- الدحدوح فقد عائلته في غارات إسرائيلية، مما يعكس المخاطر التي يواجهها الصحافيون والثمن الباهظ للمدنيين في الصراعات، بينما تحاول بليك إيصال رسالة عن معاناة الفلسطينيين.
- بليك تمتد جهودها لتشمل جمع التبرعات لغزة وتسلط الضوء على استشهاد صحافيين، مستخدمة الفن للتعبير عن الغضب والتضامن ولفت الانتباه إلى قضايا حقوق الإنسان.
جدارية كبيرة للصحافي الفلسطيني ومراسل قناة الجزيرة، وائل الدحدوح، مرسومة على أحد الأسوار في شوارع العاصمة الأيرلندية دبلن. إلى جانب الجدارية، كُتب باللغة الإنكليزية بخط واضح "الحرية لفلسطين". العمل رسمته إيمالين بليك، وهي معلمة وفنانة غرافيتي أيرلندية. بعد إجلاء وائل الدحدوح من غزة إلى قطر للعلاج، نشرت بليك صورة للعمل في صفحتها على منصة إنستغرام، معبرة عن امتنانها له لأنه ساهم، كما تقول، في تعريفها وتعريف العالم بالجرائم التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي في غزة.
في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، استهدفت غارة جوية إسرائيلية عائلة الدحدوح؛ فاستشهدت زوجته آمنة وابنته شام وابنه محمود وحفيده آدم، إضافة إلى ثمانية أقارب آخرين. وفي ديسمبر/كانون الأول، بينما كان الدحدوح والمصور سامر أبو دقة يغطيان الغارة الجوية على مدرسة حيفا، استهدفتهما طائرة إسرائيلية من دون طيار، وأصيب وائل بشظايا. أصيب سامر أيضاً بجروح خطيرة، ورفضت قوات الاحتلال وصول سيارات الإسعاف إليه، وتركته ينزف لساعات قبل أن يفارق الحياة. بعد هذا الحادث بأيام، اغتالت إسرائيل الصحافي الشاب حمزة الدحدوح، وهو الابن الأكبر لوائل، بينما كان في طريقه برفقه زميله المصور لتغطية غارة جوية شنتها إسرائيل.
تقول بليك: "لا أستطيع تخيل الألم والصدمة والحزن الذي يمر به هذا الرجل، وكيف كان يعود إلى الكاميرا من جديد بعد كل ضربة يتلقاها، ليكشف لنا عن الجرائم التي ترتكبها إسرائيل. هذه الإرادة والقوة التي يتمتع بها وائل الدحدوح لا أستطيع أن أستوعبها، وهي أمر نادر، ولقد رسمت له هذه الصورة تقديراً له ولزملائه لأشكره على كل ما فعله".
تلفت الفنانة الانتباه إلى العدد الكبير من الصحافيين الذين استشهدوا خلال العدوان الإسرائيلي على غزة، فخلال مائة يوم فقط استشهد أكثر من 120 صحافياً فلسطينياً في مقابل 69 صحافياً خلال السنوات الخمس للحرب العالمية الثانية. تقول بليك: "لم يسقط مثل هذا العدد من الصحافيين في أي صراع عرفه العالم من قبل، إنها جريمة حرب وإبادة جماعية، وليس لها مسمى آخر".
للفنانة الأيرلندية العديد من الرسوم المنتشرة في شوارع دبلن، وجميعها متعلقة بقضايا مختلفة تخص المرأة وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية. ترسم بليك وجوه الشخصيات المؤثرة للفت الانتباه إلى القضايا التي يمثلونها، فقد رسمت جورج فلويد، كما رسمت أيضاً السياسي المصري المعتقل علاء عبد الفتاح، وغيرهم من الشخصيات المؤثرة وأصحاب القضايا من شتى أنحاء العالم. ومنذ بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، اقتصر نشاط بليك على القضية الفلسطينية وحدها، كما أنها تنخرط منذ شهور في العديد من الأنشطة والتظاهرات المطالبة بالعدالة للشعب الفلسطيني.
