لعلّ الإضراب الحالي لنقابة ممثلي الشاشة الأميركية لفناني التلفزيون والراديو هو الأكبر والأضخم في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية، بعد إضراب العام 1960 الكبير الذي قاده النقيب حينها رونالد ريغان.
وبعد إضراب عام 1980 هدأت الأمور إلى أن جاء الإضراب الحالي بمثابة صرخة مدوية للمشتغلين في الصناعة بوجه هيمنة كبرى استوديوهات في هوليوود التي تنوي الاستعانة بالذكاء الاصطناعي لنسخ الممثلين والممثلات، ممّا يؤدي في نهاية الأمر إلى الاستغناء عن الأصل الحقيقي، أو على الأقل تسليع خدماتهم وتحجيمها، مما يدر المال الوفير على أصحاب الاستوديوهات.
وبالطبع قوبلت هذه النوايا بالرفض التام والغضب من قبل العاملين بالصناعة، وقرّروا إطلاق إضراب ضخم بعد فشل جميع المحاولات الودية لرأب الصدع بين القوى الإدارية المختلفة وبين العاملين، ثم بدأ الإضراب العام وشارك فيه ودعمه الكثير من نجوم ونجمات هوليوود، وعلى رأسهم ميريل ستريب.
كذلك، شاهدنا رفض كثير من النجوم المشاركة في العروض الافتتاحية لأعمالهم السينمائي، وتوقف معظم عمليات تصوير الأفلام والمسلسلات، تضامناً منهم مع الإضراب وكنوع من الضغط على كبرى شركات الإنتاج الأميركية. على سبيل المثال امتنع أو انسحب كل من إميلي بلانت وكيليان ميرفي من عرض فيلم "أوبنهايمر".
سيؤثر هذا المشهد الدراماتيكي بالطبع على مهرجانات سينمائية كبيرة مثل تورنتو وفينيسيا، لكنه ينير الطريق والوعي لأبسط الحقوق للفرد لدى المؤسسة وفن وطريقة المطالبة بحقوقه، بداية من المفاوضات الودية انتهاءً بالإضراب، كوسيلة ضغط على أصحاب العمل، ليعيدوا النظر فيما كانوا مقدمين عليه من قرارات مجحفة بحق الأغلبية، فهذا الإضراب تحديداً يخص أكبر قوى ناعمة في العالم، لابد أن ننظر إليه بعين الاعتبار والتأمل، وألّا ندعه يمر كأيّ حدث عادي في حياتنا دونما التفات إلى أهميته وخطورته.
هذا الجدل المتفجر بين قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج لهو خير دليل على أننا نعي عدم التفريط بحقوقنا المشروعة وأبسطها حقوقنا المهنية، بالذات مع ما يسمى بالقوة الناعمة في الشرق الأوسط، والتي يعاني منها وفي ظلها الكثيرين، وأبسطها وأهمها تفعيل قانون حق الأداء العلني الذي يضمن للعاملين بمهنة التمثيل حياة كريمة حتى لو خذلتهم ظروف العمل والترشيح لأدوار لأي سبب من الأسباب التي يطول شرحها.
ولهذا أهيب بالجميع أن نتدارك المشكلة قبل استفحالها واستحالة حلها. لا بد أن نبدأ الآن وليس غداً!