عادة تصعب مشاهدة صور قتلى منشورة في الإعلام الإسكندنافي. لكن يبدو أن اتفاقاً غير مباشر جمع الصحف ووسائل الإعلام المرئية لنشر جثث ضحايا بوتشا الأوكرانية، مصحوبًا بلغة غريبة على النهج التحريري الذي اعتادته هذه المؤسسات الإعلامية.
ما سبق ينطبق على مختلف وسائل الإعلام في السويد والنرويج والدنمارك. فرغم صعوبة عرض صور الجثث، إلا أن حادثة بوتشا فتحت المجال أمام ذلك، لتتواصل التغطية منذ مساء الأحد حتى صباح اليوم الاثنين، تحت عناوين تعكس الغضب الاسكندنافي الكبير.
وإلى جانب عرض صور المقبرة الجماعية والقتلى، كان للمقابلات والتحليلات دور كبير في التركيز على ضرورة محاسبة روسيا. فتحدث التلفزيون السويدي، على سبيل المثال، إلى أوفه برينغ، أحد خبراء القانون الدولي، الذي أكد أن ما جرى في بوتشا "بلا شك جريمة حرب ارتكبها الجيش الروسي".
ولم يبتعد التلفزيون النرويجي "إن آر كي" عن زميله السويدي، فنشر صور ضحايا بوتشا، محذراً مشاهديه أنها "قاسية ومؤذية".
الصحف الاسكندنافية لم تبتعد عن هذا التوجّه العاطفي والغاضب في التغطية. فعرضت اليومية السويدية أفتونبلاديت، على غير العادة أيضاً، صور ضحايا متناثرين في الشوارع، بعضهم مربوط اليدين إلى الخلف، تحت عنوان "جرائم حرب". فيما نقلت الصحيفة عن مصادر أوكرانية قولها إن "عمليات إعدام لمدنيين جرت في بوتشا، ومن قام بها هم الجنود الروس".
في كوبنهاغن، الأكثر صرامة في النهج التحريري الذي يتجنب نشر صور ضحايا، تجاوزت صحيفة يولاندس بوستن التقليد والعرف بنشر صور ضحايا من بوتشا تحت عنوان "جرائم (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين لن تنسى أبداً"، مستعيرة العنوان من تعليق رئيسة وزراء الدنمارك ميتا فرديركسن مساء الأحد.
من ناحيتها، وسعت صحيفة بوليتيكن الدنماركية تغطيتها في عدد الاثنين بتخصيص الغلاف كاملاً لصورة ضحايا، تحت عنوان "كل شيء يشير إلى مذبحة في بوتشا"، معتبرة أن "جرائم الحرب تصدم العالم".
وعلى موقعها الإلكتروني، لم تدخر "بوليتيكن" جهدًا في عرض صورة ضحية مع دراجته الهوائية تحت عنوان لافت "الجرائم الروسية تثير الاشمئزاز عند السياسيين الدنماركيين". كما نقلت عن شهود عيان في البلدة الأوكرانية قولهم، إن "الجنود الروس كانوا يلقون قنابل دخانية في أقبية المنازل، ما يدفع الأطفال والنساء إلى الخروج، وهنا يطلق الروس عليهم النار بمجرد ظهورهم".
ونشرت الصحيفة افتتاحية بعنوان "أصدروا مذكرة اعتقال بحق بوتين". فوجهت كلامها إلى محكمة الجنايات الدولية قائلة "لقد حان الوقت لإصدار مذكرة توقيف، وهو ما ذكرته المدعية العامة السابقة لمحاكم الحرب في رواندا ويوغسلافيا السابقة كارلا ديل بونتي". واعتبرت أنه "لم يعد بإمكان أي شخص الشك في ارتكاب جرائم حرب روسية خطيرة في أوكرانيا. الأمور موثقة بالكلمات والصور، وقصص الرعب في بوتشا صادمة: مدنيون مقيدون للخلف أعدموا برصاصات في الرؤوس، بعضهم أغمضت عينيه بقميصه ثم أُعدم. لائحة الاتهامات تتوسع".
كما ذكّرت الصحيفة بتجربة ملاحقة الرئيس الصربي الأسبق سلوبودان ميلوسيفيتش في لاهاي (توفي في زنزانته قبل العقوبة). وعرجت في ذات الوقت على "جرائم أخرى ارتكبت، مشيرة إلى أن السكوت عن جرائم بوتين في الشيشان وسورية جعله يواصل جرائمه في أوكرانيا".
من ناحيتها، سخرت صحيفة بيرلنغكسا مما سمته "إنكاراً روسياً رغم كل الصور والأدلة"، مستدعية صور الضحايا وتقريراً لـ"هيومن رايتس ووتش" عن ارتكاب جرائم في الحرب الأوكرانية. معرجة في الوقت ذاته على حديث وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عن الصور التي ادعى أنها مجرد مؤامرة أميركية.
وإذا كانت الصحف الاسكندنافية تجاوزت عادتها بنشر صور ضحايا من بوتشا، فإن صحيفة بيلد (الشعبية) الألمانية تجاوزتهم جميعاً منذ عصر الأحد بنشر مكثّف لصور الضحايا.