خاصةً الشباب والطلاب، وأشاروا إلى عدم اتخاذ إجراءات مماثلة تجاه بسطات أخرى، مما يثير تساؤلات حول دوافع القرار.
- يرى البعض أن القرار يهدف لفتح المجال لمشاريع خاصة مدعومة من السلطة، مما يعكس استغلال الأماكن العامة للربح، ويعتبر تداول الثقافة دون رقابة تهديداً للسلطات.
استنكر معظم السوريين، بمن فيهم المقربون من النظام الحاكم، قيام جرافات محافظة دمشق بإزالة بسطات بيع الكتب المستعملة من تحت جسر الرئيس في 17 أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، ورأى البعض أن هذا العمل بمثابة جريمة منظمة تهدف إلى محو ذاكرة السوريين، ولا تختلف عن جرائم إبادة الآثار وسرقة المتاحف وطمس المعالم التاريخية.
وبرّرت المحافظة فعلتها بالقول إنّها أزالت جميع الإشغالات غير النظامية في محيط جامعة دمشق وتحت جسر الرئيس، من بينها بسطات الكتب الموجودة في المكان نظراً لما تسببه هذه الإشغالات والبسطات من ازدحام ومضايقات لحركة المواطنين، إضافةً إلى تشويه المنظر العام، لافتةً إلى تلقيها شكاوى عديدة من قبل مواطنين وأعضاء مجلس المحافظة ولجان الأحياء تطالب بإزالة هذه الإشغالات المخالفة من الأرصفة والطرقات العامة.
وأكدت المحافظة أنها ستقوم بتجهيز أماكن مناسبة للبسطات تليق بالكتب وتكون تحت إشرافها، من أجل الحفاظ عليها وتنظيم عملها واستمراريتها. وبعدما قامت آليات المحافظة، ومنها سيارات نقل القمامة، بنقل الكتب والبسطات إلى أماكن الاحتجاز الخاصة بها، وعد محافظ دمشق، محمد كريشاتي، بتسليمها أصولًا لأصحابها، وتأمين أماكن خاصة ببيع الكتب المستعملة.
وتساءل الناشط مصطفى دليلي: "ما الفرق بين هولاكو الذي ألقى مخطوطات وكتب مكتبة بغداد في نهر دجلة وبين من يرتدي طقماً وربطة عنق وحصل على ثقة القيادة وحمل الكتب بالجرافات؟ إنها أسوأ برمجة لأجيال المستقبل".
وكتب المحامي محمد درويش لموقع الإندبندنت عربي أن "محافظة دمشق العتيدة قررت فجأة ومن دون سابق إنذار إزالة البسطات ومصادرة الكتب وترحيلها بسيارات القمامة، والحجة أن هذه البسطات تشوه المنظر الحضاري للبلد، بينما لم تحرك محافظة دمشق ساكناً تجاه بسطات التبغ المهرب، أو الازدحام على مواقف الباصات، أو المشردين، أو الدمار، أو الانفلات الأمني، ولم ترَ في ذلك ما يشوه المنظر الحضاري للبلاد. غير أن بسطات الكتب المستعملة التي يعيش منها بسطاء، ويرتادها قراء وطلاب جامعيون في ظل غلاء الكتب الجديدة وندرتها، جعلت المحافظة تستنفر لإزالتها".
ويرى العديد من الناس أن محافظة دمشق تتبنى سياسة تجهيل المجتمع، تحديداً جيل الشباب والطلاب الجامعيين، حيث أصبح هذا المكان مع الزمن مقصداً ومعلماً ثقافياً يرتاده كل طالبي الثقافة والكتب والمجلات النادرة والقديمة، ويشجع على المعرفة والقراءة في زمن تراجع فيه دور الكتاب، وأغلقت فيه أهم المكتبات التاريخية، مثل مكتبة النوري. كما يعد معرضاً دائمًا في مكان يشكل عقدة وصل بين معظم جامعات دمشق.
وقال أحد موظفي محافظة دمشق طالباً عدم الكشف عن اسمه، لـ"العربي الجديد" إن قرار إزالة بسطات الكتب أكبر من المحافظ، وهو قرار سياسي من جهات عليا، جاء بعد نية المحافظة تنظيم هذه البسطات في مكانها بحيث تحتفظ بفسحة محددة، وتسمح باستغلال المكان والأرصفة بشكل يخدم الجميع. أضاف: "لا أستبعد أن نشاهد قريباً عدداً من الأمبيرات وبعض الأكشاك للمدعومين من السلطة في نفس المكان، خاصةً أن المنطقة برمتها لا تتحمل إدخال خطوط نقل جديدة ومركبات وازدحاماً أكبر من الموجود حالياً".
وفي كل الأحوال، فإن إزالة بسطات الكتب بالنسبة للمحافظة يشبه إلى حد كبير قرار إزالة المولدات من شوارع دمشق، فالحجة هي عدم إشغال الأرصفة والأماكن العامة، بينما المضمون هو فتح أبواب الربح واستغلال المشاريع الخاصة مثل الأمبيرات أو شركات النقل الخاصة.
ومن جهة أخرى، تحدث فادي العبدو وهو أحد رواد هذه البسطات لـ"العربي الجديد" عن الرقابة التي تسعى السلطات إلى فرضها بإزالة هذه البسطات، مؤكداً أن المكتبات الخاصة ببيع الكتب والمجلات وحتى القرطاسية تخضع لرقابة من مديرية المطبوعات، بحيث لا تستطيع عرض أو نشر أي مطبوعات غير مرغوبة لدى السلطات، بينما استطاعت هذه البسطات أن تقدم ما يطلبه القارئ والباحث دون شرط أو تقييد وبأسعار معتدلة ورخيصة أحياناً، وهو ما تعتبره السلطة خطراً على تاريخها، في الوقت الذي تسعى فيه جاهدة لطمس التاريخ الحقيقي للسوريين.
وعن موارد هذه الكتب، يضيف: "غالباً ما كانت الموارد هي مكتبات خاصة لمثقفين سوريين بيعت لأصحاب البسطات لأسباب الهجرة أو الوفاة أو العوز المادي، والبعض منهم وجد في بيعها فرصة لتداول الثقافة ووصول المعرفة لجيل إثر جيل، لكننا جميعاً رواد هذه البسطات كنا نعلم أن كل ما هو مفقود في المكتبات الخاصة، نجده في هذه البسطات".