تعبّر بليك عن غضبها من خلال الرسم، كما تكتب الشعر أحياناً، وهي ترى أن الصور ومقاطع الفيديو القادمة من فلسطين هي من أكثر الصور المزعجة التي رأتها في حياتها. لا يضاهي هذه الصور في البشاعة، كما تقول بليك، سوى صور ومقاطع الفيديو التي طالعتها حين زارت معسكر أوشفيتز في بولندا، وهو معسكر اعتقال وإبادة أدارته ألمانيا النازية ليهود أثناء الحرب العالمية الثانية. تقول بليك: "إن ما نشهده الآن هو إبادة جماعية أخرى، وليس دفاعاً عن النفس، فقتل الأطفال ليس دفاعاً عن النفس، والاستهداف المتعمد للمدنيين لا يعد دفاعاً عن النفس. إنه لأمر مؤسف أن يكتفي العالم بالمشاهدة في الوقت الذي ترتكب فيه إسرائيل كل هذه الجرائم الوحشية، بل هناك أنظمة تقدم دعمها للقتلة".
من بين الصور التي رسمتها بليك وكان لها أثر بالغ عليها، امرأة فلسطينية تحتضن جسد طفلة صغيرة استُشهدت بعد غارة جوية إسرائيلية. الصورة التقطها الفلسطيني محمود بسام في نهاية أكتوبر الماضي. رسمت بليك هذه الصورة على جدار كبير في دبلن، وتظهر فيها الطفلة ملفوفة بعلم فلسطين. تقول بليك: "لقد حطمت هذه الصورة قلبي. إنها مجرد طفلة واحدة من بين آلاف الأطفال الذين قتلتهم إسرائيل. عدد كبير من هؤلاء الأطفال ليس لديهم عائلات ليحزنوا عليهم، مثل المرأة في هذه الصورة، لأنهم قتلوا مع عائلاتهم".
انتهت بليك من رسم هذه الصورة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، ولم تكن حينها تعرف هوية الطفلة حتى تلقت رسالة من خالتها، سامية الأطرش، المقيمة في غزة، تشكرها فيها على عملها. تعمل الأطرش صحافية مستقلة في غزة، وتقيم حالياً في رفح مع شقيقها وجدتها، وهما الأقارب الوحيدون المتبقون لها. أخبرتها الأطرش بأن الطفلة في الصورة هي ابنة أختها ماسة التي استُشهدت مع أمها وشقيقتها الكبرى لينا في غارة إسرائيلية على المنزل الذي يسكنون فيه. تأثرت بليك برواية سامية الأطرش وطلبت منها صورة لابنة أختها لترسمها من جديد. في فبراير/شباط الماضي، انتهت بليك من رسم صورة كبيرة لماسة على مبنى من طابقين. وإلى جوار الرسم، وضعت كوداً يمكن مسحه عن طريق الهاتف للتعرف إلى حكاية ماسة وعائلتها، وقراءة القصيدة التي كتبتها بليك عنها. القصيدة بعنوان "للمرة الثانية أرسمك" وتعبر خلالها الفنانة عن مشاعرها تجاه الطفلة ماسة، وكل الأطفال الفلسطينيين في مثل عمرها. تقول بليك: "تحكي القصيدة عن الأشياء التي لم أكن أعرفها عن ماسة في المرة الأولى التي رسمتها فيها، فحينها لم أستطع رؤيتها، فقد كان جسدها ملفوفاً في القماش".
تتواصل الفنانة اليوم مع سامية الأطرش باستمرار عن طريق الإنترنت، وتتعاونان معاً لجمع المساعدات والتبرعات للفلسطينيين في قطاع غزة. تعرض بليك في صفحتها على "إنستغرام" تصاميم مختلفة لقمصان وقبعات تحمل عبارات مؤيدة للشعب الفلسطيني، وتوجه عائد المبيعات لمساعدة فلسطينيي غزة، بالتعاون مع سامية الأطرش، كما تشارك باستمرار في المسيرات التي تُنظم من وقت لآخر في مدينتها دبلن.