الإبادة الرقمية في عام: الاحتلال يتوحش على الفلسطينيين

11 أكتوبر 2024
بعد قصف إسرائيلي استهدف مدرسة صلاح الدين في مدينة غزة، 8 أكتوبر 2024 (محمود عيسى/ Getty)
+ الخط -

تزامن العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة، منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، مع الإبادة الرقمية التي طاولت الفلسطينيين والمتضامنين معهم حول العالم، وتضمنت حجب المحتوى الفلسطيني وفرض رقابة على منشورات منصات التواصل الاجتماعي، وكذلك استهداف الصحافيين الفلسطينيين عبر شبكة الإنترنت. وفي هذا السياق، واكب مركز صدى سوشال للحقوق الرقمية الفلسطينية "عام من الإبادة الرقمية للفلسطينيين"، ووثق حتى أكتوبر الحالي أكثر من 23 ألف انتهاك رقمي، أقدمت شركة ميتا المالكة لمنصات فيسبوك وإنستغرام وواتساب على ارتكاب 56 في المائة منها، تلتها "تيك توك" (25 في المائة)، ثم "إكس" (15 في المائة)، فـ"ساوند كلاود" (3.7 في المائة).

وخلال عام، تعرض أكثر من 700 رقم "واتساب" فلسطيني للحظر، مما أدى إلى عزل السكان وزيادة صعوبة تواصلهم مع العالم الخارجي. وشكلت هذه الحالات نسبة 76 في المائة من أهالي غزة، مما أسهم في تعميق الأزمة الرقمية وفرض عزلة رقمية شبه كاملة على القطاع، وفقاً لـ"صدى سوشال".

وفي ما يخص الصحافيين، فإن 29 في المائة من إجمالي الانتهاكات الرقمية كانت موجهة ضدهم وضد المؤسسات الإعلامية. وقد تلقى "صدى سوشال" أكثر من 1200 شكوى من صحافيين حول محاولات اختراق لحساباتهم الرقمية، بينما ظهر 16 حساباً مزيفاً بأسماء صحافيين بهدف تشويه سمعتهم ونشر معلومات مغلوطة عنهم، مما شكل تهديداً مزدوجاً على سلامتهم الرقمية والجسدية.

ورصد "صدى سوشال"، خلال عام الإبادة، "نحو 67 مرة استخدمت فيها إسرائيل وقواتها العسكرية لعبة مربعات الموت كأداة للتنصل من مسؤوليتها عن قتل المدنيين الفلسطينيين، حيث نشرت خرائط تقسم قطاع غزة لمربعات مرمزة بأرقام معينة تأمر سكان مربعات محددة من بينها بالإخلاء تحت تهديد القصف والموت. وأعادت تكرار التجربة مع جنوب لبنان". كما وثق "صدى سوشال" أكثر من 80 ألف منشور تحريضي إسرائيلي عبر منصات التواصل الاجتماعي، بما في ذلك دعوات للإبادة الجماعية وتبرير العنف والقتل الجماعي بحق الفلسطينيين. ورصد 340 شكوى تتعلق بخطابٍ تحريضي عبر رسائل واتساب ورسائل قصيرة (sms)، بالإضافة إلى نشر 250 معلومة كاذبة ومضللة خلال هذه الفترة، تراوحت بين معلومات خاطئة كلياً أو تلاعب بالسياقات لتبرير الاستهداف العنيف للمدنيين الفلسطينيين.

وكرر "صدى سوشال" دعوته إلى المؤسسات الدولية "لاتخاذ موقف صارم ضد هذه السياسات التمييزية، ومساءلة الشركات التقنية التي تساهم في تعزيز الرواية الإسرائيلية عبر التضييق على المحتوى الفلسطيني، ووقف حملات التحريض التي تهدد حياة المدنيين والصحافيين على حد سواء".

قطع شبكات الاتصال والإنترنت

أكثر من 10 مرات قطعت فيها قوات الاحتلال الإسرائيلي شبكات الاتصال وخطوط الإنترنت بشكل كامل في غزة منذ 7 أكتوبر 2023، هذا عدا عن المرات التي قطعت فيها هذه الشبكات جزئياً. وامتد هذا القطع إلى محافظة جنين، وذلك في أغسطس/آب الماضي، مع تواصل الاجتياح الواسع لشمال الضفة الغربية ضمن عملية أطلقها جيش الاحتلال الإسرائيلي، "مما دفعها إلى ظلام رقمي نتيجة استهداف الخطوط الرئيسية والاحتياطية للاتصالات". ونبّه "صدى سوشال" إلى أن هذا الاستهداف المتكرر لشبكات الاتصال والإنترنت حرم أهالي غزة من الوصول إلى المعلومات الأساسية، وحرمهم من القدرة على الاتصال بفرق الإسعاف والطوارئ لإنقاذ المصابين وانتشال المفقودين من تحت الأنقاض التي خلقها القصف الوحشي لقوات الاحتلال. كما أثر هذا الحصار الرقمي على التعاملات المالية في القطاع، إذ لم يعد باستطاعة أهالي غزة سحب أموالهم من الصرافات الآلية، وبالتالي عدم قدرتهم على شراء الحاجات الأساسية. كما تأثرت الفئات الأكثر هشاشة، وتحديداً المعوقين الذين أصبحوا عرضة لمزيد من الأخطار نتيجة عدم وصولهم إلى الخدمات الحيوية. كما أن انقطاع الاتصالات أدى إلى انتشار أكبر للمعلومات المضللة، وأثار الرعب بين الفلسطينيين الذين لم يتمكنوا من التواصل مع ذويهم في غزة. هذا وقد عارضت سلطات الاحتلال الإسرائيلي في منتدى الأمم المتحدة اقتراحاً لإعادة بناء البنية التحتية للاتصالات في غزة، ثم مرر القرار بعد حذف بنود تحملها المسؤولية عن دمار هذه البنية.

الذكاء الاصطناعي أداة للإبادة

بينت تقارير حقوقية وصحافية عدة منذ السابع من أكتوبر 2023 أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي اعتمدت على أنظمة الذكاء الاصطناعي "هبسورا" و"لافندر" و"أين أبي" في استهداف أهالي غزة. ورصد "صدى سوشال"، خلال عام، 67 مرة استخدمت فيها قوات الاحتلال "مربعات الموت كأداة للتنصل من مسؤوليتها عن قتل المدنيين الفلسطينيين، حيث نشرت خرائط تقسم قطاع غزة لمربعات مرمزة بأرقام معينة تأمر سكان مربعات محددة من بينها بالإخلاء تحت تهديد القصف والموت. وأعادت تكرار التجربة مع جنوب لبنان".

حجب وتقييد الخدمات الرقمية

في إطار حربه الرقمية، عطل الاحتلال الإسرائيلي خدمة تحديد المواقع "جي بي إس" في مناطق عدة، وقيد الاتصالات إلى قطاع غزة عبر منصات عدة بينها "سكايب". كما أوقف خدمات الرسائل النصية الجماعية (bulk sms)، مما جعل التواصل مع القطاع المحاصر أكثر تعقيداً.

التجسس الرقمي

نصب الاحتلال الإسرائيلي في الطرق بين محافظات الضفة الغربية وفي "ممرات النزوح" في قطاع غزة، كاميرات بيومترية لمراقبة تحركات الفلسطينيين وجمع معلوماتهم الشخصية، ولجأ إلى استخدام رموز "كيو آر" لاختراق الأجهزة وجمع البيانات وترهيب السكان، وذلك في غزة ولبنان وطولكرم وجنين والخليل. ووجه إلى هواتف اللبنانيين والفلسطينيين رسائل تهديدية، أو أخرى تنتحل صفة مؤسات إغاثة. خلال الفترة نفسها، وثقت تقارير حقوقية إقدام الاحتلال الإسرائيلي على تسريب معلومات وبيانات شخصية لفلسطينيين في قطاع غزة وابتزازهم في حال رفضهم التعاون. وأشار "صدى سوشال" إلى أن الاحتلال هدد فلسطينيين بنشر معلومات خاصة تتعلق بتفاصيل حياتهم وهوياتهم الجندرية، بهدف التشهير بهم وتحريض بعضهم ضد بعض. كما زعمت هذه التقارير أن الأفراد المستهدفين "تجسسوا على غزيين آخرين لصالح حركة حماس"، مما تسبب في إلحاق الضرر بسمعتهم وزيادة التوترات الاجتماعية. وتزامنًا مع هذه العمليات، أسقط جيش الاحتلال منشورات من الجو في عدة مناطق في قطاع غزة، تضمنت صور وأرقام هويات 130 رجلاً، وفيها رسالة تهديد مباشرة: "اتصل بنا إن لم ترغب بظهور صورتك هنا... لقد تم جمع مئات الآلاف من التقارير عنكم يا سكان غزة".

تواطؤ منصات التواصل في الإبادة الرقمية

أكثر من 23 ألف انتهاك للمحتوى الفلسطيني على منصات التواصل الاجتماعي وثقها "صدى سوشال"، أقدمت على معظمها شركة ميتا (مالكة فيسبوك وإنستغرام وواتساب). وبحسب نتائج استطلاع أجراه "صدى سوشال" شمل 500 مستخدم، قال 68 في المائة إنهم توقفوا عن الكتابة على "فيسبوك" بسبب هذه الانتهاكات والإجراءات التقييدية المفروضة عليهم. واتجه 54 في المائة من المستطلعة آراؤهم إلى "إكس" (تويتر سابقاً)، فيما رأى 45 في المائة أن منصة تيك توك مساحة متاحة للتعبير، وقال 97 في المائة إنهم يمتلكون أو أنشأوا بعد الحرب حسابات على منصة تلغرام لمتابعة المنصات الإخبارية. واستغل الاحتلال ثغرة في "واتساب" في تغذية نظام "لافندر" للذكاء الاصطناعي الذي يستخدم في قتل الفلسطينيين جماعياً. على المنصة نفسها، حظر أكثر من 700 رقم فلسطيني.

المساهمون